*الشيخ راغب السرجاني
إن دراسة السيرة من منظور إعادة الأمة يجعلنا مستمسكين بالأحداث التي تعيننا على بناء هذه الأمة ومن ثَمَّ فإننا ندرس السيرة لا على سبيل الحصر ودراسة التفاصيل وإنما على سبيل الفَهْمِ والوعي لتكون لنا دليلاًً على طريق النهضة والإصلاح فهذا هو المنظور الصحيح لدراسة السيرة النبوية.
والوحي -بلا شك- تكريم للبشرية وإخراج لها من الظلمات إلى النور يدعوهم للأمن بعد الفزع وللخير بعد الشر وللهداية بعد الضلال وهو إخراج الناس من الهاوية السحيقة والانحطاط في القيم والأخلاق والشرائع قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاط مُسْتَقِيم } المائدة: 15 16.
فدراسة سيرة النبي متعلقة كلها بقضية الوحي حتى لا يتسنَّى لأحد أن يفهم السيرة فَهْمًا خاطئًا فمعية الله مصاحبة لرسوله على طول الطريق لأن السيرة النبوية ما هي إلا ترجمة واقعية للوحي الرباني المنزّل عليه يقول الحق: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}النَّجم: 3-4.
*مقدمات قبل البعثة
قبل البعثة النبوية حدثت للنبي مجموعة من المقدمات نذكر منها الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وحادث شقّ صدره فقد استخرج الملَكَان من قلبه حظَّ الشيطان منه ثم غسلوا قلبه في طَسْت من ذهب بماء زمزم وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره .
وقد بدأ رسول الله دعوته لأكثر الناس حبًّا له فذهب النبي إلى زوجته السيدة خديجة فهي أول من آمن به على ظهر الأرض فقد تابعت السيدةُ خديجة النبيَ وأخذته لابن عمها ورقة بن نوفل وعرفوا منه أن الذي ينزل عليه هو جبريل فكانت -رضي الله عنها- مثالاً للمرأة المحبة لزوجها والعاقلة في اتباع ما جاء به.
ذهب النبي بعد السيدة خديجة إلى أحب الرجال إلى قلبه أبي بكر فكان أبو بكر أسرع أصحابه في دخوله الإسلام وفيه يقول النبي: مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلى الإِسْلامِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ إِلاَّ أَبَا بَكْر مَا عَتَّمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ مَا تَرَدَّدَ فِيهِ . لم يفعل أحد من البشر مثل ما فعل هو والسيدة خديجة رضي الله عنهما. ثم دعا زيد بن حارثة الذي كان يحب النبي حبًّا كبيرًا وأحبه النبي حتى عُرف بين الصحابة بزيد بن محمد. وفي موقف رِقِّه وتخييره بين العبودية للرسول والرجوع لوالديه أكبرُ دليل على حبِّه للنبي لما رآه من حسن معاملة وعشرة طيبة هادئة لم يؤذه فيها النبي ولم يتعدَّ عليه بالقول أو الفعل.
*السيرة وبناء خير أمة
تحدثنا عن وضع الزمان الذي بعث فيه النبي وعلى وضع المكان الجزيرة العربية. وقد يتساءل البعض عن قصة الرسول ونذكركم أن منظور هذه السطور هو دراسة كيف نبني أمة وكيف نعيد بناء أمة الإسلام على نهج رسول الله.
إن دراسة السيرة النبويّة من خلال هذا المنظور لها أبعاد تختلف تمامًا عن أبعاد من يقرءون سيرة النبي كقصة منذ الميلاد إلى الوفاة وهذا ليس مقصودًا من هذه السطور.
من خلال سيرة رسول الله نعدّ عملاً ضخمًا وهو مشروع بناء أمة على نهج الرسول.
إن بناء عمارة لا بد له من تخطيط جيد وإعداد سابق وبداية هذا التخطيط وهذا الإعداد أن تقوم بدراسة جدوى وتقوم دراسة الجدوى على ظروف المكان وطبيعته ومن سيقوم بالعمل والبناء وتكاليف البناء إلى غير ذلك من إعداد وتخطيط.
وهذا الكلام ينطبق أيضًا على الإسلام لكن تخيل الفارق بين دراسة الجدوى لبناء عمارة أو مبنى ضخم وبين دراسة الجدوى لبناء أمة كاملة كأمة الإسلام.
فلا بد من دراسة السيرة النبويّة من خلال هذا المنظور لا بد أن نقف مع كل حدث وكل موقف في السيرة النبويّة ونعرف ظروف وملابسات وطبيعة الموقف أو الحدث وما هي الحكمة من اختيار النبي لهذا الرأي في هذا الوقت.
بهذه الدراسة نستطيع أن نبني الأمة كما بناها النبي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 19/07/2024
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum.dz/ar/index.php