عنف في المدرسة بجميع أطوارها، عنف في المحيط المدرسي، عنف في البيوت، عنف في الشوارع والساحات العامة، عنف في الأسواق و الطرقات، عنف في المستشفيات و الملاعب، في أماكن العمل، حتى بيوت العبادة التي من المفروض أن يرتادها المؤمن ليرتاح نفسيا و روحيا، لم تسلم من هذا الداء الذي أصبح مزمنا و عصيّا على الجميع .هو إذن العنف في كل مكان، و ليس هناك ملاذ آمن يلجأ إليه أصحاب نظرية اللاّعنف الذين مازالوا يعتقدون خطأ، أن العنف بمختلف أشكاله و أنواعه و محركاته، هو ظاهرة غريبة و حديثة على المجتمع الجزائري الذي يمكن فصله عن ماضيه التاريخي و محيطه الإقليمي و الدولي الذي يؤثر فيه و يتأثر به.فكلّما وقعت حادثة مؤلمة مثل طعن تلميذ لزميله في القسم أو في الفناء أو أمام المدرسة، أو تم اختطاف طفل أو احتجاز طفلة أو معاكسة امرأة في الشارع بطريقة فظة، أو تسجيل حالات عنف داخل ملاعب كرة القدم في نهاية المواسم الرياضية، تطرح الظاهرة بحدة و تتوقف عندها وسائل الإعلام للتخويف و تستدعي المختصين و غير المختصين لتقديم الأسباب و يتم فيها محاكمة السلطات المعنية و الحديث عن مسؤولياتها في حماية المواطن، و خاصة المنتمي للفئات الضعيفة التي لا تقوى على الدفاع عن نفسها.و يستأثر العنف المدرسي على اهتمامات المتتبعين لرصد تطورات ظاهرة العنف عموما، لاعتقادهم أن أماكن مثل المدرسة و الجامعة و دور العبادة، هي فضاءات مسالمة من المفروض أن تكون بعيدة عن مختلف أشكال العنف بحكم وظيفتها التعليمية و التربوية التي ترفض أخلاقيا اللجوء إلى الإعتداء اللفظي أو المادي على الغير، لتسوية النزاعات الفردية أو الجماعية، أو الحصول على الحقوق حتى و لو كانت مشروعة.غير أن واقع الحال يؤكد أن المدرسة الوطنية اليوم، أصبحت ضحية محيط عام يعجّ بالعنف و العنف المضاد، و أن ما يحدث فيها من اعتداءات بين التلاميذ من جهة و من جهة أخرى بين التلاميذ و الأساتذة هو امتداد طبيعي لما يحدث في المجتمع من تجاوزات غير أخلاقية و سلوكات مشينة على نطاق واسع، كانت إلى وقت قريب من الأشياء المحرّمة في العرف و الدين.فمن كان مثلا يتصوّر أن تلميذا في طور المتوسط يعتدي على أستاذته لأنها لم تتغافل و تسمح له بالغش في الامتحان، و أنها حرمته من النجاح و الانتقال إلى السنة الموالية، معتقدا أنه من حقه النجاح بحكم ما تقتضيه الإصلاحات التربوية الحديثة التي تجعل من النجاح الجماعي غاية العملية التربوية في حد ذاتها.هل من الممكن بيداغوجيا أن نسأل التلميذ الذي تجرأ على الغش و لم يعد يخاف من الأستاذ(ة)، كما كان يخاف أبوه من قبل، و نقول له لماذا تطعن زميلك الذي لم يسلمك هاتفه الذكي و تعتدي على زميلتك التي تفوقت عليك في حصد النقاط و تضرب أستاذتك التي لم تسمح لك بالنقل؟ هل لأنك لم تعد تخاف من الأستاذة أو من العقوبة التربوية؟.بعض الخبراء أضافوا معطى جديدا للتدليل على خطورة العنف المدرسي بعدما شرعت وزارة التربية في محاربته بواسطة المقاربة الأمنية، و يتعلق الأمر بظاهرة تفوق الإناث على الذكور في الأطوار التعليمية و أثناء المسابقات التوظيفية، و بالتالي حدث اختلال في المعادلة الطبيعية بين الجنسين بانتقالها من النقيض إلى النقيض أي انقلبت رأسا على عقب. فقد أصبح البعض يتحدث صراحة عن الانعكاسات السلبية لظاهرة هيمنة العنصر النسوي على المنظومة التربوية، بنفس الدرجة التي حذر بها الخبراء من خطر الاستعمال المفرط للأنترنيت و خطر استهلاك المخدرات على تفاقم ظاهرة العنف المدرسي.إنّ التحولات العميقة التي يعيشها المجتمع الجزائري الذي خرج مصدوما من تجربة مريرة في مكافحة الإرهاب بأشكاله الرهيبة، تستدعي ليس فقط البحث عن الأسباب و المسبّبات كما يقال لظاهرة العنف يعاني منها العالم كلّه، و لكن في العمل سويا على حماية المدرسة قدر المستطاع من عنف الكبار و الحفاظ قدر الإمكان على بقائها بعيدة عن التجاذبات الإيديولوجية التي هي أيضا نوع من العنف الممارس ضد المدرسة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/03/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : النصر
المصدر : www.annasronline.com