الإخطار ثقافة قانونية راقية
يسّير السيد الطيب لوح وزير العدل حافظ الأختام قطاعه بنظرة مدروسة ورؤية دقيقة قائمة على ركيزتي المرحلية والتدرج للوصول الى السقف المأمول، في مقاصد الاصلاحات العميقة، التي بادر بها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الى جانب المنظومة التربوية ومهام الدولة.
لم يتوقف أبدا هذا المسار من أجل ترقية العدالة الجزائرية وتبوئها المكانة المرموقة على أكثر من صعيد، وجعلها توافق مع المقاييس المعمول بها دوليا وهذا هو الشغل الشاغل حاليا للجهات المسؤولة التي ما إنفكت تعمل وفق هذا التوجه الحيوي الرامي الى مباشرة كل مسعى على أساس التواصل بين كل الحلقات القضائية المؤدية في نهاية المطاف الى لمس ذلك البناء المنطقي في سيرورة العلاقة المتينة في كيفية صناعة الحكم.
هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن الهدف المتوخى هو بلوغ المستوى المبحوث عنه الوارد في خارطة طريق الاصلاحات، ألا وهو النوعية في الأداء وترقية الخدمة في هذا الشأن والأكثر من هذا الذهاب الى الحد الذي يسمح حقا بوضع الضمانات وإقامة الآليات حماية لكل هذه المكاسب المتوجهة للمواطن الجزائري التوّاق دائما الى الأحسن.
في هذا الاطار، فإن ما أنجز في هذا القطاع جدير بأن يكون محل تذكير إعلامي خلال 12 شهرا من العمل الجاد، والجهد المبذول ونعني هنا سنة 2017 التي لاتنفصل عن باقي السنوات الأخرى في مجال العدالة، كونها متكاملة في مقدماتها ونتائجها كماهي عبارة عن محطات بارزة، في التحرك باتجاه الفعالية في تجسيد المؤسسات القضائية في هذا الصدد.. خاصة التي جاء به الدستور الجديد وهذا هو رهان المرحلة.
هذه الحركية المنجزة أدّت الى التقدم الملحوظ والتفوق المسجل للمنظومة القضائية الجزائرية على أغلبية نظيرتها في الضفة المتوسطية وهذا بانتقال عدد القضاة من 8 سنة 2000 الى 15 قاضٍ لكل ألف نسمة في 2017 في حين بلغت 13 قاضٍ لكل 100 ألف نسمة و11 قاضيا بكل من المغرب وايطاليا.
هذه عينة حيّة، على المستوى العالي الذي وصل إليه القضاء الجزائري، فيما يتعلق بحضوره على نطاق واسع لتغطية انشغالات المواطنين في هذا الشأن مع التأكيد على نشاطه المتوافق مع المعايير المعمول بها عالميا، وهذا هو الحرص القائم للحفاظ على هذا المسار النوعي بالتوجه دائما الى الأمام، بتغليب إرادة النجاح، هذا ليس كلاما ديماغوجيا وإنما حقائق موجودة في الميدان.. انجازاتها لا تتوقف في كل مرة نطلع على هذا التتابع في استكمال دائرة الفعل القضائي وفق تصوّر واضح جدًا.
تفاعل بين جبهتين
هذه النقلة النوعية، تتحرك على جبهتين الأولى المتمثلة في العناية الدقيقة بالنصوص المسيرة للقطاع ومطابقتها مع كل الحالات وتكييفها مع كل الأحداث; كذلك حتى تكون مسايرة للواقع; كيفما كان وهنا تبرز عبقرية المشرIع الجزائري، وقدرته الفائقة في التفاعل مع أي طارئ.. وهذا في حد ذاته استشراف لماهو قادم وكذلك مواجهة كل الثغرات التي كانت موجودة في السابق.
لذلك، فإن التحولات الكبيرة وحتى الجذرية في العملية الاقتصادية والمالية والتجارية حتّمت مواكبتها بترسانة من القوانين في هذا المجال بتحمل تلك الأبعاد العالمية وتكون مرجعية في تسوية النزاعات، مهما كانت طبيعتها، سواء مع المتعامل الوطني أو الشريك الأجنبي.
