مقدمـــة:
في أقصى الجنوب وفي وسط الصحراء الجزائرية وعلى مسافة تقدر بحوالي 1700 كلم عن الجزائر العاصمة تتواجد ولاية تمنراست ومقاطعاتها التي حددت ملامحها الأساسية عبر العصور متأثرة بالمحيط الجغرافي والمجال الفكري الذي ساد المشرق والمغرب وتفاعل السكان وظروف هذه المنطقة تأثرا وتأثيرا .
إن شان التراث الذي أنجزه الإنسان في منطقتنا دليل على إثبات وجوده وتفاعله الطبيعي مع بيئته الصحراوية القاسية بأساليبه البسيطة المستثيرة للقلوب وسريعة الاستقرار في الذاكرة ، ومهما حاولنا أن نشمل استيعاب هذا المخزون الشعبي بأكمله فإننا لا نستطيع لكثرة تشعبه وتوسعه ، فاكتفينا باختيار مجموعة متنوعة من النماذج الجديرة بالذكر والإعجاب والإطراء ، وسعيا وراء تبسيط جمع هذا البحث اتبعنا طريقة الشمولية لكل عنصر أساسي في التركيبة الاجتماعية لنمس كل المستويات حسب الأدوار والمكانة في الحياة الاجتماعية وركزنا على مادة تمثل جزءا هاما من النسيج الاجتماعي لهذه المنطقة العريقة .
إن دراستنا هذه قبل أن تخضع للمنهجية العلمية في العادات والمعتقدات تخفي تأثرها لأولئك الآباء الأوائل الذين صنعوا العادة وعملوا وأبدعوا منذ حقبة من الزمن على هذه الأرض السخية ، ولذلك فإننا ندين لهم بالسبق لما توصلوا إليه لأنها موهبة قبل أن تكون فنا من الفنون أو علما من العلوم .
والخطوط العريضة لهذا البحث وما تحمله المنطقة في طياتها من آثار إيجابية تشكل رافدا هاما من روافد تراثنا الجزائري الضخم . وقد قسمنا هذا العمل المتواضع لفصلين: فصل للعادات وآخر للمعتقدات، وأوردنا ما فيها بقلة استيفاء، فركزنا على جوانب وأهملنا أخرى، وتعمدنا إيراد بعض المصطلحات بالعامية للخوف من الوقوع في اللبس. كما أن مادة العادات والمعتقدات منها ما كان موجودا وهو إلى حد الآن موجود، ومنها ما أكل الدهر عليه وشرب، كما تعمدنا عدم إيراد عادات ومعتقدات دنيئة حفاظا على سمعة المنطقة.
وبأدب التواضع وذهنية الموضوعية وجمال الذوق ومداد الوفاء أنجزنا هذا البعض المتكامل، والله الموفق والمستعان
i – العـــــــادات :
1)- المولد النبوي الشريف :
هو عيد من الأعياد الدينية يحتفل به المسلمون كل سنة لتخليد ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.يوم12 ربيع الأول منكل عام.
وكما في كل البلاد الإسلامية والوطن الجزائري بمختلف ولاياته فإنها تحتفل بهذا اليوم العظيم بطرق مختلفة, أما في منطقتنا فإننا نحتفل فيه بأسلوب خاص. فقبل عشرين(20) ليلة من هذا اليوم تقام سهرات حميمة في المساجد ,وتقرأ فيها قصيدة الوسائل المتقبلة في مدح خير البرية لابن مهيب وتسمى “البشير”,وتكون قراءة هذه القصيدة في شكل فرقتين تقرأ الفرقة الأولى تخميسة, والفرقة الأخرى تقرأ التخميسة التي بعدها,وفي كل مرة يبدل شيخ القعدة اللحن المستعمل ومثال ذالك :
سلام على النور الذي جاء بالهدى سلام على البدر المسمى محمـــدا
وات يأس من قرب وإن بعد المدى قد استحكمت في أضلعي لوعة الصدا
فعذرا فإني عن صبوح أرقق
فكم سيد فيها منوط بسيـــد وحسبك بالصديق تلو محمد
وبالسيد الفاروق حسبي بهم قد صلاة وتسليم على قبر أحمد
وقبر أبي بكر وقبر أبي حفص
إضافة إلى قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري,وفي النهار تكون نشاطات ثقافية وعادات أخرى. فيحبب في تلك الأيام ختان الصغار,والتوسعة على العيال ,وكثرة الصدقات والإحتفالات,والخطب والأعراس…الخ
وعندما يقدم اليوم المنشود وهو 12من ربيع الأول,وفي ليلته يعد كل ما قرأ في تلك العشرين20يوما الفارطة,فتبدأ مراسيم الإحتفال من بعد صلاة المغرب إلى مابعد طلوع الشمس,وفي هذه الليلة الحافلة يقرأ البشير جماعيا,والهمزية ,والبردة,وقصائد أخرى,وتختم بالقرآن الكريم.فالرجال عندما يدخلون المسجد من غروب شمس اليوم الأول لا يخرجون حتى طلوع شمس الغد,ويجلب الأهالي الطعام من كل نوع خاصة الأطباق الرئيسية(الكسكس, الرشراشي),والشاي حاضر من بداية الحفل إلى نهايته مع بعض الحلويات والمقبلات.أما النساء فلهن شأن آخر ففي تلك الليلة تقام حفلة ساهرة كبيرة تأتي إليها الفتيات من كل مكان والنساء اللواتي تزوجن مؤخرا,فيرقصن ويأكلن ويشربن ويحضرن ليوم الغد ما لذ وطاب من المأكولات المحلية.
