الجزائر

"السوق اتفرق"…




أسامة وحيد
«جماعات" المرابطين في أسواق النخاسة السياسية، انتهوا برلمانا وساسة و«أوزارا" حكومية إلى مآل التيه والشتات، حيث لا موجود الآن في مخاض الشارع المتحرك والمتأزم عن آخر يائس وبائس فيه، سوى عدوى متأججة عن مليونية انتهت هنا ومليونيات تطبخ هناك، فطوفان بطالي الجنوب أخرج معاشر “الهُمل" الرسميين من مساكنهم المحصنة لينتشروا على حواف الغضب بحثا عن احتواء مفقود لأزمة وطن صرخ “مستوطنوه" دفعة واحدة بأن كأس الصبر فاض وأن ما هو فوق الأرض من تجليات لم يعد يحتمل تسويفا وتسويقا أكثر لعشريات من الدجل الرسمي والسياسي والتنموي المستتب على مستوى الحاكمين والحالمين بتكرار نفس شريط العبث والمراوغة واللعب المستباح على عامل الوقت كفيل بمعالجة المشاكل وتهدئة النفوس..
لم يعد هناك وقت ضائع، فكرة الثلج التي دحرجها جنوب منتفض تحدى كل عوامل التعرية الطبيعية والمصطنعة لم يتوقف صدى دورانها عند أقدام من هلعوا وهرعوا إلى ممالك الرمل لمحاصرة الغضب القادم من عاصفة الغبار المتحركة، ولكنه تجاوز كل متوقع فمارد “الشرذام" أصبح له بدلا من مليونية واحدة، مليونيات متعددة الأوجه والانتشار و«التزوبع".. في الأغواط، في وادي سوف، في قسنيطية.. في المسيلة، في وهران وصولا إلى العاصمة.. الجميع يتحرك والجميع يتداول أخبارا مزمنة الضحك على أن “أويحيى هرب.." وكذا بلخادم والبرلمان والحكومة وولد قابلية يقاومون الهروب لآخر رمق و«غرق" فيهم؟
البعض يهمس بصوت علني بأن ما يُؤزم وينفخ من أحداث امتزج فيها رعب الأطفال مع متفجرات الفساد فمليونيات الشعب يريد “الرغيف"، ليست صدفة، ولكنه مخطط كبار قوم اختلفوا فرموا بضاعتهم إلى الشارع لتصفية بعضهم بعضا وحتى يكون هو الفصل على هامش رئاسيات لم يحدد محتواها ومبناها بعد أن تفرقت أسهمها بين قبائل وحواشي السلطة حيث لكل زمرة مرشحها ورهانها و«عصبتها" الطامعة. هذا عن البعض، أما السذج مثلي، فلسان حالنا أن اللعب بالنار بلغ منتهاه وأن الحراك بفوضاه الشرعية التي نرى ونعايش لم يعد أمامه من حل سوى الذهاب إلى لب الموضوع والمحتوى، فالقصة خرجت من يد الكاتب والمدبلج والأحداث تتسارع بشكل مفرط الابتذال والاستخفاف، والخوف كل “الخرف" أن تنفلت خيوط اللعبة من يد الجميع فتغرق البلاد وتتوالي صرخات لقد خسر الجميع وطنا تقاذفوه ككرة حليلوزيتش حيث الأداء جيد وممتاز أما النتيجة فعارضة المرمى سقطت على وبالجميع حيث لا هدف ولا هم منتصرون..مباراة جيدة ولعب متحكم فيه و«حليلوزيتش" يخسر المباراة ورغم ذلك يواصل مهام التدريب في تجديد لثقة الرداءة والفشل والإفلاس الموجع..
