احتلت مدينة تلمسان في العهد الزياني مكانة اقتصادية هامة بالمغرب الأوسط ، فاعتبرت مركز أعمال ومقر صناعة وتجارة هام بفضل موقعها القريب من الموانئ الساحلية الشمالية ووجودها في مكان تلتقي في الطرق التجارية الكبيرة. وقد أهلها ذلك لأن تكون سوقا عالمية لمختلف السلع والبضائع المتباينة، القادمة من وراء البحر الأبيض المتوسط، ومن بلاد المغرب والمشرق وجنوب الصحراء.
ومن مميزات تلمسان كمركز دولي للمبادلات التجارية بين الشمال والجنوب والغرب والشرق، الطريقة المحكمة لتنظيم أسواقها، وساحاتها وأزقتها، على نسق جميل بحيث كانت الدكاكين والحوانيت والورشات التابعة لأرباب الصناعة والتجارة مرتبة ترتيبا محكما حسب طبيعة ونوعية البضائع والسلع المصنعة والمعروضة للتجارة 1. وكانت التربيعات والرحبات التي يملكها التجار وأهل الصناعة، موزعة على أحياء المدينة ودروبها وفي الأسواق العامة المتخصصة 2. وتعتبر الحياة الاقتصادية بمدينة تلمسان نشطة ومتطورة بفضل المخازن والمصانع والأسواق الدائمة والأسبوعية والموسمية، القائمة بالمدينة وخارجها. وكان أهل تلمسان يفضلون الاشتغال بالتجارة والصناعة ويرغبون فيها، ويقدمونها على غيرها من المهن، حتى أن الشيوخ والعلماء والفقهاء، ضربوا فيها بسهم وافر، فاشتهر الكثير منهم في هذا الميدان. فقد كانت لهم مصانع للحياكة ودكاكين للخياطة، وغيرها من المهن، في الدروب والأزقة وفي السوق الكبير المعروف بالقيصارية (أو القيسارية).
ومن أمثال هؤلاء العلماء والفقهاء نذكر أبو يزيد عبد الرحمن النجار والخطيب أبو زيد بن أبي العيش الذي كان يملك دكانا بجوار المسجد الكبير يستغله للتجارة وكان يعد ملتقى للعلماء والفقهاء. ومنهم كذلك أبو إسحاق الخياط الذي كان له محلا لخياطة الملابس بدرب القبابين؛ أما أبو عبد الله محمد بن مرزوق فقد كان تاجرا كبيرا له عدة دكاكين تجارية بالقيصارية وفي درب مرسى الطلبة ، يبيع فيها شتى أنواع البضائع وينسخ فيها الكتب. وكان المؤرخ أبو العباس بن القطان يمارس التجارة لحسابه وحساب أبي إسحاق التنسي في دكان في القيصارية اشتراه بأموال هذا الأخير 3.
وتتركز معظم الأسواق بوسط المدينة، موزعة على الساحات والشوارع ، كسوق الخياطين والنساجين، والعشابين والعطارين والصاغة، وسوق الخضر والفواكه ورحبة الزرع 4.
وكانت المحلات التجارية تؤجر من الخواص وأصحاب العمارات والمنازل ومن الأوقاف ومن والولاة، ويتراوح ثمن إيجارها ما بين ستة دنانير وستين دينارا في السنة، وذلك حسب مساحتها وموقعها 5.
أما سوق الحدادين وأدوات النحاس والصباغين، فتقع شرق المدينة، وقد نجد مثل هذه الحرف منتشرة في أحياء متباينة من تلمسان، مثل سويقة إسماعيل، وسوق السراجين والقبابين وسوق منشار الجلد وسوق الكتب 6.
وتوجد الأفران الخاصة بطهي الخزف والفخار والقرميد والآجر، خارج أسوار المدينة ولا سيما في الشمال الغربي، بالقرب من باب القرمادين، وفي الجنوب الشرقي أمام باب العقبة 7.
وكانت معاصر الزيتون تتجمع حول الأبواب وخاصة في الجنوب الشرقي من المدينة، حيث تكثر أشجار الزيتون على طول ضفاف وادي متشكانة. كما تقع الصناعات التي تحتاج إلى الماء وتدار بقوته، على ضفاف الأودية، كمطاحن الحبوب التي أقيمت على ضفة وادي الصفصيف غير بعيدة عن المدينة 8، وطاحونة بالقرب من البرج الذي سمي باسمها وهو برج الطاحونة، على بعد عدة كيلومترات من مدينة تلمسان 9. كما كان الدباغون والصباغون يلجئون إلى ضفاف الوديان لغسل الصوف والجلود وصبغها ودباغتها.
وقد تعود سكان بادية جبل ورنيد، بجنوب تلمسان على تزويد سكان المدينة بالحطب والفحم والعسل والحليب باستمرار 10 ، ولعل أسواق الحيوانات كانت تقع خارج أسوار المدينة وفي ضواحيها وكان للسوق حراس لحراسة الدكاكين والبضائع معا 11.
تاريخ الإضافة : 20/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com