ويأتي الصباح فيخرج الرجال من المساجد وتبدأ الاحتفالات خارج المسجد من أقرص للبارود بأغان خاصة بالمولد النبوي, وخرجات تفسحية, وذبح للكباش, إضافة إلى التصدق وزيارة الأقارب وعيادة المرضى …
وفي النهار تقام مأدبة عامة يقال لها “صدقة لالة فاطمة الزهراء” يستدعى فيها كل من في البلد. وتستمر هذه المظاهر حوالي أسبوع في انتظار يوم آخر مهم من أيام الاحتفال وهو يوم 20 ربيع الأول المسمى “يوم السمية” أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمي وحلق بعد أسبوع من ولادته, وفي هذا اليوم يكون الحظ الأوفر للنهار لا الليل, فتلك القراءات السالفة الذكر (البشير, الهمزية, البردة والقرءان…) تقرأ مرة أخرى حتى غروب الشمس ,بينما النساء يحضرن الأطعمة وتقمن حفلة نهارية هذه المرة يحضر فيها الكبار والصغار , وتقام ختمة كبيرة بالقرءان الكريم وأكل الطعام وشرب الشاي والتصافح والتسامح بين الحاضرين .
فقيمتها الاجتماعية عالية كما الدينية في تكوين مجتمع مسلم متحاب بارتياح نفس وطيب خاطر. ويختم العيد بهذه الأمور في انتظار مولد نبوي آخر في العام القادم إن شاء المنان .
2)- عـاشــوراء:
هو يوم من أيام الله كانت اليهود تصومه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب صيامهم في هذا اليوم, فقيل أن الله تعالى نجا فيه سيدنا موسى عليه السلام من فرعون. فقال عليه الصلاة والسلام :”نحن أحق بموسى منهم” . ولمخالفتهم شرع صوم يوم التاسع والعاشر من هذا الشهر, ومنه بدأ الاحتفال بهذا اليوم في كل الأقطار الإسلامية كل حسب طريقته.
أما في ولايتنا “تمنراست” وقبل عاشوراء بيوم وهو اليوم التاسع تتسارع الفتيات لتحضير وسائل الزينة وصنع “الدباليز” أي الأساور من الطين والجلد المدبوغ ومن “البرومي ” أي”القش” , وسلاسل من “البوعبوع” وهي الأصداف والقواقع التي تجلب من البساتين أو جداول الماء. أما الصبيان فيصنعون “لمكاحل” وهي بندقيات من جريد وسعف النخيل, فيما يحضر الكبار الطعام فالجميع يحتفل بهذا اليوم المبارك. ويسير موكب البنات نحو “الجنة” أي واحات النخيل وهم يرددن هذه الكلمات:
عاشور يا عاشور صدقة عليك لو لقيتني مرا
ندير ليك الخوص والدباليــز وكل بسالـة
وعندما يصلن إلى آخر حدود الواحات أي الجانب الآخر من الجنة, يبدأ الرقص هناك,وعند الختام تكسر تلك الحلي الطينية ويرجعن إلى بيوتهن. وفي تلك الفترة يكون الأطفال قد اختبأوا وراء الأشجار عن الفتيات محملين بقلال الماء (أواني خاصة بالماء) وعندما تمر عليهم البنات تقعن في الفخ فيرشوهن بالماء ويكيدوا لهن عدة مكائد وكل فتات يجدونها خارج البيت يرشونها بالماء,وتتواصل مسيرة الأولاد حيث أنهم بعد ذالك يحدثون ما يشبه “كرنفال” أي (الشايب عاشور), فيقوم أحد الرجال بتمثيل دور العاشور, فيلبس عباءة وبرنوسا من لفيف النخيل “لفدام” ويضع لحية كبيرة من الفرو الأبيض وزخرفة من وبر الإبل ونعال من سعف النخيل ولوازم أخرى كالعصا والقبعة ولغشا …, ويتجمع حشد من الصبيان ويسيرون وراءه وهم يرددون:
شيبة شايب عاشورا ليحيتك فيها لقمل
ظانين بأنه حمل كل سيئات البلد في لحيته وهم يطردونه ليتخلصوا منها. وتقام حفلة ساهرة في آخر الليل تتضمن أغاني خاصة بالمناسبة. وفي صباح يوم عاشوراء يتصدق كل الناس على الفقراء والمساكين, وتحدث تجمعات للصبيان في كل شارع وكلما رأوا رجلا يذهبون إليه بقولهم :” ليه ليه يا فلان …ليه ليه يا فلان”, فيعطيهم ما في جيبه وإن لم يكن لديه ما يعطيهم يفيدهم بنصيحة.
ويجب على كل منزل وعائلة الخبز الرقيق (الرشراشي) كصدقة للوالدين,وفي الضحى يتجمع الأولاد فرقا فرقا في كل فرقة عشرة 10 أطفال ينتظرون الخبز الذي يتصدق به سكان الناحية. وبعد العصر تقام حفلة تتمثل في رقصات فولكلورية (البارود, قرقابوا, ديراني, أثارة …) وفي الليل تقام سهرة موسيقية ختاما للإحتفال بهذا اليوم الكريم في انتظار العام القادم .
ولهذه العادات أبعاد إيجابية فاجتماعيا تساهم في تواصل أواصر المحبة بين الناس, ونفسيا نجني منها الفرح والمرح والترويح على النفس ,أما دينيا فهي تساعد على التمسك بالدين الحنيف وبشرائعه المحكمة.
3)- الـعـورفــات:
هي عبارة عن عادة محلية في ولايتنا تتمثل في أشكال ورسومات ترسم في ألواح الطلبة بالقلم والدواة في الكتاتيب القرآنية ويجلب التلاميذ معهم بيضة يعطونها للطالب “الشيخ”.
