الجزائر

الشاب توفيق للنصر



الشاب توفيق للنصر
اعتزالي الغناء لا علاقة له بالوازع الديني
حاوره / عبدالوهاب تمهاشت
عرف الغناء صغيرا في دار الشباب لمدينة العلمة و غيرها من الأماكن التي كانت تعزف بها الموسيقى ، و كانت دندنتها الشيء الوحيد الذي يتنفسه طيلة ساعات النهار، حتى الدراسة لم تكن تستهويه مثل أخويه بشير مدير جريدة " كواليس" حاليا أو حسان الصحفي بإذاعة سطيف الجهوية، و لا حتى والده الذي كان مجاهدا كبيرا بالمنطقة و الذي كان يحرص أكثر على تعليم أطفاله ، غير أن توفيق شذ عن القاعدة و هرب من مقاعد المدرسة مبكرا ، و ابتكر كغيره من أبناء جيله قيثارة تقليدية لم تكن تفارقه حتى بالليل . و بدأ الغناء مؤديا الأغاني العربية بامتياز كبير، و هو ما جعل العديد من المختصين يرشحونه للغناء بدل العزف. و من الهواية للاحتراف بكل معانيه و لسنوات طويلة كتب و لحن الكثير من الأغاني في مسيرته الطويلة التي امتدت لأكثر من 22 سنة. و كانت أغنية / أما زنوبة / من انجح أغانيه و التي أعادتها الكثير من الأصوات حاليا غير أنها تبقى بصمة خاصة بالشاب توفيق الذي فضل الاعتزال ، وهو في هذه الإطلالة يجيب على الكثير من التساؤلات التي حملناها معنا ، وعلى رأسها سبب اتخاذه لهذا القرار .
في البداية كنت مولعا بالأغاني الشرقية مثل عبد الحليم و ام كلثوم و غيرهم من مطربي تلك الفترة الذين تركوا بصمتهم على الأغنية العربية و انتهيت مطربا للأغنية السطايفية بالدرجة الأولى ثم للأغنية الجزائرية بصفة عامة كيف حدث هذا التحول ؟
- كل المطربين أو العازفين من أبناء جيلي كانوا مولعين بالأغنية العربية التي كانت مسيطرة على الساحة الفنية لعدة أسباب أراها منطقية ، بدليل أن هذا الجيل ظل بصمة مميزة للعصر الذهبي للأغنية العربية التي تمر حاليا بأسوأ مرحلة لها ، و لهذا وجدت نفسي مدفوعا بقوة لإعادة هذه الأغاني و كما قلت و كغيري من أبناء جيلي كنا نميل لتأدية هذه الأغاني و بحب كبير إلى أن أصبحت في وقت لاحق الأغنية الفرنسية ثم الانجليزية متداولة كلغة بين الشباب لان الأغنية السطايفية بمفهومها الحالي كانت عبارة عن أغاني خاصة بالأفراح و عندما تنتهي هذه المناسبات تنتهي معها ، و هو ما دفعنا لتعويض هذا الفراغ بأشياء أخرى التي و بشكل أو أخر استفدنا منها كثيرا ، و كانت المدرسة الحقيقية التي تعلمنا منها الموسيقى الأكاديمية ، و امتلكنا بالتالي الكثير من الأدوات الموسيقية التي سمحت لنا أيضا بإدخال الكثير من التغيرات و التحسينات على موسيقى الأغنية السطايفية.
غنيت ربما أكثر من الآخرين إذا قسنا هذا بعامل الزمن غير انك لم تكن منتشرا مثلهم خاصة على مستوى إصدار الأشرطة ؟
- نعم هذه حقيقة لأني لم اهتم بهذا الجانب و لم امنحه لا الوقت و لا الأهمية اللازمة لأني كنت أفكر عكس الجميع الذين كانوا يلهثون وراء الإصدارات العشوائية لأشرطة و لاغاني لا معنى لها ، بدليل زوال هذه الأغاني و المطربين أنفسهم . و قد كنت مشغولا بالغناء و التنقل من مكان لأخر خاصة الكازينوهات المشهورة و المعروفة ، و انغمست في هذه الأجواء طويلا حتى أصبح اسمي الفني مرتبطا بها بدرجة كبيرة . و أؤكد حول هذه المعلومة بأني كنت مجبرا لا مخيرا لكوني لم أكن املك حرفة أخرى غيرها ، كما لا يعني هذا أني كنت ماجنا ، و سمعتي و صورتي في مسقط راسي لم تهتز لحظة واحدة ، بما فيها احترام الجميع لمسيرتي و لاختياري. كنت في الحقيقة أحب الغناء أكثر من أي شيء آخر ، و لم أكن املك سوى أن أبقى مغنيا سواء في الكازينوهات أو في أماكن أخرى ، و لم أكن أبدا أفكر في حرفة أخرى ، و بقدر ما استمتعت تعذبت أيضا ؟
ماذا تعني بالمتعة و العذاب في هذا المجال بالذات ؟
-المتعة بالنسبة لي هي الغناء باستمرار دون توقف ، و نظرات الإعجاب بصوتي أو تصفيقات الحاضرين .المتعة عندي هي كل هذه المسيرة التي لا توجد بها نقطة سوداء واحدة ،وهي أيضا متعة النجاح و التألق و الشهرة التي و إن لم أعشها على مستوى كبير غير أني كنت أعيشها في كل الأماكن التي كنت اغني فيها . و العذاب هو نظرتي للمستقبل والأطفال والعائلة التي أصبحت بحاجة لوجودي بقربها و غيرها من العلاقات الاجتماعية و الأسرية التي كنت محروما منها بحكم الغياب المستمر ، و أشكال أخرى من الأسئلة النفسية التي كانت تؤرقني كثيرا.
