يتبيَّن أنَّ وُجهة النَّظر هذه، التي تمَّ التَّعبير عنها منذ قُرابة قرن، حديثة تماماً و هي في طليعة التفكير التّرجمي. و الواقع أنَّ خطّ سَيْر هذه الدِّراسة هو التطوُّر البطيء الذي عَرَفَهُ التَّفكير التّرجمي منذ الشّكليّة المُتَّسِمة باليقين و المُدَّعية موْضوعيّة كبيرة، إلى غاية نَوْعٍ مِن العقلانيَّة المحدُودة التي يُسيْطِر عليْها التأثُّر العاطفيّ (l’affect). و بِغرَض تحديد تقدُّم التَّفكير، يبدُو مِن الأهميَّة بمكان أنْ نَحُدَّ تَرَقِّيهِ بوَضْع ثلاثة مَعَالِم.
لَطالَما اندرج التَّفكير التَّرجمي ضِمْن الِميزان الصَّرْفِيّ (le paradigme) لِنظريّة شكليَّة سواء أكانتْ وصفيَّة أو معياريَّة أو تقادُميَّة (prescriptive). بادئ ذي بدء، وكأوَّل معْلَم، ينبغي ذِكْر النَّظريات اللِّسانيَّة للتَّرجمة التي تُعَدُّ انبعاثاً للبِنيَويَّة. و يبدُو التحدُّث عن النَّظريات اللِّسانيَّة بصيغة الجمع حصيفاً لأنّها تتضمَّن، حسب أصحابها، بَدَائل(des variantes). بيْد أنَّ كلَّ المَوَاقِف التي تندرج ضِمْن هذا التيَّار تشترك في بعض المُميِّزات و تطمح جميعها إلى موْضوعيَّة كبيرة. و تَعرِض هذه النَّظريات النًّص ككُلٍّ مُغلَق يتكوَّن مِن سِلسلة مِن الجُمل. و بهذا الاعتبار، فالنّص كيان مُتَنَاهٍ يُشكِّل كُلاًّ مَحْدُوداً و هذا الكلّ قابِل للتفكيك إلى أجزائه بحيث يمكن تشكيله من جديد بِحسَب الرَّغبة. و عليه، فإنَّ وحدة التحليل و المُعالجة هي الجملة كأقصى حدّ وأحياناً هي وَصْلات (des séquences) مِن مُستوى أدنى مِن الجملة أو بالأحرى كلمات معزولة. و عندها، فإنَّ صعوبة التَّرجمة تكمُن في عدم التّوافُق المُطلَق بين اللُّغات حيث يُنظَر إلى العمليّة التَّرجميَّة كنشاط هدفه بُلوغ نتيجة سبق وُجودها افتراضيّاَ أو، على الأقلّ، التقرُّب منها بقدر المُستطاع. يُرفَق هذا التصوُّر بمفاهيم مدرسيَّة تتمثَّل في التصحيح النّموذجي الواحِد و النِّقاط التي يتمُّ حَسْمُها مِنَ العلامة القُصوى عقاباً على كلّ فرق مع المرجع المفروض بهذا الشَّكل. فكُلُّ شيء يكون نوعاً ما، موْضوعيًّا تماماً ومُحدَّدًا مُسبَقاً. والمَعْنَى مَوجود في التعبير الشَّفوي الذي يُفتَرَض أنْ يتضمَّن جميع التَّعليمات الضَّروريَّة لحساب المعنى، هذا هو المبدأ التَّعليمي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/09/2022
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - الجوهر خالف
المصدر : معالم Volume 3, Numéro 2, Pages 81-90 2011-10-01