فقبل أسبوع من كل عيد سواء عيد الفطر أوعيد الأضحى تعقد في الكتاب جمعية تتكون من الشيخ المعلم “الطالب” وبعض أعونه من الذين يتقنون هذه الرسمة على اللوح فيأتي التلاميذ ببيضة أو بيضتين مقابل زخرفة لوحه برسمة وهذه الأخيرة تكون في أشكال معينة حسب سن الطفل وهي موضحة في الأشكال) شكل-1-) (شكل-2-) (شكل-3-) (شكل-4-) .
وعند خروج الأطفال من المسجد بألواحهم يذهبون إلى مساجدهم وهم يرددون هذه الأغنية :
بيضة بيضـة لولا * باش نبيض لوحـي
لوحي عند الطالـب * والطالب في الجنـة
والجـنـة محلولـة * سورهـا مـولانـا
مـولانـا مولانـا * لا يقـطـع رجانـا
محمـد نبـيـنـا * هـو يشفـع فيـنـا
إلى يـوم القيامـة * كاين شي ولا ما كان
ولهذه العادة بعد نفسي يكمن في الفرحة التي تغمر التلاميذ بعد كتابتهم للعور فات, فيحصلون على عطلة تدوم خمسة عشر يوما(15) أسبوع قبل العيد وأسبوع بعده, وبعد اجتماعي يبن مدى ترابط فئات هذا المجتمع مع بعضها البعض, وبعد الخروج من المسجد (آقربيش) يجتمع فتيان كل مدرسة قرآنية يقومون بدورة على منازل الناحية ويجمعون “اللمة” وتتم هذه الأخيرة بأن يقف الجمع أمام منزل من المنازل ويقرأ أحد الكبار سورة الفتح قوله تعالى: “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” فيردد معه الصبيان الصغار, مع الدعاء لأهل الدار بقولهم :”اللهم آمين”…”ليغفر لك الله”…”اللهم آمين”…”ما تقدم من ذنبك”…”اللهم آمين “…الخ. فيعطيهم سكان البيت ما أمكن من سميد , فرينة , زيت , خضار , سكر ,شاي …وغيرها , وهكذا بنفس الطريقة مع بقية المنازل الأخرى . وفي الأخير يجمعون كل تلك المعطيات ليقيموا ما يسمى ” الزردة ” وهي تتم بأخذهم لكل ما جمع ويبتعدون عن الديار إلى خارج البلاد إلى مناطق يوجد بها ماء , وغالبا ما تقام في “العرڨ ” أي الكثبان الرملية , فيحضرون طعامهم بأيديهم وعلى طريقتهم الخاصة فيأكلون ويشربون الشاي ويتآنسون ويتسامرون فيما بينهم , ثم يعودون إلى الديار ملئ البطون بالطعام والقلوب بالفرح والسعادة .
فمتعاطوا هذه العادة يشعرون بالارتياح لها سواء شيخ الزاوية أو التلاميذ أو السكان ككل ,فهي تجعلهم يحضرون للعيد الديني القادم خاصة عيد الأضحى الذي يجلبون فيه الحطب والملح وهذا الأخير عبارة عن مغامرة مثيرة يقوم بها الصبيان , يأخذون البهائم والزاد ويذهبون إلى مناطق بعيدة جدا عن البلاد راجلين ويحملون بهائمهم بملح خاص بالعيد .
كما تكون القيمة عالية في تنشئة هؤلاء الأولاد على المنهج القويم والسلوك الصحيح وبالتالي الفلاح دينا ودنيا.
4)- أسبــوع الفقــارة :
وهو أيام يخصصها السكان لتنظيف وإخراج الرمال والطين من آبار متتالية تسمى الفقارة, والسواقي. وهذا الأسبوع غير محدد بأسبوع فقط وليس له وقت معين في العام , فكلما رأى كبار البلاد وأهل الاختصاص ضرورة ذلك دعوا الناس إلى ” أسبوع الفقارة ” وأنه يبدأ يوم كذا وكذا .
والفقارة معجزة تاريخية حضارية مجسدة , وتصميم متناهي الدقة أنجزها الآباء الأوائل للمنطقة لإيصال مياه الشرب للواحات والأنعام والأنام, وهذه الآبار حفرت بالحجارة الحادة في الوقت الذي لا يملكون فيه لا الحديد ولا الفأس , وهي تتكون من مئات الآبار مشقوق بينها بطريق يسمى “النفاد” , ويبنى مجرى تحت الأرض تسمى” اغسروا ” وعندما يظهر الماء على سطح الأرض تبنى له ساقية من مخرج الفقارة إلى” القصرية ” التي هي حجر كبير يشقق إلى منافذ صغيرة على شكل أسنان المشط لتوزيع الماء على المشتركين وله نظام خاص تحترم قواعده من طرف الجميع , ويكون سجل يحمل أسماء المشاركين وعدد أو نصيب كل مشترك من” الحبات ” .أما قانون الفقارة فيطول الكلام فيه نغض الطرف عنه بالتحدث فيه بإيجاز .
فتوزيع الماء يكون بالحبة, والحبة تقسم إلى أربع وعشرين(24) قيراط والقيراط يقسم إلى أربع وعشرين (24) “وهلم”…
والرجال الذين صنعوا الفقارة تكون اكفافهم أو راحة أيديهم يابسة مثل راحة قدم الجمل لينعموا ببشارة المصطفي في قوله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة له يد يابسة استحي أن يسلم على رسول الله, فأخذها النبي وقبلها ورفعها وقال:”هذه يد يحبها الله ورسوله “. وعندما يبدأ العمل يضعون حجرين واحد على البطن والآخر على الظهر ويربطونهما بحبل من “الفدام” لئلا يشعروا بالجوع. فبالرغم من تلك الصعوبات التي تلقاها هؤلاء الرجال استطاعوا أن يصنعوا حضارة شهد لهم بها التاريخ فلولاهم لما وجدنا نحن الأبناء الواحات جنات جزاهم الله عنا خيرا.
