الجزائر - A la une

العرب وإسرائيل.. السلام المستحيل



الجدار العربي يريد أن ينقض، وليس هناك من يستطيع أن يقيمه لأن هذا الجدار فقد تماسكه منذ سنوات حينما تحوَّل الكيان العربي الموحد إلى كيانات عربية متفرقة لا تتفق على شيء، وقد انسحب هذا على الموقف العربي من القضية الفلسطينية الذي ظل موقفا مهزوزا مهزوما وهو ما سمح للكيان الإسرائيلي بالاستثمار في الإخفاق العربي لتحقيق ما عجز عن تحقيقه منذ نكبة 1948.مخطط التطبيع مع إسرائيل مستمرّ وعربة التطبيع ماضية في اختراق الجدار العربي المهلهل، ولن تنفع ردود الأفعال العربية في وقف هذا التطبيع الذي ترعاه جهاتٌ كثيرة لا يهمها أمن فلسطين ولا أمن العرب والمسلمين ولا أمن الخليج ولا أمن المنطقة العربية برمتها وإنما يهمها أمن إسرائيل. إن إسرائيل لا تزال يصدق عليها قول الله تعالى: "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصّنة أو من وراء جُدر". إنَّ إسرائيل لا تقف وحدها في معركتها ضدَّ العرب بل تقف إلى جانبها وتساندها قوى كثيرة، وهي مؤسسة الصهيونية العالمية ومؤسسة الماسونية العالمية وبعض الدوائر السياسية الغربية والعربية التي تغازل وتغالط العرب باللعب على وتر السلام.
إنَّ السلام بين العرب وإسرائيل الذي تروج له هذه الجهات سلامٌ مستحيل من عدة وجوه:
أولا: إن الأساطير التوراتية والتلمودية التي أسِّست عليها "إسرائيل" تؤكد أن هذه الأخيرة لا تؤمن إلا بسلام على طريقة إله العهد القديم الذي أمر بإبادة جماعية الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين وغيرهم… ويحتفي العهد القديم بهذه الإبادة كما نقرأ في سفر التثنية: "متى أتى بك الربُّ إلهك إلى الأرض التي أنت داخلٌ إليها لتملكها، وطرد شعوبا كثيرة من أمامك: الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك، دفعهم الرب إلهُك أمامك، وضربتهم، فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدا، ولا تشفق عليهم".
ثانيا: إن مسار المفاوضات "الإسرائيلية" الفلسطينية التي جرت تحت شعار "الأرض مقابل السلام" و"حل الدولتين" لم تفض إلى السلام؛ لأن غاية إسرائيل من هذه المفاوضات هي ربح الوقت واستدراج الطرف الفلسطيني والعربي إلى مزيد من التنازلات المجّانية التي تخدم إسرائيل ولا تخدم عملية السلام.
ثالثا: يؤمن "ديفيد بن غوريون"، وهو من القيادات الصهيونية التاريخية كما جاء في كتاب"الرجل العجوز " الذي أعدّه الصحفي الإسرائيلي "توم ساغيف" بأن السلام مع العرب مستحيل، إذ يقول "ديفيد بن غوريون" في هذا الصدد: "لا يوجد حلّ. هناك هوّة في العلاقة بين الطرفين، لا يمكن تفاديها". وقبل ثلاثين عاماً من إعلان قيام إسرائيل، قال عن فلسطين: "نحن نريد أن تصبح تلك الأرض وطناً للأمة. ويريد العرب أيضا الأرض ذاتها وطناً لهم. ولا أعرف عربياً واحداً يمكنه التنازلُ عن موقفه، والموافقة على تحويل الأرض إلى وطن لليهود".
رابعا: إن عملية التطبيع مع العرب التي رتب لها "دونالد ترامب" وعدها "بن يامين ناتنياهو" مكسبا سياسيا وقوميا لإسرائيل والإسرائيليين إنما هي في الحقيقة تطبيع أنظمة والأنظمة زائلة وغير أبدية، وتظل الشعوب العربية وبعض الأنظمة العربية أيضا –للأمانة- رافضة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومتمسكة بمواقفها اتجاه هذا الكيان الذي يتمادى في خرق حقوق الإنسان وهدم الجسور بين أتباع الأديان.
