ثمة تواطؤ عام على الاتفاق بأن كل شيء على مايرام، ولو لم يكن ذلك صحيحا. يبدأ سكوت عام ونتفرع إلى غش عام معفي عنه، كلحية الإمام مع أن الحقيقة كلحية الإمام مع أن الحقيقة أن الأكثرية الساحقة تمارس سياسة الغش من الامتحان إلى الانتخابات وحتى في طعام الإنسان والأنعام!
بوس ودبوز!
ثمة قانون غير معلن اسمه الغش مسموح كالسرقة والاختلاسات لمن استطاع في جميع المستويات في الباك وتحتها وفوقها.
وتمتد من التعليم حتى فن الحجامة في سياسة رؤوس الرعيان بعد أن اختار النظام تلك الرؤوس وقرر أن يخضعها بالبوس أو بالدبوز أو بالإثنين معا، فالكل في النهاية يأتي بنتيجة موافقة لتطلعاته الهادفة إلى الحفاظ على الاستقرار وترك «البير بغطاه»، كما كان يقول يلتسين في روسيا مع أنه طول الوقت لم يكن مريضا أو شبه عاجز، أي «طاب جنانه» وإنما مخمور وسكير، يركب الطائرة مثلا ويراها قمارا!
أما سياسة التثبيت لهذا الوضع في ميدان كالتعليم ومنذ أعوام، فقد ارتكز على التساهل في وضع الأسئلة لكي تكون في مستوى محصول العقول ومعظمها لم تعد عابئة بالدراسة خاصة في أوساط الفقراء ممن صاروا يعتقدون أن المستقبل «ماكانش» يقرأ الواحد أولا يقرأ وهو اكتشاف جديد، لأن الآراء كانت تذهب في السابق إلى كون أولاد الأغنياء والأثرياء الجدد والقدامى هم الذين يغرفون على الكراسي، لأن مستقبلهم مضمون وإن عاشوا مائة عام طالما أن الأمور محفوظة بقانون الاستقرار الذي لايجبر أحدهم حتى على مجرد السؤال كيف أصبح «قمقوما» بعد أن كان «عريانا» يبيت في الحمام والتساهل، هذا في الأسئلة يفتح الباب أمام ضخ النقاط بواسطة أنابيب البترول، وليس وفق نظام السقي بالقطرة!
ولهذا تأتي النتائج مضخمة ومنفوخة مثل كباش العيد التي يشيعها مربو المواشي ذرة وشعيرا وحنطة، وربما أجبروها على أكل الفول والحمص حتى تعجب المشترين، ويعجبون أيضا بالسعر الجميل الذي يعرضون به بضاعتهم!
وهذا الأخير بدوره يختمر في عقول الكثيرين ممن لايرون مصلحة في معاداة السياق العام للأمور أو معاداة آخرين بالقول طالما أن كل هؤلاء سينجحون وإن كانوا لايستحقون، فلماذا أفعل مثل دون كيشوت أصارع طواحين الريح (لإنتاج الكهرباء) فيأتيني البلاء ولو بالدعاء علي طالما أن باب الغش مسموح بالقانون وبالدستور!
وفي النهاية يبدأ سيناريو الغش ينضج ويتوسع ويكبر كداء السرطان حتى لم يعد يجب أمامه من يعترضه أو ينهاه أو يعاتبه، بعد أن شق الطريق بصاحبه إلى تلك الدار التي ليس فيها غش على أية حال لأن شعارها من غشنا فليس منا!
والمسألة تلك تتفرع وتأخذ تفاصيل جديدة وقديمة، منها شكل الغش العام المطبق منذ الثمانيات كما يذكر شهود عيان في تلك الولايات التي صارت ولايات علمية، مع أن نجبائها الذين تصدرهم لجهات أخرى بعد الجامعة لايقنعون فمستوياتهم التعليمية ضحلة وضعيفة ونجاحهم بهذا الشكل الكثيف والمعمق تصبح عليه نقاط استفهام وهذه الولايات العلمية تقابلها و،لايات الجهل والجهالة، فتأتي عادة في مقدمة الترتيب في الصف الأخير. ويبرر تأخرها عادة بعد كل تحقيق صيفي وخريفي ملخصة أن مدير التربية كان نائما على السرير طول العام منشغلا برعي قطعان الماعز والأغنام وحتى العبير، وأن التلاميذ لم يلتحقوا بالدراسة بعد أن هزمهم البرد والزمهرير في الشتاء ولفحهم ريح الجنوب وقت الامتحان!
وانتهى التقرير والسلام وعليكم بتغيير المدير وليس الوزير لأنه رقم مستحيل إلا على عزرائيل!
خطاب رسمي صريح!!
ثمة بالطبع تفاوت في مسألة انتشار الغش داخل الكيان الواحد وهذا وفق المواقف الشخصية والخطاب العام، في ظاهره ينبذ الغش ويدينه ويجرمه ويحرمه مستثنى منه الغش في المناصب، وإن كانت ثمة تحقيقات فتحت حول أصحاب شهادات «سيزيام وكاتريام» حصلوا بموجبها على مناصب حتى أهم شركة في البلاد هي مصدر كل «حلاب وحلابة واسبرين» التطلع الذي تضخ منه للآخرين الكف عن النياح أمام القافلة وهي تسيير إلى أعلى قمة في الهملايا وليس إلى البير، فالذين يفهمون الخطاب الرسمي على ظاهره يكون الغش فعل قبيح بما فيه أهمه وهو الغش في صندوق الانتخاب وحوله وفي محيطه، هؤلاء أقول يجنون على البعض أيضا ممن لم يسمح بممارسة حقهم الإنتخابي في الغش وأنهم ببساطة لايجيدون فن الغش أو لا يعرفون، وعادة مايكونون ضحايا قانون وليسوا أقل مستوى مقارنة مع الأغنياء الناجحين!