والقائمون على هذا الأسبوع يحبون عملهم فأغلبهم متطوعين, فالقادر على العمل يعمل والذي لا يقدر يعاون بما يستطيع إما بالطهي أو تحضير الشاي… فالكل يشارك في هذا الاحتفال التعاوني الدائم أياما من النشاط, وأثناء العمل تردد شعارات وقصائد لإضفاء جو مرح على العمل, وأكثر يعجب في كل هذا , ذاك المظهر من التآخي بين الأهالي وهذا يصور لنا صورة أرادها الإسلام أن تكون دائمة في المسلمين, فهي عادة تساهم في تماسك المجتمع وراحته النفسية ومحافظته الدينية .وتنتهي الأشغال بالتعب المريح للمتطوعين مودعين هذا الأسبوع عاقدين العزم للأسبوع القدم بإذن الله وكلهم نشاط وحيوية لخدمة البلاد والعباد.
5)- الحفــضــة :
وهي إقامة حفل على شرف الصبي الحافظ لكتاب الله عز وجل كاملا. تبدأ مظاهر الاحتفال عندما يختم الطفل القرءان الكريم وبعد أن يفتي لوحته الختامية وترسم له الحفضة ( شكل 4) ، يتجمع حوله الشيخ والتلاميذ وأبوه ومن حضر من أهله وأصدقائه ، فيبين له شيخه عظمة وكبر الأمانة التي يحملها ، ويختم المجلس بالفاتحة والدعاء ، ثم يخرجون به من المجسد نحو بيته وهم يقرءون قصيدة البردة للإمام البوصيري فيسيرون مسافة ثم يتوقفون لتبديل لحن القراءة ثم يواصلون إلى غاية بلوغ منزله ، تختم المسيرة بفاتحة الكتاب والدعاء له بالفلاح . ويتفرق الجمع ويدخل الصبي دارهم فيجد أمه في انتظاره مع حشد من النساء فيباركون له ويضعون له الحناء وكأنه عريس ويقدمون له الهدايا ، وبعدما ينتهي كل ذلك في المنزل يخرج الولد مصحوبا بلوحته دليل على أنه حفظ القرءان ليزور أقاربه، فكل وماذا يقدم تكريما له ؛ فهذا نخلة وهذا نقود وهذا دار وهذا كبش أو دجاج ومنهم من يعرض عليه بنته حتى للزواج بها مستقبلا ، وأثناء دورانه يسارع كل من لقيه في تقديم شيء له ويترجاه لدخول بيته فيكون كالجوهرة في الشارع وكل الأبصار نحوه . وبعد عودته لمنزله يحتفل مع أهله احتفالا صغيرا بإقامة مأدبة على شرفه تسمى “لكرامة” يستدعي فيها أصدقائه وجيرانه ويبعث بثلثيها إلى المسجد لشيخه والتلاميذ والمصلين ومن يحضر إلى الجامع الذي يدرس فيه, ومن ثم تكبر شخصية هذا الطفل في مجتمعه ويضرب به المثل بين أقرانه فهذا العمل تترتب عنه علاقة اجتماعية صالحة نافعة تعود على المجتمع بالترابط وتترك في نفسية الحافظ لكتاب الله ومعلمه وذويه فرحا وسعادة لا تضاهى. وكل هذه العادات الحميدة إنما هي وليدة الدين الإسلامي الحنيف ، وقيمتها ثمرة من شجرة تشريعاته المحكمة .
6)- الشهور الفلاحية وما يصنع فيها :
عند فلاحي ولاية تمنراست توجد شهور تعرف بشهور الفلاحة وعددها إثناعشر(12) شهرا وكل شهر منها يكون فيه عمل معين من الأعمال المختلفة لخدمة الأرض وزراعتها, وهذه الشهور هي :
أ – غـوشـت : وهو شهر حار جدا تكون فيه الحرارة في أوجها ليلا ونهارا وفي آخره يبدأ موسم نضج التمر لما تلقاه هذا الأخير من أسباب ذلك ( الحرارة + ظروف أخرى ) ، وأول نوع من أنواع التمر يكون السبق في النضج وهو تمر ” الفرانة ” وهو تمر أسود اللون متوسط الحجم شديد الحلاوة . ويقال في هذا الشهر مقولة : ” غوشت ، أولها نار وآخرها نوار ” .
ب – اشـتـمـبر : يحدث فيه ما يسمى ” الفرين ” أي الصعود إلى النخلة بـ ” التاسقات ” ونزع التمر ، وهذا الجني له أوقات معلومة فيكون قبل طلوع الشمس أو قبيل الغروب أي عندما يكون الجو معتدل الحرارة ويمنع الفرين في منتصف النهار أو وقت الحرارة العالية لأنه يعود على عرجون النخلة بالضرر فيذبل .
ج – تــوبـر : وهو شهر الكد والعمل وأبرز الأعمال فيه ” التنقال ” وهو نقل روث الحيوانات المنزلية إلى البساتين بواسطة الحمير ( أكرمكم الله ) ليستعمل كأسمدة طبيعية للتربة ، وفيه أيضا تقلب الأرض وأعمال أخرى تترك السكان مشغولين مع البساتين .
د – وانـبـــير : وفيه يتم تهيئة الأرض للزرع ” التقمان ” أي رسم وتخطيط معالم منطقة الزرع وتسيير الماء لها ويتم بعد ذالك نثر البذور ونر الأمل معها في الإنتاج الوفير.
هـ- دوجـانــبير:ليس فيه نشاط معين لكن عمل البستان لا ينقطع.
