الجزائر

العائلات التلمسانية ودورها في الحفاظ على وثائق الشيخ ابن يوسف السنوسي المخطوطة



العائلات التلمسانية ودورها في الحفاظ على وثائق الشيخ ابن يوسف السنوسي المخطوطة
العائلات التلمسانية ودورها في الحفاظ على وثائق الشيخ ابن يوسف السنوسي المخطوطة

Tlemcen families and their role in preserving the manuscript documents of sheikh ibn Yusuf Al Snoussi

د/إبراهيم الهلالي: أستاذ بحث- أ -/ مركز الدراسات الأندلسية، تلمسان

Dr. Ibrahim elhelali: Professor of Research – A -; Center for Andalusian Studies Tlemcen )CNRPAH)

مقال نشر مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 68 الصفحة 127.




ملخص:

من خلال هذه الورقة البحثية، والموسومة ب: العائلات التلمسانية ودورها في الحفاظ على وثائق الشيخ ابن يوسف السنوسي المخطوطة، انتقيت بعض العينات من أسماء العائلات التلمسانية التي قادها شرف الأصل إلى الحفاظ على التراث الإسلامي عامة، وتراث الشيخ ابن يوسف السنوسي بصفة خاصة، ولقد عرفت منذ أمد بعيد باهتمامها بالمخطوطات، وتخزين الكتب ونشر العلم، فلقد كانت تملك في خزائنها عددا هائلا من المؤلفات وخاصة منها الوثائق المخطوطة التي تقدر بالمئات.

الكلمات المفتاحية: العائلات، الأسماء، الوثائق، الشيخ السنوسي، المخطوطات، التراث.


Abstract:

Through this simple intervention entitled: ‘Tlemcen families and their role in preserving the manuscript documents of sheikh ibn yusuf al snoussi’, I have chosen some samples from the names of Tlemcen families which the original honor led them to preserve the Islamic patrimony in general and the heritage of Sheikh Ibn Yusuf Al-Sunousi in particular way. They had interested for a long time in manuscripts, books storage and the dissemination of science. They had in her stores an enormous number of works, especially the hundreds of manuscript documents.

key words: sheikh al senoussi, families, manuscripts, heritage , names.




تمهيد:

لقد عاصر الإمام السنوسي دولة بني زيّان بتلمسان، وشهد من أحوالها المتقلّبة الشيء الكثير، حيث تراوحت بين خضوعها للحفصيين بتونس، أو للمرنيين بالمغرب، وتعرّضها للهجمات الإسبانية، واستمرّ ذلك بعد وفاة الإمام السنوسي ولم يحسم هذا الاضطراب إلاّ مجيء العثمانيين الذين وضعوا حدّا لهذه الدولة، ورسموا حدود الجزائر الحالية تقريبا، حيث اعتبروا أراضي بني زيان إيالة كاملة من إيالات المغرب، ونقلوا العاصمة من تلمسان إلى الجزائر.

وقد كان لتلمسان أن تنعم في فترة الحفصيين، وخاصة في عهد الأمير الحفصي أبي عمر عثمان باستقرار كبير ظهر أثرُه في الحركة العلمية التي عاشتها تلمسان في تلك الفترة والتي شهدها السنوسي صغيرا وأسهم فيها كبيرا.

ولكنّ الأمر الذي كان يعصر قلوب أهل تلمسان ويقضّ مضاجعهم هو المأساة التي كان يعيشها إخوانُهم الأندلسيون في مواجهة الزحف النصراني القادم من الشمال.

وعندما ولد الإمام السنوسي كان قد بقي للمسلمين إمارة واحدة بالأندلس وهي إمارة بني الأحمر بغرناطة والحصون التي تتبعها[1].

1/نسبه ومولده: هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي، وبه اشتهر نسبة لقبيلة من البربر بالمغرب والحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، وكان مولده بعد الثلاثين وثمانمائة بسنتين (832ﻫ)[2].

يلقب بالسنوسي، نسبة إلى سنوسة قبيلةٍ من البربر بالمغرب، وتعرف هذه المنطقة اليوم ببني سنوس ( أولاد السنوسي) وتبعد عن تلمسان بأربعين كيلومتر[3].

