الجزائر

الفتنة الكبرى (الجزء السادس عشر )



الفتنة الكبرى (الجزء السادس عشر )
بعض هذه التهم هي محض تلفيق استدعاه خصوم الصحابة من الرواة والمحدثين الشيعة يراد بها استهداف الخليفة الشهيد في إيمانه وإخلاص صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل الإدعاء زورا: أن الخليفة عثمان قد انهزم وفر في معركة أحد، وأنه رد الحكم بن أبي العاص بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطل سنة القصر في السفر، وأنه قد ابتدع في جمعه للقرآن وحرقه للمصاحف، وأنه علا على درجة رسول الله صلى الله عليه، وسلم وقد نزل عنها أبو بكر وعمر، كما ركبت مطاعن أخرى تريد إظهار مخالفته لسيرة أبي بكر وعمر في الناس، وأخرى تظهر الإساءة لبعض الصحابة، فيما أرادوا استثارة العامة باتهام الخليفة بالأثرة ومحاباة الأقرباء.وصدق رسول الله وهو يحذر الأمة من الفتن فقال: "والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم" وفي حديث روي عن زيد بن وهب عن الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها" قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال: "أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم" وفي حديث روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية". وقد كان الصحابة على إلمام بهذه الأحاديث وبتحذيرات النبي صلى الله عليه وسلم فلزموا الطاعة لولي أمر المؤمنين، اتقاء للفتن، ولم يكن هذا حال أهل الفتن من عامة المسلمين ممن لم تكن له صحبة ولم يتأدب على يد رسول الله، فانساقوا خلف المرجفين ورؤوس الفتنة بتلفيق كم من المطاعن على الخليفة عثمان رضي الله عنه.أكثر هذه المطاعن رد عليها الخليفة عثمان رضي الله عنه بحضور المتمردين وأغلب كبار صحابة رسول الله فأبكتهم، وكان رضي الله عنه عند بداية الفتنة قد استجاب لبعض ما كان يراها أنها مطالب مشروعة، أو لأن الاستجابة لها كانت ستساعد على وأد الفتنة وهي في المهد، ومنها إقالة بعض ولاته، وتعيين ولاة ارتضاهم المتمردون، كما لم يجار من نصحه من ولاته بتسليط السيف على البغاة، وقد نجح في المرة الأولى بإقناع المتمردين القادمين من مصر بالرجوع، قبل أن تتحرك الأيادي المشتغلة في الخفاء لتوقع مجددا بالعوام، وتعيد المتمردين إلى المدينة، حيث سيبدأ الحصار بكل تفاصيله البشعة، من حرمان الخليفة من الماء والغذاء والاعتداء اللفظي عليه، وما أظهروه من مكابرة حين كان بعض الصحابة مثل علي رضي الله عنه يحاولون محاورتهم، ودفع ما كان قد استحكم بأذهانهم من شبهات، كلها تفاصيل لا يتسع لها المجال، ولأن الغاية من هذه السلسلة ليس إعادة سرد الوقائع التاريخية، التي محلها كتب التاريخ والسير، بل التوقف مع القارئ عند الشبهات التي تقبل بها الفتن، فتعمي الأبصار عن حساب تبعات الخروج عن ولي الأمر، والاستعانة بجهل العوام من الناس، ثم كيف أن الفتن ليس لها عقال حين تفتح أبوابها، بل تتدحرج بأصحابها من هاوية إلى أخرى، وتسجنهم في مسار عدمي، نهايته إراقة كثير من الدماء، واقتراف مزيد من الإفساد حيث كان يراد الإصلاح.فحتى عودة المتمردين مجددا إلى المدينة والشروع في فرض حصار مطبق على الخليفة، لم تكن الأهداف والمطالب المعلنة تزيد عن المطالبة بتغيير بعض الولاة، وتصحيح بعض المظالم، ولم يكن قد رفع مطلب عزل الخليفة كما سيحصل لاحقا، كما لم يكن في حسبان المتمردين أن تتدحرج بهم الفتنة إلى قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه. (يتبع)




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)