و- النــاير: وفيه تزرع محاصيل خاصة تتطلب اهتماما زائدا منها النقلة والشتلة, فالأولى تعني نقل الشجيرات وتنظيمها في الحقل بعد أن نبتت مبعثرة, والثانية (الشتلة) فهي خاصة بمحصول الطماطم ولها تخطيط وشروط خاصة ملائمة مثل تعرضه للشمس مع كثرة الماء .
ز- سبرا ير: يجنى فيه محصولي القمح والشعير وتقوم النساء بذالك في نشاط يسمى “التصفاف”, حيث أن كل سنبلة تؤخذ بعناية.فيصفى الزرع وينقى منه ما يؤخذ كما هو ومنه ما يشوط بالنار والبوغة.
حـ- أبريــر: في هذا الشهر يقوم الشباب بتلقيح النخيل يبعضه, فشجر النخيل فيه الذكر والأنثى, فينزع الدكار من الشجرة الذكر وينقل إلى النخلة الأنثى في ترديد أقوال محلية مأثورة هي:
بــــسم الله الرحمان الرحيم صلى الله على سيدنــا محمد
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التدكار دكرناه والخبر عند ربي
الله يـــدكرها ويـــتمرها ويدير تمـــرتها قد العرجون
ط- مـايـــو: وهو شهر جني أغلب المحاصيل الزراعية التي تنمو في المنطقة, وتخزينها لأيام الزمن.
ك- جوليـــوس: وهو شهر النظافة أي تنقية البساتين من الأوساخ والأعشاب الضارة, ويصلح فيه ما يمكن تصليحه ويضاف ما يجب إضافته بعد أن جنيت أغلب المحاصيل .
ل- يـولــيوه: وفيه تزرع محاصيل متأخرة خاصة بهذا الموسم مثل البطيخ, والد ليع, والبشنة … , وغيرها.
ف- يوليوس: ويبرز فيه نشاط التقطاع وهو الصعود إلى النخلة بمنجل وحبل للاتكاء عليه وقطع عرا جين التمر الذي تم جفافه, كما يقطع الجريد اليابس وتنظف النخلة لتنتج تمرا جيدا في الموسم المقبل , وكل ما نزع من النخلة أي مشتقاتها التي أحصيت بحوالي 170 شيء منها لفدام , الكرناف, الزيوان, الجريد , الاقمي القرنيط …الخ فكلها ينتفع بها فالنخلة هي الشجرة التي قال فيها جل وعلى :”شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها”, وأوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :”أكرموا عمتكم النخلة ولو بضم نواها” , ومنها طعام مريم البتول عند ولادتها لسيدنا عيسى , وهي ظل سيدنا عمر, وهي وهي… ولها مآثر يشهد بها التاريخ والمجتمع.
7)- الأكلات الشعبية :
هي الأطباق التي تعودها سكان تمنراست ، وهذه الأكلات منها ما انقرض ومنها ما هو موجود إلى حد الساعة وسنورد بعضها :
أ- الكسكس (العيش) : يتكون من الدقيق والسميد والملح عبارة عن حبوب صغيرة تتفاوت حسب نوع العيش , ويطبخ له المرق ويقدم مع اللحم ، وهو أشهر المأكولات في المنطقة ، حيث يحضر في المناسبات والأعراس .
ب- المردود : وهو مثل العيش لكن حبوبـه كبيـرة الحجـم نوعـا ما ويستعمل كثيراً عند زيادة مولود جديد .
ج- خبز الرقيق(الرشراشي) : يصنع من القمح ويحضر له المرق وهو وجبة محبوبة ومعروفة حيث يقدم مع اللحم ويحيط به البيض ومن بين مناسباتها يوم السمية وعاشوراء.
د- الرويضي : وهو عبارة عن خبيزات دائرية الشكل من السميد تستعمل عادة لفطور الصباح تقدم مع الشاي .
ه- الحساء : يصنع من زنبو (القمح) وهذا القمح ينزع غير ناضج و يتم إنضاجه بالنار ويستعمل عادة صباحا وبعد صلاة العصر وهو يعني التواضع والبساطة .
و- أبرير : وهو يوافق الشهر الفلاحي أبرير , ويطبخ إحتفالا بجني محصولي القمح والشعير و، ويصنع من زنبوا , ويكور ويبلل بالدهان .
ز- المردوف : وهو عبارة عن خبزتين رقيقتين (رشراشتين) تطهيا فوق الطاجين ويوضع في وسطهما مستحضر ذو عدة مواد منها الطماطم والسمن والبصل واللحم والفلفل وغيرها .
ح- السفوف : وهو تمر مكسر بالمهراس وممزوج بالكليلة والشعير المطحون وأشياء أخرى ، وهو أكلة متوفرة طوال العام وفي كل بيت , وأكله مع البن يسمى العتيق.
ط- الكتل : يصنع من التمر الرطب الممزوج ببعضه ويعجن مع البشنة والكمون والفول السوداني وغيرها .
ي- آنغال : وهو سحيق التمر، حيث يقدم للأطفال الصغار عندما يكونون في فترة الرضاعة .
ك- الكسرة (الملة، تقلة) : عبارة عن خبز تقليدي يطهى بالرمال ويقطع في المرق وقدم مع اللحم, وهو أكلة مشبعة جدا .
ل- الملفوف : يصنع من كبد الأنعام فتغلف قطعة من الكبد بالشحم وتشوى على الجمر ، وهو أكلة فاخرة .
م- لحم النار : وهو عبارة عن لحم مطهي بطريقة تكثيف الحرارة ، وتدوم مدة الطهي حوالي أربع ساعات , وهو معروف في اليوم الثاني من عيد الأضحى (المشرح).
وتوجد أكلات شعبية أخرى عديدة ، حيث أحصينا حوالي ثلاثة وسبعين (73) أكلة شعبية محلية لا يتسع المجال لذكرها .