يعود أصل سكان منطقة بني سنوس إلى البربر، المنتمين إلى قبيلة زناته الكبرى التي استوطنت في عصر الممالك البربرية إقليم تلمسان كله تقريبا فاختلفت الآراء و تضارب أراء المؤرخين، رغم اتفاقهم حول القبيلة الأم التي ينتمي إليها السنوسيون وحول القبيلة الفرعية التي انحدر منها هؤلاء، يرى البعض أن سكان بني سنوس ينحدرون من قبيلة بني حبيب معللين ذلك بوجود آثار إقامتهم في المنطقة و يحفظ ذكراهم من طرف الأساطير. لما كانت هذه القبيلة قد استوطنت بني سنوس في القرن الثامن الميلادي و كانت قبيلة بن يفرن التي يذكرها النسابة باسم بني يفري بني صلتين، قد استوطنت المنطقة قبلهم فيرى البعض الآخر أن سكان منطقة بني سنوس ينتمون إلى هذه الأخيرة. فقد كان بنو يفرن في عهد الفتح الإسلامي، منتشرين في افريقية ، و المغرب الأوسط، ثم انتشروا في الناحية الغربية لبلاد المغرب[4].

و يشكك ألفرد بل في هذا النسب قائلا ” أن يكون هؤلاء البربر الذين يسكنون اليوم وادي تافنة و الخميس من قبيلة بني حبيب… فإنك ذلك مالا نستطيع الجزم”. مرجحا ما ذكره ابن خلدون عن بني سنوس، إحدى بطون كومية، ولهم ولاء في بني كمي (الجماعة التي ينتسب إليها عبد المؤمن بن علي المؤسس الحقيقي لدولة الموحدين).ولما فعل بنو كمي إلى المغرب (في عصر الموحدين، القرن الثاني عشر)[5].

لقد تم اعتناق السنوسيين للإسلام على يد السلطان إدريس الأول ، الذي غزا المغرب الأقصى و المغرب الأوسط عام مئة و ثلاثة وسبعين للهجرة ، وهو ما يشير إليه عبد الله التنسي بقوله: ” فلما استوثق له الملك و تمت دعوته، زحف إلى البربر الذين كانوا بالمغرب كفارا، فأسلموا على يديه طوعا و كرها، فافتتح “تامسنا” و” تادلا” و” شالة”، ثم زحف في سنة ثلاث و سبعين إلى تلمسان، و بها أميرها محمد بن خزر المغراوي، فخرج إليه مبايعا مطيعا فأمنه و أبقاه أميرا بتلمسان و رجع إلى مدينة و ليلى” .و قد جاء المنطقة ضمن الهجرات اللاحقة للإسلام عدة قبائل معظمها من فيقيق واستقرت في ضواحي بني سنوس[6].

وقد استدرك الإمام الزبيدي على الشيرازي اسم سنوسة، فقال: ( ومما يستدرك عليه: سنوسة، قبيلة من البرابرة في المغرب وإليهم نسب الولي الصالح أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، لأنه نزل عندهم وقيل: بل هو منهم، وأمه شريفة حسنية، كذا حققه سيدي محمد بن إبراهيم الملالي في المواهب القدوسية، ووجد بخطه على شرح الأجرومية له : السنوسي العيسي الشريف القرشي القصار.

ويلقب أيضا بالحسني نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، وهو تلمساني أيضا نسبة إلى تلمسان، المدينة التاريخية العظيمة[7].

1.1/ نشأته: نشأ الإمام السنوسي خيِّرا مباركا فاضلا صالحا، تربَّى وأخذ العلم بداية عن أبيه أبي يعقوب يوسف، عالم تلمسان وصالحها وزاهدها وكبير علمائها، ثم بعده على خيرة علماء عصره؛ أخذ عنهم علم المعقول والمنقول وأدب الولاية، فانتفع بعلمهم وببركة دعائهم، وتصدَّر لمجالس العلم وأدى ما تلقاه منها على أحسن وجه.

2.1/ مؤلفاته: صنّف إمامنا في مختلف الفنون، فصنف في التصوف والحديث والطب وفي العقيدة وعلم الكلام منها:

“عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد، المرغمة أنف كل مبتدع عنيد”؛ وتسمى العقيدة الكبرى، المشهورة بكبرى السنوسي، وشرحها وسمّاها: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في عقيدة أهل التوحيد”.