هل نفهم من هذا انك انهزمت أخيرا او استيقظت من كابوس دام طويلا بقرار اعتزالك للفن بكل أشكاله ؟
-لا .. لا بعيدا عن هذا تماما فانا لم اعتزل بدافع أو وازع ديني أو غيرها من الأسباب التي انتشرت و روج لها الإعلام كثيرا ، و استعملت كمطية لإغراض أخرى ، لأني في الحقيقة لست مرتدا و لا كافرا حتى أتوب . فرغم ظروفي المهنية الصعبة كنت أحافظ على الكثير من واجباتي الدينية اليومية ،و هذا يعني أني لم أتب و لكنني توقفت عن الغناء لا أكثر.
تقصد طريقة اعتزال الشاب جلول ؟
- معذرة أنا لا اقصد الشاب جلول و لا غيره لأنه سيبقى كما كان في السابق صديقا ، و احترم كثيرا مسيرته كما احترم أكثر قراره ، حتى لا أقول توبته .و حسب ما فهمت فإن الإعلام كان وراء هذه التسميات التي اعتقد أنها أضرت به أكثر مما نفعته، لأنها صورته في صورتين معاكستين تماما ، بين ما كان و ما أصبح عليه ، وهو ما لا اسمح به لنفسي ، و كأنه كان في غابة أو وحش بشري ، و غيرها من التهم الجاهزة التي تلصق عادة بالفنان المعتزل .و بين حقيقة الشاب جلول و الآخرين هناك اختلاف و تباين كبير في وجهة نظر كل واحد عن الدوافع الحقيقية للاعتزال أو الانسحاب بشرف .
وكيف تفسر إذا طريقة توقفك عن الغناء و تجنب كل ما له علاقة بالفن بصفة عامة ؟
-أقول فقط أني تعبت لا أكثر و لا أقل ،و لن اغني بعدا اليوم حتى لو منحوني مال قارون ، و هو قرار جاء بعد عدة محاولات سابقة ، لكني اليوم قررت التوقف النهائي عن أي نشاط فني ، و لا أريد أن ابحث له عن تسمية ، لأنها في الحقيقة أمور لا تهمني و لا تعنيني ، فانا أعمل اليوم على تخصيص وقت أكبر للبقاء بجانب أبنائي ورعايتهم ، و ما يقوله الآخرون أو يكتبونه يتحملون مسؤوليته .
قد تتوفر أسباب أخرى أفضل تعيدك للغناء خاصة أن الجميع يؤكد انك خسارة كبيرة للأغنية السطايفية بما تملكه من قدرات صوتية تعود بك من الباب الكبير للساحة الفنية.
- توقفت رسميا عن الغناء ولا أفكر في العودة إليه حتى لو لحن لي بليغ حمدي لو كان على الحياة. و الأمر ليس بهذا الشكل الهين .اعتقد أن فهمكم لتوقفي عن الغناء خطا لأني حاولت في السابق و فشلت أمام عدم حسمي لأمور أخرى متعلقة بمستقبلي و مستقبل عائلتي ، و اليوم احمد الله فأنا اعمل بمؤسسة حكومية و استطيع مهما كان ثمن أجرتي زهيدا أن أعيل عائلتي و أرعاها ماديا ، وقد توفرت كل الشروط الضرورية للابتعاد عن عالم الغناء.
هل أثر هذا القرار على نفسيتك وأنت المولع بالغناء ؟
-صحيح من الصعب نفسيا الابتعاد عن الساحة الفنية و عالم الغناء بدرجة اكبر ، لان العشرة اكبر من الحب ، و لهذا عانيت نفسيا كثيرا ، مما أثر على يومياتي بشكل كبير ، لكني تجاوزت هذه المرحلة ونجحت في مقاومتها ، و أنا أعيش واقع الحياة الجديد الذي اخترته عن قناعة و لا يسعني اليوم إلا أن أقول للجميع أني بخير .
هل ستعمل على دعوة غيرك من الفنانين إلى اعتزال الغناء مثلك خاصة الذين تجمعك بهم زمالة أو صداقة؟
-أنا مطرب و لست واعظا، و لن العب هذا الدور، و لن أوجه أي نداء لغيري من الفنانين بالابتعاد عن الساحة الفنية ، لان المسألة لا تخصني. كما أن كل شخص مسؤول عن نفسه ، و يختار ما يراه مناسبا لحياته.
كلمتك الأخيرة
-توقفت و اعتزلت الغناء و لم أتب ، لأني ابن عائلة محافظة و متمسكة بالدين ، و لست بحاجة للتوبة من أية معصية و شكرا لكم .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)