Ii – المعتقدات :
1)- الـزيــارة :
من أبرز المعتقدات في جنوبنا الكبير إعتادها السكان في هذه المناطق منذ فترة من الزمن ، وتسمية الزيارة تطلق على ذكرى وفاة ولي صالح ، وهي عبارة عن مهرجان كبير يقيمه أهل البلد وبالخصوص أهل الولي الصالح (أحفاده) ، ويقدم إليها الناس من كل البقاع ، والزيارة تتفاوت حسب شهرتها ، فهناك المحلية وهنالك الوطنية وتوجد حتى الدولية .
قبل أسبوعين من الزيارة يحضر المشرفون عليها ما يستلزم للإحتفال بهذه المناسبة ، وغالبا ما تقام الزيارة يوم الخميس . وفي يوم ما قبل المناسبة أي يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وفي المسجد الكبير للبلد تبدأ المراسيم بنشاط يسمى “السلكة” ، وهي أن يتجمع حفاظ القرآن الكريم من البلدة أو من الذين أتو لحضور الزيارة ويقود النشاط شيخ معروف ، والقراءة تكون جماعية بقراءة كتاب الله كاملا من بعد صلاة عصر يوم الأربعاء إلى شروق يوم الخميس ، ويسهر على نجاح هذا النشاط مسئولو المسجد ومجموعة من المتطوعين ، حيث تقدم للقراء وجبات رفيعة معينة بعد كل فترة من القراءة لأخذ قسط قصير من الراحة ثم يستمرون بعد ذلك في القراءة ، والشاي حاضر طوال الوقت ، وبعد الإنتهاء من السلكة تقام ختمة كبيرة بالفاتحة وأدعية بالصلاح للبلاد والعباد, وكذا الدعاء لأهل الزيارة والضيوف القادمين لها ، ومنه مباشرة يذهب الجمع من المسجد نحو ضريح الولي الصالح وهم يقرؤون في الطريق إليه قصيدة البردة ، وبعد الوصول إلى الروضة يقوم شيخ البلاد بقراءة الفاتحة والدعاء .
وفي المساء تكون مظاهر الإحتفال بشكل آخر ، حيث يبدأ الناس بالتجوال والتجمع من كل مكان ، والترحيب بالضيوف رجالا ونساءا وأطفالا . والفرق الفولكلورية حاضرة بنشاطاتها الممتعة بآلاتها المعروفة (أقلال، الدندون، الطارا، البقال، البندقية…) . وأبرز هذه الفرق فرقة البارود الذي هو عبارة عن رقص جماعي لمجموعة من الرجال يترأسهم قائد الفرقة ، حاملين بندقيات تستعمل لإطلاق البارود ، ويكون الرقص بالدوران والإنضمام والتباعد بأسلوب متناهي الدقة وفائق الروعة ، بقرع الطبول على إيقاع معين خاص بالبارود ، وعند إشارة مدروسة من قائد الفرقة تفرغ البنادق في وقت واحد ليسمى كل هذا التفريغ (قرص) ، وتتواصل أقراص البارود إلى وقت معلوم ، وأغلب ما يقال أثناء الرقص مديح وأحكام ترددها الفرقة , مثلاً يبدأ البارود بمديح فيه :”بسم الله وبالله الصالحين” . ويختم بقولهم :”سيدنا محمد عليه السلام”. كل هذه الأنشطة وغيرها تستمر حتى وقت المغرب فيتجمع الناس في مكان قريب وواسع لتأدية الصلاة وتلقى بعدها دروس ومحاضرات تتضمن أغلبها مواضيع الوقت حتى وقت العشاء وبعد الصلاة يتناول الجميع وجبة العشاء بطبق العيش (الكسكس) ويقدم الشاي وتقرأ الفاتحة ويختم بالدعاء .
وبعد كل ذلك تختم الزيارة بنشاط مدائحي موسيقي يسمى “الطبل” ومن أساسياته المزمار ، وتكون في آخر كل أغنية (مرجوعة) تزيد فيها قوة الطبل . فيرقص الناس ويزهون وهم يودعون الزيارة في انتظار أخرى في القريب العاجل ، فالبركة التي أودعها الله تعالى في القليل , وكذلك كرم الأهالي وحبهم لتضييف الضيوف وإيثارهم على النفس يجعل الناظر يندهش من كل ذلك الخلق وطريقة إطعامهم . وحقيقة الرزق مقسوم والأجل معلوم والكل بيد الله .
2)- الشـــــامية :
هي مظهر من مظاهر إحتفال الزواج , وقد غضضنا الطرف عن هذا الأخير لما يطول الكلام فيه لأنه وحده تدخل فيه عادات ومعتقدات عديدة . فالشامية ما هي إلا قليل من كثير ما يحدث في الزواج, فهي تقام بعد ليلة الدخلة ، ويتم هذا الفال أو المعتقد بأن يذهب العريس باكرا إلى واحات النخيل (الجنة) ويجلب منها أشياء معينة منها تمر ذا حجم كبير وورود مفتحة وسعف النخيل وبعض الحشائش المباركة وأعشاب أخرى ، ويضاف إليها الحلي (الجواهر) وأقلام من القصب وأصبح مؤخرا يضاف الحلوى والعلك والشوكلاطة . ويضع العريس كل تلك الأشياء في برنوسه ويتوجه نحو بيت العروسة فيصعد إلى سطح البيت ، وتجلس العروسة في الحوش وتتجمع حولها البنات اللواتي لم يتزوجن وهن يغنين بصوت هادئ إحتراما للعريس . فيلقي العريس كل ما في برنوسه على عروسته فتتهافت الفتيات نحو الملقيات وينقضضن عليها لجلب شيء من تلك الأشياء لإعتقادهن أن كل من يحصل على شيء من تلك الأشياء يكون لها حظ أوفر للزواج مستقبلا ، وكلما كان الشيء الذي تحصل عليه الفتاة ثمينا كان حظها (سعدها) في الزواج أوفر وأقرب . وبعد انتهاء العريس من الرمي ينزل من السطح جاريا ويترك الفتيات يتحاكمن لحظهن إما السعيد أو التعس .