“أم البراهين” وهي العقيدة الصغرى؛ وهي المشهورة بالسنوسية الصغرى.

“المقدمات في التوحيد”؛ وهي مقدمات على العقيدة الصغرى، ثم شرحها، وهي ثمان مقدمات في أصولي الفقه والدين وشرح كلمتي الشهادة.

“شرح أسماء الله الحسنى”؛ حيث يفسر الاسم، ثم يذكر حظّ العبد منه. وهو هذا الكتاب المحقق، هذا إلى غيرها من المؤلفات الكثيرة.

وفاته: وتوفي رحمه الله يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ)[8].

عاش الإمام محمد بن يوسف السنوسي في القرن الخامس عشر الميلادي[9]، وهو عهد عرفت فيه الحواضر الإسلامية والمغرب الأوسط منها، وضعا غير مستقر، لاسيما في مجال العقيدة التي كان المسلمون لا يفهمونها على حقيقتها بفعل الجمود الفكري والاجتهادي الذي اصطبغت الحياة العقلية للأمة – حينئذ – فقد كان مفهوم شهادة التوحيد بعيدا عن أرواح العامة لأنهم لم يكونوا يفهمون أبعادها الروحية قبل التلفظية، ولم يقفوا على أسرارها النورانية المتصلة بحقيقة الكينونة الشمولية للعقيدة الإسلامية ؛ فقد ” كانوا يؤمنون بالله والرسول أشد الإيمان ولكن إيمانهم لم تكن تترتب عليه كل آثاره لأنه كان إيمانا عن وراثة، لا يمكن أن يصدر عنه إلا تدين منحرف وحياة لا تعرف غايتها، ولا يعرف صاحبها ما هي الطريق التي يجب عليه أن يسلكها ليجعل منها حياة لها معناها الحق أو حياة له بها قيمة الوجود“[10].

لقد تميز عصر السنوسي بنجاح الفكر الأشعري في مستويات عديدة، ونجح فقهاء نظار في ربط فن المنطق بالتخريج الفقهي، وقد مثل كتاب الحدود لابن عرفة الورف جومي نقطة تحول كبيرة عند علماء الفقه والأصول شبيهة بما وجده كتاب الإرشاد للجويني عند علماء الغرب الإسلامي من القبول والتفنن في شرحه ونظمه كما فعل الضرير السرقسطي في منظومته التعليمية التنبيه والإرشاد”، كما قام المازري بتقعيد وشرح برهان الأصول للجويني من ذاكرته، وهي دلالة على عمق الجويني في الاعتماد على كبار الأشاعرة[11].

إن المظهر الذي ظهرت به عقائد السنوسي في هذه المرحلة بوأها مكانة عالية في عملية تعليم العقيدة الأشعرية وتكريسها عقيدة رسمية للبلاد، وذلك نظرًا لبساطة مضامينها ومراعاتها للشروط الموضوعية لهذه الفترة، اجتماعيا وفكريا، فكانت بحق مرآة تعكس مستوى التطور العقدي الذي عرفه الغرب الإسلامي في هذه المرحلة، والذي طبعه تقهقر وتراجع نوعي إذ ما قورن بالمرحلة السابقة لا سيما في مرحلة الترسيم والتغلغل، فأصبحت عاد السنوي إلزامية في المدارس والجوامع وقام المدرسون بتكريسها عن طريق تدريسها للغار والكبار ، وكانت الصغرى إلزامية فتلقن للصغار لحفظها عن ظهر قلب وهذا دليل على هيمنة هذه العقيدة بالضبط على النظام التعليمي بالغرب الإسلامي، لم يسبق لعقيدة أن مارستها فيما قبل.

وأصبح السنوسي ظاهرة في كل الغرب الإسلامي وفي العالم السني الأشعري حتى غدت المرجعية الكلامية وينتصر لها الشراح إذا اختلفوا في أمر يخص علوم التوحيد.

ويمكن القول إجمالا أن كل ما كان يحوم حول العقيدة الأشعرية وتعليمها وتكريسها في هذه المرحلة كان يجد مرجعتيه في أقوال السنوسي وتوجهاته، ولهذا السبب أخذ هذا الرجل صفة الإمام من طرف جميع من جاء بعده وهذه صفة لا يأخذها في المذهب الأشعري إلا من وصل مرتبة عالية في الاطلاع والاجتهاد داخل المذهب[12].

