الجزائر

الركود التاريخي



الركود التاريخي
بقلم: أحمد برقاويأن تتوقف السيرورة التاريخية أو تتراجع فهذا من طبيعة الأمور ويصير التاريخ - في العادة راكداً حين لا تنمو في أحشائه قوة اجتماعية حية متكونة من طبقة صاعدة ونخبة معبرة عن قوة التجاوز فكرياً وأيديولوجياً أجل هو ذَا المجتمع الراكد تاريخياً. وإذا قيض لهذا المجتمع سلطة عنفية معبرة عن هذا الركود وحامية له وذات مصلحة في استمراره فإن زمن الركود قد يطول.وليس هذا فحسب فإن الركود التاريخي يخفي تحت سطحه الظاهر تفاعل عناصر كثيرة ومتناقضة من عناصر التمرد والحقد الخفي إلى عناصر اليأس والإحباط إلى عناصر الآمال والأحلام إلى عناصر العودة إلى الماضي إلى عناصر اللامبالاة وأخيراً إلى عناصر العنف.والركود التاريخي يؤدي في النتيجة إلى حالين متناقضتين: فإما إلى النهوض وإما إلى مزيد من الدمار والنكوص التاريخي.وتكون نهضة بعد ركود إذا كانت عوامل النهوض تختمر في أحشاء المجتمع الراكد وغير واضحة للعيان وتكون عوامل الركود في رمقها الأخير. وفي هذه الحال تحدث تمردات وتمردات مضادة وهكذا حتى يأخذ المجتمع حالة استقرار بالجديد من الحياة.أما إذا كان الركود فاجعاً وحقلاً خالياً من أية بذرة خلاص أرضي فإنه يؤدي إلى نكوص تاريخي وانسحاب من صناعة المستقبل والتفتيش في الماضي السعيد عن أنموذج يُتوهّم بأنه قابل للاستعادة. وهذه حال الحركات الأصولية جميعها من دون استثناء.ويحدث أن تتعايش الحالتان في مجتمع واحد ويكون الصراع بينهما وفقاً لدرجات القوة وسيكولوجية العنف لدى كل طرف. والخطورة بمكان أن يكون المجتمع الراكد من القوة بحيث يطيل أمد الصراع إلى زمن غير معلوم.وإذا ما أضفنا دخول العامل الخارجي إلى بنية الصراع وتأييده لهذا الطرف أو ذاك صارت لدينا حالة المسألة العالمية. وتغدو قوى الركود المحافظة على واقع الحال طرفاً ثالثاً إذا ما دُعِمت من عامل خارجي.والمتأمل الآن في المناطق الأكثر اشتعالاً وانفجاراً كسوريا واليمن وليبيا والعراق سيجد نفسه أمام الحالات النموذجية لما أشرنا إليه.ففي اليمن مثلاً يشكل الحوثيون القوى النكوصية الأصولية الانقلابية ويشكل علي عبدالله صالح قوى الركود التاريخي وتشكل القوى الشرعية قوة النهوض. فيما تشكل داعش وما شابهها من أحزاب شيعية في العراق القوى الأصولية النكوصية وتشكل بقايا سلطة بريمر قوة الركود التاريخي فيما القوى الوطنية اللاطائفية هي الخيار التاريخي النهضوي.وتأسيساً على ذلك يجب الحكم على موقف العامل الخارجي ومعرفة الطرف الذي يدعمه من أطراف الصراع. مع الإيمان المطلق بأن أي مساهمة غير عربية لن تشعر بحجم الكارثة المحدقة بعالمنا العربي. وهذا يجب أن يكون واضحاً للجميع.ولعمري إن هذا الوضوح المنهجي لضروري جداً جداً في تأسيس الوعي الصحيح ومد الموقف من حركة التاريخ بالعقل المساعد على تجاوز الركود التاريخي الذي إذا ما طال أمده في ظل الصراعات العنيفة كان إيذاناً بالنهايات الوخيمة المدمرة للمجتمع والحياة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)