خامسا: إن التطبيع مهما اتسعت دائرتُه وكثُر مريدوه وزبناؤه، لن يحوِّل إسرائيل إلى كيان طبيعي، بل سيزيد من غربة هذا الكيان في المنطقة العربية وسيصعِّد من وتيرة الرفض العربي له. من مصلحة "إسرائيل"، كما نصحها قادتها الدينيون، أن تبقى على مسافة بعيدة من العرب إذا هي أرادت أن تحافظ على ديمومة وجودها، فإن لم تفعل استدرِجت إلى حتفها ونهايتها المحتومة.
سادسا: هناك من السياسيين والمفكرين من يخلط بين التطبيع والتعايش المشترَك ويتهم العرب الرافضين للتطبيع بأنهم "دعاة كراهية"، هذه عملية تضليل مكشوفة؛ ذلك أن التعايش المشترَك بين الدول والشعوب يقوم على ثلاث ركائز أساسية: أولها وجود كيانات شرعية، فشرعية هذه الكيانات شرط أساسي لقبول التعايش معها، وثانيها أن تلتزم هذه الكيانات بميثاق التعايش الذي تتعهد بموجبه بعدم الاعتداء على الآخر، وثالثها أن تساهم هذه الكيانات جميعا في تحقيق السلام، وللأسف أن كل هذه الشروط غير متحققة في الحالة الإسرائيلية. في التاريخ العربي والإسلامي إلى سقوط غرناطة وما بعدها صورٌ جميلة للتعايش المشترك بين أتباع الديانات المختلفة بما فيها اليهود، ولكن إسرائيل الحالية ناقضة من نواقض التعايش ومن نواقض السلام.
سابعا: الرواية الإسرائيلية للسلام تقوم على فكرة "السلام لإسرائيل والحياة الكريمة للفلسطينين!؟" أي أن أقصى ما يحصل عليه الفلسطينيون هي "حياة كريمة" تضمن لهم أرضا كرقعة الشطرنج للعيش عليها ولكنها غير آمنة في الغالب ومعرضة للاعتداءات الصهيونية بين الفينة والأخرى، وفي المقابل فإن ما تحصل عليه إسرائيل يتجاوز هذا بكثير وهو ضمان الأمن القومي لإسرائيل، إذن فما قيمة سلام يحقق الأمن لطرف وينزعه عن الآخر مع سبق الإصرار والترصد؟
ثامنا: كل اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل مآلها الفشل لأن وجود إسرائيل في الشرق الأوسط سينعش تيار المقاومة، وسيؤدِّي إلى تشكل تحالفات جديدة في المنطقة وستجد إسرائيل نفسها ولو على المدى الطويل في وضع لا تُحسد عليه لا يسمح لها بالبقاء ولا بالانسحاب، وسينقلب السحر على الساحر وسيتحوّل التطبيع عند من رحّبوا به وهللوا له، من وسيلة لتحقيق الأمن إلى وسيلة لجلب المحن والإحن ما ظهر منها وما بطن.
تاسعا: شعار "السلام مقابل السلام" أو "صفقة سلام" كما سماها من تولوا كبرها، هو مجرّد ضحك على الأذقان؛ فالسلام لا يتحقق في الحالتين: حالة إسرائيل المحاصرة بماضيها وحاضرها الدموي في فلسطين والشرق الأوسط، وحالة العرب المطبِّعين الذين سيكتشفون بعدما تنتهي نشوة السلام العابرة أنهم قد غُرِّر بهم وأن السلام مع إسرائيل "كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا".
عاشرا: إن التطبيع مع إسرائيل لن يحقق السلام، والدليل على ذلك أن إسرائيل ضربت بمبادرة السلام العربية عرض الحائط، وهي المبادرة التي تضمنها إعلان بيروت الصادر في ختام القمة العربية الرابعة عشر سنة 2002، والتي من بنودها: الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها هضبة الجولان، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
إن التطبيع مع إسرائيل جرعة أوكسجين مجانية لكيان مغتصِب تمادى في احتقار العرب الذين مات فيهم الضميرُ والنخوة العربية وأصابهم الهوان، وصدق الشاعر إذ يقول: من يهُن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)