2/ العائلات التلمسانية، والأسماء المحافظة على تراث الشيخ السنوسي:

لقد حازت مؤلفات السنوسي عند العلماء قبولا كبيرا وأنزلوها من أنفسهم منزلة عظيمة لذلك، فلا عجب أن تكثر المؤلفات والمصنفات في شأنها، فلا يحصى كم من شارح لها وناظم، ومختصر لها ومفصل، ومقيد حولها الفوائد وجامع حولها الشوارد والفرائد، وهذا من أبلغ الأدلة على قيمة هذا الإمام و قيمة مؤلفاته التي سارت بها الركبان وصارت حديثا في الزمان والمكان، وقد كان لعقيدته الصغرى المسماة بأم البراهين من ذلك النصيب الأوفر والاهتمام الأكبر سواء في شرحها ابتداء، أو نظمها، أو التعليقات والحواشي على شرح السنوسي لها[13].

ومن اشتغل بشرح كتب السنوسي وشروحها من أهل الجزائر عامة وتلمسان خاصة، فلقد أولى علماؤها لها عناية كبيرة واهتموا بها اهتماما بالغا، فكانت لهم عليها شروح واختصارات لمؤلفات هذا العالم الكبير، الذي شرفت به الجزائر قديما وحديثا[14].

1/ إتحاف المغرى في تكميل شرح الصغرى، للإمام أحمد بن محمد المَقَّري التلمساني المتوفى سنة 1041ه.

2/ حاشية شرح أم البراهين،، للإمام أحمد بن محمد، المَقَّري، التلمساني.

3/ شرح أم البراهين(العقيدة الصغرى)، للإمام محمد بن عمر بن إبراهيم التلمساني.

4/ شرح متن السنوسية، لابن الشريف التلمساني: عبد الله بن محمد بن أحمد، التلمساني المالكي، المتوفى سنة:892 غريقا في البحر، منصرفة من مالقة إلى بلده تلمسان.

5/ نظم صغرى الصغرى، لتلميذ السنوسي أحمد بن محمد الورنيدي، المعروف بابن الحاج[15].

إن الحديث عن العائلات السنوسية تثير الكثير من التساؤلات، من حيث ارتباطها بالشيخ ابن يوسف السنوسي، ومن حيث الانتساب إلى بني سنوس كأصل أول، هذا؛ وخشية الوقوع في شبكة التخمينات المجردة، انتقينا من المصادر الحية نماذج ممن يتوفر على شرط الاعتقاد أو الثقة في الرواية، وعلى هذا الأساس أقمنا الكلام على شجرة بني سنوس وما يتفرع عنها من عائلات، فصنفنا هذه العائلات طبقات وخصصنا لبعض العينات منها ولغيرها حديثا[16]. كان لنا فيه؛ أن نسأل: ما أصل سنوس؟ ومن هم أهلها الأصليون؟ وبأية منطقة أوطنوا؟ وماذا بقي منهم من عائلات؟ وكيف استطاعت بعض الأسر التلمسانية وغيرها الحفاظ على ذكر السنوسي ووثائقه المخطوطة؟

يعود أصلهم البربري إلى منابت واسينية زناتية، وبني سنوس قبيلة تقطن بجبل يسمى آسْنوس أو أسنوس[17] وعلى هذا الأساس وقعت نسبة كل مقيم بهذه المنطقة إلى جبل اسنوس بحيث يكون اسم الواحد على الشكل التالي: سنوسي سنوساوي، ابن سنوس، ويكون الجمع على الصورة التالية: سنوسيون ( سناوسة)، بنو سنوس (بني سنوس)، سنوساويون (سنوساوة).

