الجزائر

الصحراء الجزائرية ملهمة الرحّالة الغربيين



تواجد الاستعمار الفرنسي في الشمال الإفريقي جعل الرّحالة والمستشرقين الغربيين يهتمون بواقع المجتمعات الإفريقية، فكانت كتاباتهم وانطباعاتهم عينا استكشافية للصحراء ،سيما صحراء الجزائر الواسعة والمتنوعة التضاريس والمناخات والأعراق، ..فالصحراء الجزائرية كانت ملهمة للكثير من الأجانب الذين عبرّوا عن هذا الإعجاب والانبهار في عدّة أعمال إبداعية صوّروا فيها الصحراء بحقيقتها الجمالية وبعين الغربي الفنان الذي انساب وراء سحر صحراء الجزائر الجذّاب وصلغ هذا الانبهار في أعمال إبداعية خاصة .فن الرّحلة واليوميات في أواخر القرن 19 :
الرّحلة من الفنون القديمة التي عرفت عند المجتمعات المتحضرّة وفيها يدوّن الرّحالة كل محطات رحلته مسجلا انطباعاته حول الجغرافيا والعمران والطبيعة والعادات والتقاليد وغيرها، هذا الفن تطوّر مع الثقافة الكتابية للمجتمع الغربي وبروز حركة الصحافة والإعلام جاء في نموذجه الحديث، و تماهى مع فنون عصره الأخرى كأدب اليوميات والقصة والتقرير الصحفي و البورتريهات والمقال ...إلخ .
ومن الرحّالة الذين اشتهروا بكتاباتهم حول الصحراء الجزائرية الرحّالة القاصة العالمية السويسرية إيزابيل إيبرهاردت و الرّحالة دي فيرييه و جاستون كوفي وفيكتور لارجو،و دوما، ودي لارب، زاكون و جان هاربيال وفرومنتان، كما أنّ هناك العديد من الذين دوّنوا انطباعاتهم ونظرتهم الجمالية للصحراء عن طريق لوحات فنية وصور فوتوغرافية أبرزوا فيها معالم الجمال في الصحراء الجزائرية ، كلّ هذه المدوّنات استثمرها المهتم بالنصوص الكولونيالية والاستشراقية للجزائر وصحرائها وقد استعنّا في هذا الصدد بترجمات عدّة مختصين ممّن قرّبوا هذه المدوّنات للقارئ والباحث العربي خاصة أعمال المترجم الجزائري عبد القادر ميهي .
الطبيعة الصحراوية :
كانت الصحراء الجزائرية مفاجئة للرحّالة الغربيين، من حيث طبيعتها وتضاريسها المختلفة عن الواقع الأوروبي، تلك الطبيعة الشّاسعة العذراء التي تشكّل فضاءات متفاوتة ومستقلة بخصوصياتها الجمالية في الجنوب الجزائري، وقد عبّر الرحّالة عن انبهارهم وإعجابهم الشديد بجمالها وسحرها وفتنتها التي صيغت في مدوّناتهم وكتبهم وأعمالهم الفنية، فالقارئ لأعمال الرحالة السويسرية " إيزابيل إيبرهاردت" القصصية ويومياتها ، يجد أنّ الصحراء هي أكبر ملهمة لها في الكتابة و قد أبدعت في وصف الطبيعة الصحراوية وتضاريسها ونباتها وغيرها في رحلتها الطويلة إلى الجنوب الجزائري (1900، 1904) ، وقد زارت الوادي تقرت، ورقلة، بسكرة، الأغواط، عين الصفراء بشار ، كما دوّن فيكتور لارجو رحلته الطويلة في الصحراء الجزائرية و يبرز فيها ذوقه المختلف عن باقي المستكشفين في جمالية المكان، كأن يعبّر مثلا عن انبهاره بالتناسق الجميل بين الرمال ونباتها الصحراوي في طريقه أقصى الجنوب الجزائري نحو غدامس الليبية ، والإعجاب نفسه يبديه في صحراء تمنراست وأدرار في الجنوب الغربي ، هذا الجنوب الذي ألهم العديد من الفنّانين التشكيليين وصوّروا أجمل مشاهده، من أشهرهم الفنان العالمي إيتيان دينيه و رينيه ترينيول و أوجين دو لاكروا و فرومنتان الكثير الكثير .
الطابع العمراني في الصحراء
مع تلك الطبيعة الصحراوية المميّزة انتبه الرّحالة إلى الطابع المعماري الصحراوي الجميل والمختلف بحسب تضاريس وطبيعة كل منطقة،فهندسة البناء في صحراء الجزائر كانت ملهمة للإبداع الغربي ولا تخلو أيّ رحلة من رحلاتهم من وصف العمران وإبداء الإعجاب بهندستها الصحراوية العجيبة، فهذه إيزابيل ايبرهاردت تطلق على المدينة القديمة في وادي سوف مدينة الألف قبّة كعنوان لإحدى قصصها حينما صعدت صومعة زاوية سيدي سالم وانبهرت بمشهد القباب الكثيفة التي تكسو أسقف المنازل، المشهد نفسه يصوّره الرحّالة زاكون في رحلته (من باتنة إلى توقرت ثم إلى سوف )، عند قدومه مدينة كوينين يقول " ... لا شيء في أوروبا ولا في الجزائر يشبه كوينين، حين نتصوّر هذه البلدة، علينا أن نتخيّل عددا من خلايا النحل تعلوها قباب صغيرة كروية الشكل على علو مترين، متلاصقة في أسفلها يجمعها جدار طوله متران، تتفاجأ العين وتندهش .. تستحق كوينين أن نسافر من أجلها رغم أنّ الأيام التي قضيناها في الرمل كانت متعبة.. " وعن جمال قصور الزوايا ينبهر الرحّالة الملازم "دي لارب " بالهندسة العربية الأصيلة في بناء قصر زاوية قمار حتّى أنّه يستهجن وجود بعض الأثاث الأوروبي الذي أفسد جمال المشهد ولم ينسجم مع الطابع السوفي الأصيل، فيما ذهب الضابط الفرنسي جاستون كوفيه إلى وصف هندسة بناء الضريح في مقابر الزوايا وجمع عددا معتبر ،دوّنه في كتابه الشهير (أضرحة الأولياء) يصف فيه جمال بناء الأضرحة واختلافاته من منطقة إلى أخرى في الجنوب الجزائريو مقارنته بأضرحة الشمال.. ، وكثيرا ما تستوقف المساجد والزوايا الرحّالة دي فرييه في هندستها و بنائها الأصيل، وقد خاض طويلا في وصف مسجد وضريح الفاتح عقبة ابن نافع في منطقة سيدي عقبة ببسكرة عند قدومه من الجريد التونسي ، هذا المسجد الذي أثار استغرابه واعجابه وانبهاره بطابعه الإسلامي العريق ونقوشه المغربية الجميلة وخطوطه العربية وزخارفه الجميلة .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)