أما الجبهة الثانية، فهي السعي الحثيث من أجل جعل كل تلك النصوص في خدمة المواطن، وهذا بحماية مكاسبه على أكثر من صعيد.. بواسطة أدوات قانونية لاتتركه عرضة لأي تجاوزات تذكر، وهذا بضمان له مبدأ الدفاع والبحث له عن بدائل غير الحبس.
وأولى بوادر هذه الخيارات الانطلاق الرسمي في استعمال تقنية السوار الالكتروني من قبل المتابعين قضائيا قبل الفصل في ملفاتهم وقد جرى ذلك يوم 15نوفمبر 2017 بمحكمة بئرمراد رايس احتراما لمبدأ قرينة البراءة ودعما للطابع الاستثنائي للحبس المؤقت.
هذا يدرج ضمن التعديلات التي تضمنها قانون الاجراءات الجزائية، باستبدال الرقابة القضائية الكلاسيكية بنظيرتها الالكترونية، التي ستكون جاهزة خلال السنة القادمة وستعمّم على باقي محاكم الجمهورية وسيتجنب الشخص المتابع قضائيا وليس المحكوم عليه نهائيا تحت الرقابة في انتظار محاكمته التنقل من أجل التوقيع، وفي هذا الاطار، فإن القاضي المكلف بالملف الوحيد، الذي يحوز على السلطة التقديرية، للاستفادة من السوار الالكتروني يتوجه الى كل من يتمتع بإقامة محددة ولا يعد خطرا على الناس، يراقب بلوحة تحكم معلوماتية وكل اخلال بالشروط المعلنة يستدعى المعني.
وتعد الجزائر أول دولة عربية وفي المرتبة الثانية بعد جنوب افريقيا، البلدين الافريقيين الوحيدين اللذين يستعملان هذه التقنية، والتي لا تكلف سوى 10 ملايير سنتيم، صلاحيتها 10 سنوات، وهذا تماشيا مع النص المتعلق بتنظيم السجون واعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين.
بقراءة متفحصة لهذا القانون يتضّح جليا مدى حرصه على عدم سلب الشخص المحبوس حرياته والعمل على ادماجه في المجتمع في حالة عدم تجاوز العقوبة 3 سنوات، كما يتوفر على كل الحيثيات المتعلقة بمسار استفادته من السوار الالكتروني أوحرمانه منه، وهذا كله عبارة عن ترجمة للسياسات الوطنية المتبعة بترقية حقوق الانسان في الجزائر.. وعمل متكامل في التصوّر لإحداث النسق العام في معالجة القضايا وتوحيد الاحالات في تفاعل وقائعها لصالح عدالة قوية في الجزائر.
لابد من القول هنا بأن كل ماأنجز في هذا القطاع يعتبر حدثا بارزا غير مرتبطا بالزمان لأنه حلقات مترابطة غير قابلة للتجزئة أو التفكيك، وفي كل مرة تضع الوزارة هذا العمل في أعلى مستوى، وخير دليل على ذلك اعداد الأرضية القانونية لثقافة الاخطار، أو ما يعرف بعدم دستورية المواد التي تقيم على أنها منافية لما ورد في أسمى وثيقة للبلاد ألا وهو الدستور، لتكون لصالح المواطن.
وفي خضم هذا السياق، فإن هناك نقاشا ثريا مفتوحا مع الضالعين في هذه التجربة للإستفادة منها وهذا بتناولها من كل الزوايا قصد الوصول الى نص مقبول يتماشى مع انشغالات الجميع.. وتفادي كل الحالات الأخرى.. وهذاالمشروع الذي هو بصدد التحضير يعد حالة نادرة وتاريخية في حوليات القضاء الجزائري دون أن ننسى تنصيب اللّجنة الوطنية للقانون الدولي الانساني واختصاصات مجلس الدولة، والتسهيلات الكبيرة في استخراج الوثائق العدلية في وقت قياسي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/12/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : جمال أوكيلي
المصدر : www.ech-chaab.net