أما العائلات السنوسية والعائلات المحافظة على تراث الشيخ السنوسي، فيمكن في هذا الإطار، تصنيف هذه العائلات إلى شجرتين: الشجرة العائلية السنوسية وشجرة بعض العائلات أو الأسماء المحافظة على ذكر الشيخ وتراثه، وتمثل كلتيهما طبقتان:

أ/ الشجرة العائلية الخاصة بالسناوسة

ب/ طبقة العائلات المعاصرة للشيخ

من الأسماء التي يذكرها أصحاب السير، وتكاد تغيب عن الذاكرة الشعبية أربعة أعلام: الأول: الشيخ بوبدر بن السنوسي، الذي كان عمدة في إمداد الرواة بالأخبار ومصدرا ينهل منه التلامذة في سرد الأحاديث والمسموعات جاء في البستان: يقول سيدي عبد الرحمان السنوسي، أنه حدثني الشيخ الصالح سيدي بوبدر بن السنوسي[18].

الثاني: عبد الرحمان السنوسي المعروف بالرقعي صاحب كتاب” فتح الجليل في أدوية العليل وكان هذا الرجل المرجع الذي يعول عليه علي التالوتي أخو الشيخ ابن يوسف السنوسي لأمه، في رؤيته الأولياء وفتوحاته، وكان الشيخ السنوسي يروي بدوره عن أخيه هذا، فضلاً عما كان يخبره به والده أبو يعقوب يوسف.

الثالث: محمد بن يحي السنوسي المعروف بعلمه الواسع، وخاصة في علم التوحيد، لقد كان عارفا به ومدرساً له.

العالم الرابع: هو محمد بن محمد بن يحي السنوسي، اشتهر بالوجد يجي وهو ابن محمد بن يحي السابق الذكر. أخذ عن والده التوحيد، وله قدم في الولاية.

هذه بعض العائلات من الرواة والمحافظين على التاريخ، ذكرناها ليس لوجودها في كتب السير والتراجم، بقدر ما هو لبقاء بعض آثارها في ذاكرة الناس اليوم[19].

أما طبقة العائلات أو الأسماء الحالية، نصنفها ونرتبها حسب قربها من كلمة “اسنوس” في الاشتقاق والنسبة.

الفئة الأولى:

1/ سنوس وهي العائلات التي حافظت على أصل الكلمة كما هي والتي تنتشر في مناطق القطر الجزائري، وخاصة في تلمسان.

2/ سنوسي وهي العائلات التي تنسب نفسها إلى منطقة سنوس، وانتشارها عبر الوطن أوسع من العائلات الأولى، ومن المدن التي تقيم فيها، نذكر تلمسان، ندرومة، سبدو.

3/ سنوسي أول: ونظرا إلى اتساع النسيج العائلي لدى السناوسة وتعقده، فصلت الإدارة الفرنسية بين “فرقّ داخل العائلة الواحدة فأعطت رقم (1) لهذا، ورقم (2) لذاك، وأصبح تسلسل الذرية ينضوي تحت هذين الرقمين.

4/ سنوسي ثاني: وهي الفرقة العائلية التي تشترك مع سنوسي أول في الجد الواحد، وكلتاهما معروفة في مدينة تلمسان[20].

الفئة الثانية: إذا كانت بعض الأسماء قد تعربت من حيث انتسابها إلى المكان أو للعائلة في الفئة الأولى، فإن أسماء الفئة الثانية تنفرد بإلحاق المسمى بالاسم سواء كان اسم مكان أو اسم شخص، عن طريق البنوة البيولوجية أو الاجتماعية فيكون المسمّى ابنا للاسم الأصلي عن طريق هذه الكلمة: “بن” أو هذا الحرف “ب” بحذف النون تخفيفاً.

1/ بن سنوس، ومعناه بالحرف العربي ولد سنوس، وفي مدينة تلمسان نجد عددا من عائلات يحمل هذا الاسم.

2/ بن سنوسي، ومعنى النسبة عند العرب هو حفيذ سنوس، أو ولد من ينتمي إلى سنوس وهي عائلات لها انتشار واسع في تلمسان و الرمشي.

3/ بسنوسي: في شان هذه العائلة نرى أنه لا أصل لقول بعضهم أن الاسم مركب من باي وسنوسي، رغم احترام العثمانيين لضريح السنوسي في فتراتهم الأخيرة، ولا أساس لاعتبار الاسم مركبا من بني و سنوسي، فكل ما هنالك هو أن الاسم خضع لحركات اللّسان وأحكام السمع، إضافة إلى ما تفرضه قواعد اللغة العربية[21].