الحكومة، البرلمان، الأحزاب السياسية والزعامات الورقية من جمهور المصفقين والمتفرجين على رداءة الصوت والصورة، يتقاطعون في عنوان، الغضب القادم والمتربص بالجميع، لكنهم وفي “عزة" إثم بالوقت الذي سيتكفل بمعالجة ما لم يُشخصوه من أمراض متراكمة ومتتابعة، يرمون قطع “النرد"، غير مستوعبين أن الوقت غير الوقت والزمن غير الزمن والصبر غير الصبر الذي كان، فالشارع المتحرر من كل طيف سياسي ورسمي لم يعد له من زعيم إلا القدرة على إحداث الارتجاج غير المتوقع وإخراج المسؤولين من أوكارهم، والحل أمام واقع، لكل حي وشارع وزنقة زعيمها و«روبن هودها" المجهول الذي ينادي اليوم بالحق في العمل والأمل، أن السلطة التي أخرجت الشعب من حساباتها تعيش أتعس يوميات غيابها بعد أن عجزت أمام طوفان ما يجري من فوضى خارقة ومتنقلة، أن تعثر لها على شخص تفاوضه وتتحاور معه، فلا طرف في الجهة والضفة الأخرى، سوى أن المليونيات أصبحت تنظم وتصنع الحدث تلقائيا، حيث يكفي نداء بلا توقيع ولا موقع من نادي إنترنت بجهاز كمبيوتر واحد، حتى يجتمع عشرات الآلاف من مزمني التعس واليأس على هدف وقلب “فايس بوك" واحد، لسان ضغطه والاجتماعي: الشعب يريد الكهرباء والغاز والعمل والأمن.. وحتى ساحات اللعب، ناهيك عن الحق في الزواج وفي تعاطي الحب والثقة المفقودة بين جماعة الفوق و«جموع" التحت… الحكومة ببرلمانها المطرود من الأغواط وغرداية، تمتهن العبط والاستفزاز والسخرية في أسمى و«أسم" مذاقاتهم المتوفرة، فحين نعلم أنه وسط الحريق والدخان، يُستفز الغضب الساطع بمهمة رسمية عن “شطح" برلماني نزل إلى بؤر التوتر فزادها تأججا، حين نعلم ذلك نفهم لماذا امتد شرر المليونيات إلى بقية جهات الوطن، فمن أعطى الضوء الأخضر لمخلوقات برلمان ولد خليفة المفلسة للانتشار في هذا الوضع المأزوم، أراد أن يستفز ويلغم الشارع بشكل غير مفهوم. ترى ماذا يعني أن تنزل كوكبة من نواب مفلسين ومطعون في شرعيتهم إلى شارع متوتر؟ أليست مفارقة عجيبة أن يحدث هذا وبهذا الشكل المبتذل، كان الأولى للبرلمان أن يأخذ عطلة ونوابه ويختفون إلى حين مرور العاصفة، أما أن يتم الزج بالإفلاس في لعبة غضب كبيرة فإن صاحب الفكرة أتقن بشكل ممتاز حكاية صب الزيت على النار..
السؤال الذي يقرض ويفرض نفسه في كرة الثلج المتدحرجة من عل، هل الحكومة تريد حقا أن تحتوي وضعها الهش والمتهاوي، أم أنها تسعى لكي تؤزم الوضع أكثر..؟ ظاهريا، عبد المالك سلال يبذل جهدا عملاقا لمحاصرة بؤر التوتر، أما باطنيا فإن وسيلة “جونبة" (من الجنوب) الجزائر من خلال مشاريع تنموية بأثر رجعي تم حصرها في بقعة جغرافية واحدة، لم تزد الأمور إلا تعفنا، لأن “البطالة" و«الحقرة" والغياب ليست رياحا جنوبية فقط، ولكنها.. وطن يحده من كافة جهات الغضب والتمييع.. حكومة أغمضت عينيها وصمت آذانها دهرا طويلا، وحين فرضت عليها ظروف “المليونيات" النزول إلى الشارع بحثا عن الشارع حاولت مراوغة الوطن بالجنوب لتصطدم بأن كل الوطن، حكاية جنوب يقع في الشمال وشمال يتقاطع مع الشرق وشرق يزاوج الغرب وغرب يسكن الجنوب.. يعني الجنوب، كان الشجرة التي تخفي الغابة، ولأنها مناسبة عيد الشجرة، فتذكروا أيها السادة.. أن الغابة أكبر من أن تخفيها شجرة و«عيد" رسمي مؤقت الغرس.. والمحصلة حين تتوقفون عن غرس المناسبات أمام كاميرات التلفزة، حينها سنتكلم عن مشروع مليون “شجرة" بدلا من مليون غاضب من مليون سكن غائب في دولة “الله غالب" المتعارف على أدائها الساذج؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)