فهذه المعتقدات يتعاطاها النساء خاصة فهن اللواتي يهتممن بهذه الأشياء ويسعدن ويفرحن للقيام بها .
3)- بـهـــروز :
هو شخصية خيالية يقال أنها تأكل العظام ، ومعناها “لحم الرؤوس” أي رؤوس الكباش . وهو معتقد يكون في اليوم الثالث من عيد الأضحى بعد يومي العيد والمشرح ، ويتم هذا الأمر في الليل بعد صلاة العشاء ، فأهل البلد كلهم في تلك الليلة يتعشون برأس وأطراف الأضحية (بوزلوف) وبعد الفراغ من العشاء تأخذ تلك العظام في الأيدي ويخرج الناس من منازلهم ويشكلون مسيرة طويلة بالطبول والمزامير وهو يرددون :
لالــي لالــي بـهـــروز * يـا وكـال لـحـم الـريــوس
وفي إعتقادهم أنه يوجد وحش في ما وراء البلاد يدعى بهروز ، ولئلا يأخذ لحوم أضحياتهم يقدمون له تلك العظام ليأكلها ، وأثناء السير يكون الكبار الحاملين لوسائل القرع للمقدمة وبعده منهم أقل منهم سنا يحملون المزامير ويليهم الصغار ، وكلهم يحملون عظاما يرمونها في مكان بعيد وعندما يرمي كل واحد منهم عظمته يهرب إلى بيته , وفي صباح يوم الغد تعاود المسيرة إلى ذلك المكان ويكون القرع بالقدور والملاعق فيسمى هذا اليوم بـ “قرقاب القدحان” الذي يأتي بعد أيام العيد والمشرح وبهروز ليكون ختما لأيام عيد الأضحى .
وهذه المعتقد مذموم في بعض الأحيان فهو وإن كان تسلية للكبار يشكل لدي الصغار معارف باطلة وكوابيس مفزعة تكون سببا في الإخلال بعقائدهم الدينية السمحة . إلا أنها تبقى مجرد وسيلة للتسلية , تترك النفوس منشرحة والضمائر مرتاحة خاصة وأنها ايام العيد . ويقال في الجود ولبس الجديد في العيد:” جد وجدد في العيد حيى ولو بالحديد”.
4)- لـبـــات :
عبارة عن زيارة أهل البلد لقبور الاجداد وقراءة الفاتحة على ارواحهم مع الدعاء لهم بالرحمة والغفران .
ففي مساء كل خميس من الاسبوع يتجه الناس صوب مدينة لبات لقراءة القرءان والادعية المختلفة ترحما على اروح اجدادهم , وسميت هذه العادة بهذا الاسم”لبات” نسبة لابائنا الأوائل مدفونون بهذه المقبرة القديمة , ويتجهون الى زيارة المقبرة مصحوبين بما تيسر من طعام وشراب خاصة “الحساء” و”الشاي” الأكلة العامية والبسيطة والمتوفرة لدى عامة الناس أم. ا عن الأبعاد المختلفة سواءا البعد الإجتماعي أو النفسي فإن سكان المنطقة يعتقدون في آباءهم الأوائل أنهم كانوا على خلق حسن وأنهم قاموا بأعمال يمجدها التاريخ سواءا بالدعوة إلى الدين الحنيف أو بمقاومة المستعمر , وعليه فإن سكان المنطقة يلتمسون من المولى عز وجل الرحمة و الغفران لأولئك السلف الصالح , وأن يجعلهم خير خلف لهم .
وعليه فإن الناس من خلال هذا الإعتقاد يرون أن المولى عز وجل سوف يتقبل منهم ويستجيب لدعواتهم مقابل تلك الأعمال التي قام بها أسلافهم , وأن أولئك السلف الصالح هم القدوة الحسنة التي يمكن أن يسيروا على نهجها وخطاها بعون الله .
5)- لـمـنـامــــات :
من المعتقدات الصحراوية التي لها مكانتها في مجتمعنا ، وتحدث عندما يرى في المنام (يحلم) شخص رجلا كان أو امرأة رؤية تسره بما فيه خير البلاد وسكانها فيخبر بها الناس ، ويقيم تبركا بذلك مأدبة تدعى “الصدقة” ، وهذه الأخيرة لها مناسبات عدة تقام فيها منها مأدبة الوفاة , ومأدبة تذكر الوالدين , ومأدبة ذكرى الصالحين ، ومأدبة غداء يوم عاشوراء , وغيرها . ويستدعي صاحب المنامة في الصدقة الأهالي حسب إمكانياته المادية, ويستحب طبخها وأكلها في العرق .
وعندما تكون المنامة متعلقة بشخصية معروفة في البلد يقوم السكان كلهم بالتصدق لوجه الله . وليست المأدبة وحدها مظهرا للمنامة ، فيوجد مظهر آخر يتمثل في أن تكون المنامة متعلقة هذه المرة بشيخ البلاد أو شخصية مبجلة ، فبعد إلقاءه لها في الملأ يؤمر بتسييل الدم وهذا الأخير يتم بذبح أي شيء يقدر عليه رب العائلة(جمل، كبش، دجاجة، طير …) ويطعمها الذابح لأهل بيته وعائلته .
وهذة البدع لا يمكن الحكم عليها بالحسنة أو السيئة وحتى متعاطوها والقائمون عليها لا يصدرون حكما واضحا فيها ، فبعدها الإجتماعي يتمثل في مدى تفاهم فئات المجتمع وارتياح نفسيتهم بتطبيق هذه الأشياء على وجهها الصحيح والمألوف .