إن الذاكرة على ثلاثة مستويات: المستوى الفردي، المستوى الجماعي والمستوى الشعبي. يرى كثير من علماء الاجتماع المعاصرين أن ذاكرة الفرد ليست ظاهرة فيزيولوجية ولا ظاهرة نفسية، وذلك لأن الذكرى لا توجد في شكل آثار مادية على مستوى الخلايا العصبية كما ذهب إلى ذلك “ريبو”، ولا في شكل آثار نفسية على مستوى اللاشعور كما تصور “برغسون” إنها في الواقع، ما تحافظ عليه الأطر الاجتماعية، على حدِّ تعبير ” هالفاكس”[22].

أي ما تخزنه أشياء المحيط الثقافي من أبنية وطرقات، ولغة ومرويات، المنطوق منها والمكتوب، وأنسجة عائلية وعادات… ولهذا، فمن يعيش بعيدا عن محيطه الثقافي وأطره الاجتماعية يحس بالغربة، لأن ليس فيه ما يذكره بماضيه الحميم، حتى إذا عاد إليه بعد فترة طويلة، شعر برجوع ذكرياته تدريجياً[23].

أما طبقة العائلات التلمسانية المحافظة على تراث السنوسي، فتعد عائلة بن منصور من العائلات التلمسانية التي قادها شرف الأصل إلى الحفاظ على التراث الإسلامي جملة وذكر السنوسي التلمساني خاصة، فهي عائلة محبة للتراث، حفظت نسبها عن طريق ما خلفه الأجداد من تأليف، ولقد أنجبت عددا من العلماء الصالحين، أمثال: سيدي عبد الله وسيدي علي، دفيني عين الحوت، وسيدي محمد بن سيدي بن علي بن سيدي العربي.

ولقد كان سيدي عبد الله معجبا بالعقيدة الصغرى لعصريه السنوسي، وكان يعتمد عليها في تجديد الإيمان ويدعوا إليها فتوارث الأبناء عن الأجداد العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة، إلا أنه خبئ بعضها في مطامير عند احتلال فرنسا للجزائر، وحول المهاجرون فيما يبدوا بعضها الآخر، وكتبا لأسر أخرى إلى مدينة فاس بالمغرب الأقصى، ولم يبقى منها إلا النزر القليل[24].

إذن، إن الذين ينتسبون إلى منطقة بني سنوس والذين يتعلقون باسمها عن طريق الانحدار أو الاشتقاق اللغوي، أو عن طريق الارتباط، والعائلات المحافظة على ذكر السنوسي بغرض التيمن به، والانتساب إليه أو خدمة للتراث باسم التراث أو باسم الشرف، معالم من المخزونات الاجتماعية مكنتنا من تحديد مكانة الشيخ السنوسي لدى العائلات التلمسانية ومدى تحديه للزمان من خلالها[25].

إن تحقيق المخطوط لابد له من منهج صحيح، وأكاديمي يُعتَمَدُ من ذوي الاختصاص رأيت من المناسب أن أجمع بعض المعلومات المهمة الخاصة بالعائلات التلمسانية المحافظة على تراث السنوسي عامة، والمخطوط خاصة، أما خدمة هذه المخطوطات فميدانه واسع، ولا بد أن تكون لدينا خُطة استراتيجية لإنقاذ هذه المخطوطات، من أخطار وإهمال تعرضت لها في القرون الأخيرة.

أما الكتب التي تركها الشيخ السنوسي ليست كلها مخطوطة، وليست كلها مطبوعة وليست كل المطبوعة منها محققة، وما استطاع الباحثون اليوم أن يحققوه منها جملة، فيه جزء مخطوط أصلاً، وفيه ما أعيد تحقيقه من جديد بهدف النشر وتعميم الفائدة أو التدقيق وفق الطريقة العلمية الحديثة، ومن العناوين التي تمّ تحقيقها أوهي في طريق التحقيق، جاءت كالتالي: أولا: نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير، وقد تولى تحقيقه الأستاذ جمال الدين بوقلي حسن.

ثانيا: شرح أم البراهين، وقد طبعه وحققه الشيخ مصطفى محمد الغماري، ونشره سنة 1989

ثالثا: شرح المختصر في المنطق، للأستاذ سعيد علوان، وهو عمل أنجز من خلال رسالة ماجستير للسنة الجامعية 1989/1990.

