الجزائر

الصيدلي الذي واصل الكفاح..



- مهمتي لم تكن سهلة
- سخرت صيدليتي عام 1950 م لخدمة الثورة التحريرية المجيدة
- كنت أقدم الأدوية للمرضى ودروسا للمساجين حول النظافة
بن دردوش جلول من مواليد 1924 بحي الطبانة العتيق بوسط مدينة مستغانم، تجاوز سنه اليوم ال 94 سنة ، وهو مجاهد وصيدلي معروف بالمنطقة ، حيث فتح أول صيدلية له بمستغانم سنة 1950 ،و التي سخر من خلالها كل قدراته المادية و المعنوية لخدمة الثورة التحريرية، إلى أن تم إلقاء القبض عليه سنة 1957 وزُجّ به في سجون مستغانم ، وهران والبرواقية، ليتم إطلاق سراحه بشهور فقط قبل الاستقلال ، وفي هذا الصدد التقينا عمي جلول الذي سرد لنا تجربته النضالية والطبية، وحدثنا عن معاناته في السجون الفرنسية وكيف أنه كان يقدم الدواء للمساجين ويعطيهم دروسا حلو النظافة والوقاية من الأمراض، كما كشف لنا عمي جلول عن تجربته كأول رئيس بلدية لمستغانم في عهد الاستقلال وغيرها من التفاصيل تابعوها كاملة في الحوار التالي :
@ عمي جلول هل لك أن تحدثنا عن مسارك الدراسي ؟
^ البداية كانت مع التعليم الابتدائي في حي الدرب العتيق ، وعندما تفوقت في دراستي انتقلت إلى ثانوية « زروقي الشيخ ابن الدين « روني باسي سابقا ، بعد حصولي على شهادة البكالوريا انتقلت إلى الجزائر العاصمة و التحقت بجامعة الصيدلة بشارع ديدوش مراد إلى غاية سنة 1949، التي نلت منها شهادة الصيدلة ، وفي سنة 1950 فتحت صيدلية بمستغانم وهي الصيدلية الثانية لمواطن عربي بعد صيدلية المرحوم عليوة التي فتحها سنة 1936 ، باعتبار أن كل الصيدليات كانت للمعمرين وأبنائهم.
@ وعن حياتك النضالية ؟
^ حياتي النضالية بدأت مع الكشافة الإسلامية ثم مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين . لعلمكم في هذه الفترة لم تكن هناك مساجد باستثناء مصلى هنا وهناك تحت الراقبة والمتابعة من قبل البوليس الاستعماري ، كانت لي رغبة كبيرة في الإنخراط في الحركة الوطنية ، وقد نلت ذلك بفضل احتكاكي مع بعض المناضلين الذين كانوا يشاطرونني نفس الأفكار والتوجه ، أي العمل من أجل المشاركة في إخراج البلاد من الورطة التي سقطت فيها منذ سنة 1830.
شرف معالجة بعض المجاهدين
@ كيف التحقت بالثورة التحريرية المجيدة ؟
^ عند اندلاع الثورة المباركة كنت أزاول مهنة الصيدلة ، حيث كنت أقدم خدمات إلى الجزائريين وحتى الأوربيين، وفي نفس الوقت أراقب تطور الثورة ، في البداية كنت أقدم الدواء للمسبّلين الذين كانوا ينشطون على مستوى المدينة والتي كانت عبارة عن مسكنات ومهدئات وضمادات ... بعد فترة شعرت بأن البوليس يراقبني لكنني واصلت نشاطي في الإمداد الطبي للمجاهدين وكان لي شرف معالجة بعض المجاهدين إلى أن انكشف أمري في سنة 1957 خاصة بعدما شاركت في إضراب الثمانية أيام ، فألقى البوليس القبض عليّ واتهمت بعدة قضايا و حكم علي ب 10 سنوات سجن نافذة ، 10 سنوات نفي من مدينة مستغانم وغرامة مليون فرنك فرنسي « قيمتها اليوم مليار سنتيم « ، ناهيك عن التعذيب الذي تعرضت له في مقرات البوليس .
@ حدثنا عن لحظة محاكمتك بمستغانم ؟
^ قصة طريفة حدثت لي يومها بمحكمة مستغانم ، وأنا مُكبّل ومحاصر من قبل بوليسيّين فرنسيين تجمعت حوالي 40 امرأة أمام مدخل المحكمة وبدأن يزغردن ويهتفن « تحيا الفرمسيان ، تحيا الفرمسيان «، وهذا زادني عزة وافتخارا، وتيقنت حينها أن المواطن المستغانمي لم ينساني أبدا وأن الثورة في طريقها الصحيح ، حينها قال أحد الشرطيين لزميله «هل سمعت ما كانت هذه النسوة تقول ، لو كان الأمر بيدي لوضعت الرصاصة التي توجد في بندقيتي في جبهته» .
