الجزائر

الصحراء الغربية حاضرة في الحج



حينما أكرمني الله، هذه السنة، بأداء الركن الخامس (الحج) في إطار البعثة الجزائرية لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، شعرت بمسؤولية ثقيلة وأنا أؤدي هذه الفريضة، أمام الله وتجاه الناس أجمعين.  لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبقى سلوكاتنا ومعاملاتنا على نفس الدرجة التي استقر عليها حالنا قبل الحج، حيث لابد من الارتقاء بمستوى أخلاقنا التي أكد عليها الرسول عليه الصلاة والسلام الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق بالقول ''إنما الدين المعاملة'' التي في اعتقادي هي القاعدة الأساسية والترمومتر الذي نقيس به مدى التزامنا بتعاليم الإسلام التي جاءت لتكريم الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض، وقد تجلى هذا التشريف في هذه المنحة التي تحدث عنها رسول الله (ص) حينما أقر أن ''من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد إلى أهله كما ولدته أمه''، أي صفحة بيضاء طاهرة من كل الذنوب، ولكن وأمام هذه المعاني والمواعظ هل كان المسلمون في أكبر تجمع لهم في مستوى عظمة هذا الدين؟ تلك هي المشكلة.لما نزلنا بالمدينة المنورة وبعدما أخذنا قسطا من الراحة، كان أول ما قمنا به هو التوجه إلى المسجد النبوي لأداء الصلاة والتوجه بالتحية والسلام إلى صاحب الروضة الشريفة وصحبيه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. قبل القيام بذلك ما لفت انتباهي عند مدخل المسجد لافتة إلكترونية كتب عليها: أخي المسلم التدخين يضر بصحتك فلا تؤذي نفسك وتؤذي إخوانك.. اجتنب الخبائث...''. ولكن مع الأسف الشديد البعض لا يلتفت ولا يكترث لهذا التحذير ولهذه النصيحة الذهبية، بل وبشكل يشبه التحدي وقعت عيناي على من يدخن وهو بجوار المسجد التي يرقد به الرسول الأعظم بل وأكثر من ذلك أن منهم من يتناول السيجارة وهو في ثوب الإحرام الأبيض رمز الطهارة، ضاربا بعرض الحائط مشاعر عموم المسلمين الذين يتقززون من مثل هكذا مناظر  تؤذيهم معنويا وحسيا، كيف لا وقد أوصى الله تعالى عباده بالقول ''خذوا زينتكم عند كل مسجد''. ولكن ماذا عسانا نقول مادام مثل هذه الأفعال وغيرها يحدث في الأماكن المقدسة مثل التدافع الخشن الذي لا مبرر له أمام عتبات بيت الوضوء، في صورة لا تشرف المسلمين مهما قل عددهم.قد يعلق البعض على هذه الكلمات على أنه لا يجب الحديث عن هذه المظاهر بصفة التعميم وهذا ما لا ننزلق إليه بطبيعة الحال، ولكن فليعذرني القارئ في ذلك لأنني صدمت لمثل هذه المسائل وغيرها وأنا لأول مرة أزور البقاع المقدسة التي اكتشفت فيها تلك العزلة وتلك الحدود التي رسمتها الشعوب الإسلامية لنفسها وهم متواجدون بهذه البقاع التي يتوجهون فيها إلى رب واحد وإلى قبلة واحدة وبكتاب واحد يتلونه في صلواتهم بالليل والنهار، ومع ذلك هذه الشعوب لا تتواصل ولا تختلط مع بعضها البعض بالرغم من أن الله يقول ''ولقد خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا...'' بل ولا يتوجه الكثير منهم بالتحية للآخر مادام على غير جنسيته إلا من رحم ربك. وأخطر من ذلك هناك من جاء يحمل سياسة بلاده معه إلى البقاع المقدسة متجاوزا ما يفرضه هذا المقام من تعظيم، كما حصل لنا في مشاعر منى، حيث ترمى الحجرات على الشيطان، مع بعض الحجاج المغاربة الذين عملوا على استفزازنا والاشتباك معنا وهذا بالتهجم على سياسة الجزائر وعلى شخص رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نفسه وهذا على خلفية موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية العادلة، فما كان منا إلا تذكير الحجاج المغاربة بأن الحديث في مثل هكذا مواضيع ليس هذا هو المكان المناسب للجدال والخوض فيه وبأنه يفترض أن يترك الحجاج السياسة للسياسيين على اختلاف توجهاتهم وقناعاتهم وبأن دورهم هو الدعوة إلى الأخوة والتضامن ونبذ الفرقة وليس إثارة الفتن مادام المطلوب هو ألا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. ولكن يبدو أن العصبية الجاهلية مازالت تتحكم فينا وعوض أن يكون الحج محطة للتطهر من الذنوب أضحى للبعض محطة للتزود بالخطايا، ومادام الأمر كذلك فلا بد من الاعتراف بأن المسلم مازال بعيدا عن الإسلام الحضاري.     نسخة للطباعة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)