الجزائر

الشعر.. والفطرة.. والتكنولوجيا.



الشعر.. والفطرة.. والتكنولوجيا.
في زمن لا يقسم الناس فيه إلا بالتكنولوجيا وطفراتها الإنجازية فيما تختلقه سريعا من وسائل للتواصل أحدثت تغييرا كبيرا في عادات الناس وما يصاحبها من مشاعر وأحاسيس وما يركبها من عواطف وأهواء.. في هذا الزمن قد يكون التحدث عن الشعر والفطرة في الذات الإنسانية شيئا من مخلفات الماضي الذي غدا الحديث عنه من قبيل التذكر التاريخي أو الثقافي وحسب.. ولا يمكن الخروج من هذا الوهم الاصطناعي إلا من خلال الجلوس الى شاعر ينشد قصيدته فترى القصيدة في كل أبعادها البصرية والصوتية والانفعالية تتمسرح بين يديك.. تتبرج.. تتبختر..تتثنى.. ترعد.. تهمس.. تخرج ما فيها من طاقات تعبيرية لن تعرف التكنولوجيا يوما استنساخها لأنها البعد الإنساني للشعر.. ولهذا اختار لها العربي اصطلاح القصيدة.. لأن القَصْدَة من النساء هي المرأة المعتدلة القوام، المتآلفة الأطراف، المحبوكة الجسد.. فذلك هو البعد الذي ليس للغة وحدها إدراك مداه، وليس للصوت وحده ملامسة تخومه، وليس للجسد وحده ملء مجاله، ولا المعاني التي تتوسع دوائرها كما تتوسع دوائر الماء الساكن الذي يلقى فيه بحجر.. لالا.. وإنما هذه الجُمُلة المتكاملة من الحضور والاكتمال التي تجمع هذه العناصر كلها في فعل واحد متجانس ومتآلف.. يتبعه حضور المتلقي بكليته هو الآخر.. إذ لا ينشد الشاعر لجمهور ميت غير مبال وإنما ينشد في جمع تتوزع فيه ذاته هو أولا .. فيتوزعون هم فيه بعد ذالك ذوات متذوقة منفعلة ترهف السمع وتدقق النظر في الأحوال والهيئات وكأن كل واحدة منها تريد أن تستأثر بالشاعر لنفسها في لحظاته كلها حضورا خاصا بها دون غيرها.. هذا ما يصنع فطرية الشعر في الذات الإنسانية أولا وأخيرا..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)