بعد سجن مستغانم الذي لم أعمر فيه طويلا تم تحويلي إلى سجن «ألكور/Alcor» بوهران ثم محتشد «سان لو/Saint leu « بأرزيو فسجن قديل والضاية ، بعدها جاءت مرحلة سجن « البرواقية « الذي قبعت فيه 5 سنوات .
@ كيف كانت الحياة داخل السجن ؟
^ الحياة داخل السجن كانت الجحيم بعينه ، تخيل أن سجن « بطيوة « كان يضم أكثر من 1000 سجين ، نفس الشيء بالنسبة لسجن البرواقية، المساجين كانوا يعيشون حياة صعبة جدا وسط الأوبئة والأمراض المعدية ناهيك عن الجوع الذي كان هو الآخر يفتك بحياة الكثير منهم .، السجناء كانوا يلبسون ملابس رثة ،الكثير منها عبارة عن أكياس من « الخيش «، كانوا ينامون على الأرض أو على الأفرشة مصنوعة من مادة «الكران» ، لقد عرفنا معنى البرد الشديد كما تعرضنا إلى الحر دون حماية أو رحمة من حراس السجون .
أنا شخصيا كنت أعمل من الساعة 8 صباحا إلى غاية الخامسة مساء، وهذا في سجون» ألكور» و« البرواقية «، وقد كانت أمراض الحساسية، التنفسية والجلدية هي السائدة بين المساجين ، و أنا كنت أصنع بعض الخلطات من الأدوية وأقدّمها للمرضى لمعالجتهم من الأمراض، كما أنني كنت أقدم دروسا للمساجين حول النظافة وكيفية وقاية الجسم من الأمراض، خصوصا أن طبيب السجن كان دوما غائبا .
@ هل حقا حاولت الهروب من سجن البرواقية ؟
^ في الحقيقة لم أحاول الهروب، لكن في إحدى الأيام دخل علينا حوالي 100 سجين تم تحويلهم من سجن « سركاجي « بالجزائر العاصمة إلى البرواقية ، حيث تمّ وضعهم في مكان معزول وبعيد نوعا ما علينا ، وهؤلاء حاولوا الفرار عن طريق حفر خندق، ونحن قدمنا لهم الإمداد كالأسلاك الكهربائية وبعض المصابيح ...،لكن تم كشف أمرهم وتمت معاقبتهم عقابا شديدا ، لدرجة أن البعض منهم حاولوا الانتحار .
إرادة قوية لتسيير إدارة البلدية
@ تمّ إطلاق سراحك قبل شهور فقط عن استقلال الجزائر ، حدثنا عن الأمر ؟
^ نعم ، أطلق الفرنسيّون سراحي بشهور قبل استرجاع الجزائر لسيادتها ، إلا أن المنظمة السرية « l'oas» انتقمت مني ،حيث فجرت صيدليتي وحاولت قتلي أنا وزوجتي ، لذا قررت الهروب من وسط المدينة ، والالتحاق بالحي الشعبي « تيجديت» وفتح صيدلية أخرى صغيرة إلى غاية الإعلان عن الاستقلال .
@ بعد الاستقلال كلفت بإدارة بلدية مستغانم ، وبهذا كنت أول رئيس بلدية في عهد الإستقلال ؟
بالفعل ، في تلك الفترة كانت الأمور كارثية ، لكن رغم استطعت أن أسيّر كل من بلديات مستغانم ، مزغران ، صيادة وأوريعة ، كما أذكر أن قاعات السينما تم حرقها جميعا ، والخزينة كانت فارغة من الأموال ، لم تكن لدينا شاحنات أيضا ، لكن في المقابل كانت لدينا إرادة كبيرة وقوية ، حيث نجحنا في القيام بالمهمة في ظل انعدام الغاز والبترول، وكانت مستغانم من أنظف المدن الجزائرية إلى درجة أنها اختيرت لتصبح مدينة نموذجية.
@ في الأخير ما الذي تقوله اليوم للصيادلة ؟
^ خلال الحقبة الإستعمارية كان جامعة الجزائر تضم حوالي 100 صيدلي من المغرب العربي ( الجزائر ، تونس والمغرب ) ، واليوم نملك في ولاية مستغانم لوحدها 100 صيدلي ، ومن خلال جريدة الجمهورية أقول لجميع الصيادلة الشباب كونوا صيادلة قبل أن تكونوا تجارا ، امنحوا المواطنين الثقة والطمأنينة ، ، وأحذرهم من الانحراف والمتاجرة بالأدوية، لأن ذلك يفقدهم الثقة و المحبة والاحترام .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)