رابعا: العقائد الثلاثية: الكبرى والوسطى والصغرى، متنا وشرحا، وهذه الكتب الثلاثة تعد جزءا من المشروع الذي رسمه لأعضاء وحدة البحث، الأستاذ الربيع ميمون سنة: 1994.

خامسا: عمدة ذوي الألباب في علم الإسطرلاب، ويشكل تحقيق هذا المخطوط مشروع رسالة ماجستير أو مجرد بحث، سعى إلى تحقيقه الأستاذ محمد باغلي[26].

وقد كان حضور مؤلفات الإمام السنوسي في التوحيد حضورا لافتا ، إذ سيطرت مؤلفاته على دارسي علم الكلام – حينئذ -، و”لم يكن ذلك مقصورا على الجزائر وحدها بل تجاوزها إلى معظم الأقطار العربية والإسلامية وأهم مؤلفات السنوسي المشار إليها هي ما يعرف بالعقائد السنوسية، وهي العقيدة الصغرى والعقيدة الوسطى والعقيدة الكبرى ، ولكن أهم الجميع هي الأولى لوضوحها واختصارها ، وهي المعروفة أحيانا باسم ( أم البراهين ) . وليس معنى هذا أن العقيدتين الأخريين لم يهتم بها الدارسون ، ولكن معناه أن جهودهم قد تركزت في التدريس والشرح حول العقيدة الصغرى ، ويليها العقيدة الوسطى فالكبرى”[27].

خاتمة:

ختاما لهذه الورقة ما يسعني إلا القول، وكما خلده جورج مارسي في كتابه” تلمسان”:” إن سيدي السنوسي هو أحد أمجاد الفكر الإسلامي، والممثل الأخير لعهده الذهبي”، فالإمام محمد بن يوسف السنوسي يعد من أقطاب الأشعرية في المغرب الأوسط، والشمال الإفريقي عموما، ولقد كان لمؤلفاته في العقيدة، والمعروفة بالعقائد ( الصغرى، الوسطى الكبرى) صدى واسعا في المنظومة العقدية بالمنطقة، مما حمل العديد من العلماء على شرحها والتعليق عليها، أو نظمها شعرا لتسهيل حفظها على طلبة العلم.

والعائلات المحافظة على ذكر السنوسي بغرض التيمن به، والانتساب إليه أو خدمة للتراث باسم التراث، أو باسم الشرف، معالم من المخزونات الاجتماعية مكنتنا من تحديد مكانة الشيخ السنوسي لدى العائلات التلمسانية.

وبالتالي لا بد أن تكون لدى هذه الأخيرة خُطة استراتيجية لإنقاذ هذه المخطوطات، من الأخطار والإهمال التي تعرضت لها، حفاظا على الذاكرة الجمعية.

قائمة المراجع:

احنانة يوسف، تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، المملكة المغربية منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1424هـ/ 2003م.
الحفناوي محمد أبي القاسم، تعريف الخلف برجال السلف، ج:1، مؤسسة الرسالة بيروت، ط2، 1985.
الدخان عبد العزيز الصغير، الإمام العلامة محمد بن يوسف السنوسي وجهوده في خدمة الحديث النبوي الشريف، دار كرداده للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر، 2010/2011.
التنيسي أبو عبد الله،” تاريخ دولة الأدارسة(من كتاب الدر و العقيان)”، تحقيق وتقديم عبد الحميد حاجيات، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب،1984.
بل ألفرد، بني سنوس ومساجدها في بداية القرن 20، تقديم وتعريب: محمد حمداوي دار النشر والتوزيع، وهران، 2001.
بوقلي جمال الدين حسن، ابن يوسف السنوسي في الذاكرة الشعبية وفي الواقع (مخطوط) معهد الثقافة الشعبية، جامعة تلمسان،1417 /1997.
بن علي بن عبد القادر عبد المالك، الفوائد الجبلية في تاريخ العائلة السنوسية الحاكمة بليبيا، ج1، دار الجزائر، دمشق، (دت).
بوربيق علال، المواهب القدسية في المناقب السنوسية للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر الملالي التلمساني، تحقيق وتعليق: علال بوربيق، بحث مقدم للمشاركة في المسابقة الدولية لإحياء التراث، الجزائر،2008.
حمداوي محمد، البنيات الأسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس، في النصف الأول من القرن العشرين(قرى العزايل نموذجا) مخطوط، أطروحة دكتوراه، جامعة وهران، 2005 .
سعد الله أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، 1500/ 1830، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط1، 1998.
مؤنس حسين، تاريخ المغرب و حضارته، دار العصر الحديث، ط1، بيروت، 1992 ص 123.
الربيع ميمون، الإمام السنوسي عالم تلمسان، مجلة حوليات، جامعة الجزائر، ع7 1993.
نويهض عادل، معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى منتصف القرن العشرين منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1971.

