الجزائر

الفئات الاجتماعية للمجتمع التلمساني



إن دراسة فئات المجتمع التلمساني وشرائحه، خلال العهد الزياني وتوضيح دورها في الحياة العامة، وتحديد نمط إنتاجها معيشها لمن الصعوبة بمكان سواء من الناحية المنهجية، أو الناحية التاريخية، لغياب الأسس التي يقوم عليها المجتمع الطبقي من جهة، والنقص الكبير في المصادر الأساسية، التي تعالج البنية الاجتماعية، للمجتمعات الإسلامية في العصر الوسيط بصفة عامة، والمجتمع المغاربي على وجه الخصوص من جهة أخرى، وأنه من الصعب أن نتناول هذا الموضوع بالمصادر التاريخية التقليدية (1)، وأن نتعرف على الوضعية الاجتماعية لمدينة تلمسان، كظاهرة جزئية، بدون الاعتماد على الظاهرة الكلية، لمجتمعات المدن الإسلامية وتصنيفها، حسب المضمون الطائفي والطبقي الفئوي (2).

وبناء عليه، فإني أستهل هذا الموضوع، بالملاحظات التي أبداها إخوان الصفا عن المنظومة الاجتماعية، التي كانت سائدة في العالم الإسلامي كظاهرة عامة، تكون مدخلا يمكن أن تساعدنا منهجيا، لدراسة الظاهرة الجزئية للمجتمع التلمساني.

وقد وضح إخوان الصفا الطبقات بقوله: 'الناس أصناف وطبقات، منهم أرباب الصنائع والحرف والأعمال، ومنهم أرباب التجارات والمعاملات والأموال، ومنهم أرباب البنايات والعمارات والأملاك، ومنهم الملوك والسلاطين، ومنهم الزمني والعطل وأهل البطالة والفراغ، ومنهم أهل العلم والدين'(3).

وعلى هذا الأساس تقريبا يمكن أن نصف، الكيان الاجتماعي الحضري في المغرب الإسلامي الوسيط، لأنه هو الآخر يتضمن تقسيما فئويا شبه طبقي، كما وصفه إخوان الصفا وقد عرف الفكر الإسلامي الوسيط، هذا التصنيف في المشرق والمغرب على حد سواء، ويتضح ذلك من خلال الكتب والمصنفات العديدة التي دونها المؤرخون والإخباريون، ورجال الفقه والأدب والفكر المسلمون عبر حقب زمنية متعاقبة، تحدثوا فيها عن فئات المجتمع الإسلامي وطبقاته، من أمراء ووزراء وقضاء وفقهاء، وأدباء وأطباء وغيرهم، حسب ثقافتهم ووظائفهم ومهنهم، ومستواهم المادي والاجتماعي، غير أن النصوص في أغلبها، لا تميز إلا بين طبقتين اجتماعيتين أساسيتين هما:

1)- الطبقة الخاصة

2)- الطبقة العامة، وهذا ما جعل بعض الدارسين في هذا المجال، يعتمدون على هذا التصنيف، في أبحاثهم ودراساتهم ولا يتعدون ذلك (4).

وحتى هذه المصادر أو النصوص، بت تحدد لنا ضوابط دقيقة لهذا التصنيف، بحيث تتداخل بعض الفئات الاجتماعية في التصنيف، لعدم تحديد الخصائص المميزة، التي ينطبق عليها كل مفهوم(5).

فقد كان المجتمع التلمساني، يخضع للتقسيم الفئوي في العهد الزياني، شأنه في ذلك شأن مجتمعات الحواضر الإسلامية الكبرى، برغم كون عقيدتنا الإسلامية تنبذ التصنيف الفئوي والطبقي، وتدعو إلى أن يكون أفراد المجتمع الإسلامي إخوة متساويين، كأسنان المشط في إطار أمة واحدة، إلا أن واقع الحياة، وظروف المعيشة والبيئة، وسلوك الفرد، وطموحاته واجتهاده في طلب المعاش، أفرزت فئات اجتماعية متباينة، في مدينة تلمسان وغيرها، فرضتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية والسياسية لكل مجتمع، إذ أن ما يميز المجتمع الطبقي هو الملكية الفردية، لوسائل الإنتاج، وعلاقات الإنتاج المتميزة، باستغلال أقلية مالكة، لأغلبية غير مالكة، واختلاف نمط العيش والاستهلاك، بينما في المجتمع الحضري المغربي الإسلامي، يمكن الحديث عن فئات اجتماعية متميزة بعدة خصائص، لكنها لا تسمح لها بالارتقاء إلى مستوى مفهوم الطبقة(6).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)