الجزائر

"الزربوط" لسعيد بن زرقة.. نصوص سردية في الأدب الساخر




*- الأمة التي لا تضحك هي أمة لا تقبل النقد وعدوة للديمقراطية والحريةصدر حديثا عن دار الساحل، للكاتب الساخر سعيد بن زرقة، كتاب جديد عنوانه "الزربوط"، وهو نصوص سردية ساخرة، جمعها صاحبها ضمن ركن "قهوة مرة" كان ينشرها في إحدى الأعمدة اليومية، يقع الكتاب وهو من الحجم المتوسط في 139 صفحة، ويضم 36 نصا ساخرا لاهبا بالإضافة إلى مقدمة.لم يكن هدف بن زرقة -مثلما جاء في مقدمته- من وراء ما كتب، تغيير النظام ولا العالم، كما لم يدعي الشطارة في تقديم الوصفات الجاهزة أو تقديم الدروس للغير، فهو ليس من هواة النظريات والتفلسف أو الإدعاء بأن "زربوطه" يساهم في رسم خرائط وطرق النجاة للأفراد والمجتمعات لأنه وبكل تواضع سيهوي في أول حفرة تصادفه، وسيفشل في أول اختبار يعترضه.نصوص الزربوط هو باختصار وبلغة شفافة تعكس نفسية الكاتب وبدون ملونات بلاغية ولا حافظ، تعبر عن مغامرات الولد المنحوس، تظهر فيه إنسانية الساذجة المليئة بالخيبات، وتقرأ فيها حكمة جدته "أم هانئ" وبلادة الولد الشقي، نصوص كان الأولى أن تسمى "أم هانئ" لحضورها المضطرد في كامل النصوص فهي "البودي غارد" الولد الناهد.وغاية كتابته الزربوطية أن ينتزع منه ضحكة مكتومة وأخرى مجلجلة، وهو يرثي حال الكناس والكوارث التي أدت إلى تزايد مراكز الانهيارات العصبية والنفسية في وطننا الكبير، وتراجع الضحك والسخرية في الإعلام والمسارح والأفلام المريضة وفي يوميات الناس، ويختم بن زرقة قائلا أن الامة التي لا تضحك هي أمة لا تقبل النقد وعدوة للديمقراطية والحرية، ويطرح البديل الحائل دون تفريخ مراكز أكبر للجنون بكل أشكاله، وهو تمكين الابتسامة والضحك في وسطنا التربوي والاجتماعي، فوحدهما القادران على وقف نزيف الانهيارات وخطوة أولى لعودة العقل، لكن شريطة استشارة بن غبريط، فلعل لها تصورا أخر للمعضلة.تبدأ رحلة الزربوط صديق بن زرقة مع "أم هانئ والبئر الميزابي" التي تارث تائرتها لبئر قديمة طالها الإهمال وغادرتها الأعمال، وطالبت بترميم هذه البئر الذي انهار في القصر العتيق، في الزمن الذي ظهرت فيه النعرات، وهو في نصه هذا يعود إلى أركيولجيا الزمان ويحكي التاريخ والأسماء، ويعدد المناطق، ويصف الروائح والنكهات، في مدينته قصر البخاري، يذكر الزوايا والشوارع بحنينية من عاش المرحلة منذ الطفولة الأولى، مبرزا التعايش الذي كان موجودا، والحياة في الزوايا وإسلام الحب والسلام وإطعام الطعام وإفشاء السلام لأن إسلام هؤلاء ببساطة كان خاليا من المضافات والمثخنات وغير معدل بالحموضة وبدون حافظ، ودون "تدعيش"، وهي مفردة لا يستسيغ استعمالها لأنها حادثة ووضعها في النص إثبات لها واعتراف بمروجيها. وها هو يلوي على "الزربوط" وهي شخصية بخارية، في نصين، "عرس الزربوط" و"وكالة الزربوط للأنباء".يتخذ بن زرقة "عرس الزربوط" كذريعة ليسرد جميع ما عرفه عن النصوص التي كان العرس تيمة جوهرية لها، "عرس الدم " لغارسيا لوركا، و"عرس الزين" للطيب صالح، و"عرس بغل" للراحل الطاهر وطار، وكان بن زرقة ولا يزال يحفظ نص الشاعر مصطفى الغماري "عرس في مأتم الحجاج"، ثم ها هو يزج بجدته أم هانئ في عرس صديقه الزربوط الذي دعاه للوليمة، أم هانئ التي كانت صاحبة حنجرة ذهبية تضاهي، أم كلثوم و"سيلين ديون"، فتحظى باستقبال حار في كل البيوت، وتعامل كملكة، فكان الكاتب يستغل هذه المكانة المقربة ووظيفته الظرفية ك"بودي غارد" من أجل أن يقوم بعملية مسح شامل لمساحات الطعام ويعود إلى البيت محملا بما لذ وطاب.وللكاتب وظيفة أخرى وهو حفظه لجميع ما كانت تؤديه الجدة في العرس من "المربوع"، ويعود لعرس الزربوط وغرائبيته ودراميته، الذي دعاه إليه ذات يوم، وكانت من منشطيه "زهرة الدقداقة" صاحبة المقاطع الشهيرة "طريق تنس ونشروها بالميطرا"، و"مولات الخوخي وينوض عليها الرصاص"، وصاحب القصيدة الغزلية الظريفة الشيخ مامو الذي يقول في أحد من مقاطعه "نقطعك بالشفرة ونبيعك بالربع"، يا للهول، و"ديري حسابك بللي راكي ميتة" يا للمصيبة، وبحضور أيضا الشيخة فاطمة طاكسي الشهيرة ب"طريق الصفصاف ظلمة وندخلوها بالسيف".هذا هو حال عرس الزربوط، لقد تحول رصاص الفرح في هذا العرس إلى رصاص الموت، وتحولت ساحة الأفراح إلى ساحة حرب، حيث أصيب الضيوف ومنهم البراح "الداندو" وحميدة "مول الباشي" بإصابات بليغة، والأغرب ما في هذه المشاهد المضحكة المبكية أن الكاتب ولعله بن زرقة نفسه نجح في أن ينجو بجلدته بأعجوبة.النصوص الأخرى هي"الطاهر وطار وفريدريك وأنا"، ابن بطوطة في رمضان، و"يوم هربت من المركز الثقافي الروسي" وهو نص جميل يبدي حب الكاتب للغات واصطدامه أيامها وخوفه من أن يصبح ملحدا تتابعه مخابرات "الكاجيبي"، وبقية النصوص كلها تحمل ذات النكتة والعديد من المعلومات الكثيرة.هذا هو الأدب الساخر، وفي الزربوط تشاهد لوحات من الكوميديا السوداء، ورشقة قهوة بن زرقة ليست مرة بالضرورة ، بل هو حديث حلو، فيه نكتة ماهرة، والدعابة كلها تدلك إلى روحه الفنانة المتأملة بعينها الأخرى، نصوص صيغت بلغة مغايرة، لها ميزتها وفرادتها في السائد.المضامين الجزائرية خالصة والمتلبسة بتاريخ الشخوص في عمقها الإنساني، منقولة كأدب جزائري محض.لسعيد بن زرقة كتاب أخرعن مدية عنوانه "المدية أسماء وأماكن".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)