[1] حسين مؤنس، تاريخ المغرب و حضارته، دار العصر الحديث، ط1، بيروت، 1992 ص 123.

[2] أبي القاسم محمد الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف، ج:1، مؤسسة الرسالة بيروت، ط2، 1985، ص 176.

[3] عبد العزيز الصغير الدخان، الإمام العلامة محمد بن يوسف السنوسي وجهوده في خدمة الحديث النبوي الشريف، دار كرداده للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر، 2010/2011 ص 74.

[4] محمد حمداوي: البنيات الأسرية ومتطلباتها الوظيفية في منطقة بني سنوس، في النصف الأول من القرن العشرين(قرى العزايل نموذجا) مخطوط، أطروحة دكتوراه، جامعة وهران 2005، ص 130.

[5] ألفرد بل، بني سنوس ومساجدها في بداية القرن 20، تقديم وتعريب: محمد حمداوي دار النشر والتوزيع، وهران، 2001، ص 51.

[6] المرجع السابق، ص 133. ينظر أيضا: أبو عبد الله التنيسي،” تاريخ دولة الأدارسة(من كتاب الدر و العقيان)”، تحقيق وتقديم عبد الحميد حاجيات، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب،1984، ص 35.

[7] عبد العزيز الصغير الدخان، المرجع السابق، ص 74.

[8] علال بوربيق، المواهب القدسية في المناقب السنوسية للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر الملالي التلمساني، تحقيق وتعليق: علال بوربيق، بحث مقدم للمشاركة في المسابقة الدولية لإحياء التراث، الجزائر،2008.

[9] أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، 1500/ 1830، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط1، 1998، ص 95-98 .

ينظر: عادل نويهض: معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى منتصف القرن العشرين منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1971، ص 189/ 190.

[10] الربيع ميمون، الإمام السنوسي عالم تلمسان، مجلة حوليات، جامعة الجزائر، ع7 1993 ، ص 28 .

[11] يوسف احنانة، تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، المملكة المغربية منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1424هـ/ 2003م، ص 83.

[12] المرجع السابق، ص207.

[13] عبد العزيز الصغير الدخان، المرجع السابق، ص 210.

[14] المرجع نفسه، ص236.

[15] المرجع السابق، ص236/246.

[16] جمال الدين بوقلي حسن، ابن يوسف السنوسي في الذاكرة الشعبية وفي الواقع (مخطوط) معهد الثقافة الشعبية، جامعة تلمسان،1417 /1997 ص 68.

[17] عبد المالك بن عبد القادر بن علي، الفوائد الجبلية في تاريخ العائلة السنوسية الحاكمة بليبيا، ج1، دار الجزائر، دمشق، (دت)، ص 07.

[18] جمال الدين بوقلي حسن، المرجع السابق، ص 68.

[19] المرجع نفسه، ص 68/69.

[20] جمال الدين بوقلي حسن، المرجع السابق، ص 70.

[21] المرجع السابق، ص 70/71.

[22] جمال الدين بوقلي حسن، قضايا فلسفية، ط5، م. و. ك، الجزائر، 1991، ص 303.

[23] جمال الدين بوقلي حسن، قضايا فلسفية، ص 303.

[24] جمال الدين بوقلي حسن، ابن يوسف السنوسي في الذاكرة الشعبية …، ص 76/77.

[25] المرجع نفسه، ص 83.

[26] جمال الدين بوقلي حسن، قضايا فلسفية، ص 324/325.

[27] أبو القاسم سعد الله، المرجع السابق، ص 93 .




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)