فأخذ الأمور على ظاهرها كما يأخذ السلفيون بعض الأحاديث قد ينجر عنه تأويل كبير وخطير، فليس معقولا أن تظهر تلك السلطة كمن تشجع رعاياها على ممارسة الغش، وهي تملك جهازا لقمع الغش في وزارة التجارة وفي الجمارك التي تأتي منها مختلف الشرور مع الصبور وفق مبدأ دعه يعمل دعمه يمر لكل كبير لايدفع أو صغير يدفع مقدار حمل بعير من الشعير! فهي قد اكتفت بأهم الأمور من تحقيق أول مساواة في العالم بين الجبهة والأمين استغرقت لتحقيقها بضع سنين قبل أن تستقل إلى مرحلة أعلى جعلت الأخيرين مع الكسالي والفنيانين والراقدين في الأعلى ومن الفاترين الغانمين وهذا بعد أن تبريف (من بريفي) بقايا القطاع العام وجعلوه مكانا آمنا للرداءة ثم خصخصوا الباقي بسلام تحت طائلة قانون ابتدعوه ليكون بديلا عنه وتحت اليد ويتصرفون فيه كما يتصرف السلطان الجائر مع رعيته، فهناك قانون غير معلن مفاده أنه كلما كان «دوسي» الشخص أي ملفه الشخصي وسخا وعفنا وكان من أصحاب السيزيام كلما زادت حظوظه لكي يكون في المقام الأعلى من مقامات دولة الرعيان فهو يصلح للخدمة، ولا يرفض عرضا ولو مشت فوقه النسوان والصبيان!
كلهم «تترفكون»!!
يمكن لجماعة بن بوزيد في التربية أن تطمئن بعض الشيء، بالنظر إلى كون الغش عملة رائجة في الدول الغنية والمتقدمة أيضا يبجعلهم يقرون بأن المصائب ليس حكرا علينا لوحدنا وهناك دراسة إنجليزية حول التعليم الجامعي تقول إن 45% من الطلبة الإنجليز يغشون خلال الامتحانات باستخدام وسائل رقمية أكثر تطورا، والمختصون في البيداغوجيا مع المسؤولين مصممون على تقليص الظاهرة إلى الحد الأدنى الممكن!
هذا في بلاد الإنجليز والضباب أما في ففرنسا أمنا فتبلغ نسبة الغش الجامعي 84% وفي تركيا 80% متبوعة برومانيا 96% وهي دولة اشتراكية سابقة «تأبلرت» بعد إعدام تشاوسيسكو آخر رئيس شيوعي لهم مع زوجته وقد تبين أن آثار حذائه تبين أنه متآكل، مما يعني أنه وهو الطاعن في السن لم يجد الفلوس والرومانيون ندموا بعد ذلك على قتله لأنه لم يكن يسمح بالغش الجماعي!الاستثناء الوحيد في عدم ممارسة الغش هي الحالة الاسكندنافية، حيث لا تصل نسبة الغش إلى 4.9% وهذه الدول ذات النظام الديمقراطي الشعبي الاجتماعي تعد أكثر الأنظمة عدلا ومساواة.. الحالة الرومانية هي الأقرب للحالة الجزائرية، فالطالب (الثانوي أو الجامعي) الغشاش يمثل مصدر شر بالنسبة لزملائه الذين يعملون بنزاهة وشرف والمربي والمعلم والأستاذ الذي يغض الطرف عن الغش متهم بكونه أحد الأسباب في تخريب النظام التربوي برمته، ورجل الشرطة الذي يغض الطرف عن تطبيق القانون تجاه إرهابي من إرهابي الطرقات ساعد في تضخيم عدد حوادث المرور، ورئيس البلدية الذي يقدم خدمة خاصة بمعارفه للحصول على مكسب أو منصب يخلق نوعا من الهوة مابين الإدارة والمواطنين وكذلك يحصل مع نوع مراقبي الأسعار بالنسبة للتجار الذين يسرقون المستهلكين وضرائب الدولة، ومع نوع الصحفيين الذين يسكتون عن الأمور الكبيرة وينفخون في الصغيرة! وقس على ذلك سكوت المواطنين عن التزوير في الانتخابات بدعوى أنها لا تعنيهم ولم يشاركوا فيها. وبشكل أوسع ثمة مايشير كما بينه ملتقى دولي حول الإقتصاد الجزائري أن 50% من المستوردين غشاشون وهؤلاء المستوردين يجب أن تعرف أنهم عوضوا الدولة فلا وقت لديها لهذا العمل فلعلها حتى هي منشغلة بالسرقة والتزوير، فهل أن كل شيء مزيف في هذه البلاد من الطبيب والمهندس والإمام والتاجر الى النائب العام (والخاص) الذي يرفع يده!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : رضا بن عاشور
المصدر : www.elbilad.net