فقيمتها إجتماعية مادية تعود بالفائدة على بسطاء الناس بالتصدق عليهم ، وحقيقة لا مكانة للطبقية في مجتمعنا الصحراوي , فالكل يظهر البساطة سواءا كان غنيا أم فقيرا ، فهم سواء ولا فخر . لكن بتطور وتحضر المجتمع تبرز الطبقات والمفاضلات فيكون هذا التطور في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية تخلفا في العادات والأخلاق والمعتقدات ، فنسأل الله اللطف والثبات .
6)- مـرض الـقـمــر :
وهو علميا يعني خسوف القمر, وهي حالة فلكية تنجم عن توسط الأرض بين الشمس والقمر فينتج إختفاء جزئي أو كلي للقمر ، فأهالي القرى الصحراوية الذين ما زالت لديهم نبرة من الجاهلية يعتقدون أن القمر مريض فيتسارعون في تلك الليلة للخروج إلى الشوارع مرتدين ملابس مقطعة رجالا ونساءا وأطفالا يجولون شوارع المدينة حاملين معهم أدوات الطبل (الدندون، البقال …) ويتمادون في قرعها والغناء الباكي لإعتقادهم أن القمر مريض وحزين وإذا بقي هكذا سيفنى ويفنو معه, وبغناءهم له سوف يتعافى ويسعد ، ومن بين ما يقولون :
شـاهــدو يــا شـاهــدو * لا تـمـوتــوا كـافـريــن
بمعنى قولوا لا إله إلا الله قبل أن تموتوا . ويواصلون في تلك الأعمال حتى يعود القمر إلى حاله الطبيعي ، فيأمر قائد المسيرة بالجلوس في المكان الذي وافق شفاء القمر وتذبح فيه الكباش وتشوى على النار وتؤكل في نفس المكان إحتفالا برجوع القمر إلى حالته . فالأهالي يسعدون لوجود القمر في الليلة الظلماء ، فهو يمثل دورا كبيرا بإضاءة الطريق والمنازل لهم ، كون أن القرية غير متحضرة فلا تتوفر على كهرباء أو مصابيح للإنارة ، فالضوء في الليل إما قمر أو قنديل أو نار . وتختم التظاهرة في منتصف الليل بالفرح والمرح ومن ثم يرجع الناس إلى منازلهم وهم سعداء بعدما خرجوا منها يتحازنون ويتمارضون كما القمر .
إن هذا المعتقد من المعتقدات الباطلة عقلا وشرعا , فالخسوف ظاهرة علمية واضحة , والقمر ليس إنسانا ليمرض أو يحزن ، فما الذي يبكيه وما يحزنه ، ولو صح فأين الطبيب وكيف الشفاء . فهذه المظاهر وغيرها من الأشياء الفاسدة تبقي المجتمع في تخلف وركود دائمين ، كما تحقق في النفس خيالا وهميا كالسراب لا حقيقة منه ، كما أنها تمس الجانب العقائدي أو الديني بشكل أو بآخر .
فالقيمة هنا معدومة والحمد لله أن هذه المشاكل قد اندثرت مع تطور وكشف الحقائق العلمية للكون ، فهي وإن لم نقل زالت فهي توجد بنسبة تحت القليلة وهذه النسبة سوف تزول بيقظة وتعلم المجتمع بحول الله .
الخـــاتمــة
إن العادات والمعتقدات ومهما كان بعدها الثقافي أو الإجتماعي أو النفسي فما هي إلا تراث ثقافي تذخر به منطقتنا , ومهما طال الكلام فيها يبقى حبرا على ورق . فتذوق الشيء يقتضي الخوض فيه وعيشه . والعادة أو المعتقد تتفاوت قيمتها فيما بينها حسب اعتياد الناس عليها والإيمان بها ، وفي ولاية تمنراست وبلدياتها يوجد عدد لا متناهي منها ، وأحيانا نجد في العادة الواحدة أشكالا أخرى عديدة من التقاليد يطول الكلام فيها لذلك تجنبنا الحديث عنها مثل الزواج والوفاة . وهذه الأشياء كالكائن الحي تولد وتموت كل حسب ما أعطاه الزمن من نصيب . ونحن الأجيال بدورنا سنحاول ولو بجهد قليل الحفاظ ما أمكن من هذا الموروث الذي يبين مدى أصالة وعراقة مجتمعنا الصحراوي أولا والجزائري ثانيا والعربي ثالثا .
أملنا ورجاءنا أن يجد هذا العمل المتواضع نصيبا من القبول مع اليقين بأن الكمال المطلق غاية لا تدرك ، والعصمة من الزلل مستوىً لا يصار إليه ، سائلين الله عز وجل أن يجمعنا على الحق وخدمة الوطن والإسلام ويهدينا سواء السبيل إنه سميع قريب مجيب .
خطة البحث
- مقدمة
i- الـعـــــادات :
1- المولد النبـوي الشريـــف
2- يوم عاشـوراء
3- العورفـــات
4- أسبوع الفقـارة
5- الحفـــضة
6- الشهور الفلاحية وما يصنع فيها
7- الأكلات الشعبية
ii- الـمـعـتـقـدات :
1- الـزيــارة
2- الشاميــة
3- بهـــروز
4- لبــــات
5- لمنامــات
6- مرض القمر
- الخــــاتمة
قائمة المراجع :
1- الحاج التومي سعيدان / سكان تيدكلت القدماء والاتكال على النفس / دار هومه / الطبعة الأولى / 352/2005 .
2- أرشيف بلدية إينغـر .
3- مقابلات وحوارات مع مشايخ وكبار المنطقة .
تاريخ الإضافة : 19/01/2015
مضاف من طرف : touat
المصدر : http://www.shababadrar.net/