الطبقة الحاكمة

تضم هذه الفئة العليا في المجتمع، السلاطين والأمراء من بني عبد الواد وأبناء عمومتهم، والحجاب والوزراء وكتاب الدواوين والولاة، وقادة الجيش والمنصبان الأخيران لا يقلدان، في غالب الأحيان، إلا لأقرباء السلطان (7).
وكان هؤلاء أكثر شرائح المجتمع التلمساني، استفادة من الدولة، بحكم وظائفهم في تسيير دواليب الدولة، واحتكاكهم اليومي بالسلطات، يتلقون مرتبا منتظما، من بيت المال.
وكانت هذه الفئة، تعيش عيشة مترفة، تتصدر المجتمع وتتربع على قمته بحكم موقعها، في جهاز الدولة، عرفت توسعا ملحوظا، في العهد الزياني بتوسيع دائرة الوظيف، وارتباط البعض منها، بعلاقة المصاهرة مع العائلة الحاكمة.
ويمكن إضافة بعض الموظفين، إلى هذه الشريحة المتميزة، من الذين كانوا يشغلون، مناسب حساسة، كالقضاء والفتيا والخطابة والحسبة، ورؤساء القبائل المتحالفين مع بني عبد الواد (8)، ولكنهم لا يرتقون إلى المرتبة نفسها وإنما يرتبطون بهم بحكم الوظيف.
لم تقتصر الامتيازات، التي كان يحظى بها رجال الدولة، ووجهاء القوم على الرواتب الثابتة والعطايا في المناسبات المختلفة، بل تعددت إلى الاقطاعات، وهي عبارة عن عقارات سكنية في المدينة أو أراضي زراعية.
يقدمها السلطان، لمساعديه وأعوانه، ولعلية القوم والفقهاء ورجال العلم، وقادة الجيش والوزراء، وشيوخ القبائل، كالاقطاعات التي قدمها يغمراسن، للفقيه أبي إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسي (680-1280)، في المدشر المعروف "بتيرشت"، الذي يقع بمقربة من الحنايا على أميال من تلمسان (9)، ثم اقطع أبو حمو الأول، نفس الاقطاعات، إلى الفقيهين ابني الإمام أبي زيد (743هـ/1349م) وأبي موسى (750هـ/1349م)، وبنى لهما مدرسة ومنزلين (10) وأقطع أبو حمو الثاني، قبيلة المعقل العربية، أراضي زراعية بضواحي تلمسان (11)، وكذلك منح لشيوخ قبيلة بني عامر (12)، اقطاعات عقارية كبيرة (13). وكان يقوم بكسوتهم، بالرغم من كثرة عددهم، ويبدل لهم المنح المالية المعتبرة في المناسبات المختلفة (14) وكانت الاقطاعات والهيئات شائعة، عند الزيانيين.
وإذا كانت هذه الإسهامات تقوم بها الدولة، فهي نفسها التي تعمل على إنهائها، بسبب الإقصاء السياسي من المنصب أثناء الخروج ضد السلطة، كما سلك بعض سلاطين بني زيان مع بعض شيوخ القبائل (15)، وبعض الوزراء والكتاب والقضاة، وغيرهم ممن تمت تصفية وظائفهم وإقطاعهم (16).