الجزائر

الرئيس يقرر ولا يطالب



الرئيس يقرر ولا يطالب
بدا الرئيس بوتفليقة في خطابه أول أمس بسطيف، وكأنه مواطن بسيط مغلوب على أمره، يشكو كما يشكو كل الجزائريين ''الزوالية'' من سطوة تجار الشرعية التاريخية و''بزناسية'' العصمة الثورية، فراح يطالب بإنهاء حكمهم وتسليم ''المشعل'' للشباب؟
ويفجر خطاب الرئيس بسطيف سيلا جارفا من علامات التعجب والاستفهام، لأن الرؤساء عادة يأمرون وينهون ويقررون ويصدرون المراسيم والتعليمات، ولأن سي بوتفليقة أيضا جاء إلى سدة الحكم ممتطيا جواد نفس الشرعية وصهوة نفس العصمة، وكلنا يتذكر كيف أن اسمه في سنوات حكمه الأولى كان يطلق دائما مقرونا باسمه الحرَكي أثناء ثورة التحرير ''عبد القادر المالي''.
وبما أن الرئيس بوتفليقة معروف بدهائه السياسي وخبرته في الاتصال وتحريك الجماهير والاستثمار في مشاعرهم، فإنه يكون قد أدرك بأن الموعد في سطيف كان مع ''الشعبوية'' التي تدغدغ قلوب العامة وتملأ عيونهم بالدموع وتدفعهم دفعا إلى صناديق الاقتراع متحمسين ومبتهجين ومنتشين بالأغاني النوستالجية من قبيل ''يحياو ولاد بلادي ويحياو بنات بلادي وشنانة في الحساد''، ومن قبيل ''لالجيري مونامور'' و''معاك يا الخضرا''. ولا ضرر بعد ذلك في أن يحمل خطاب كهذا بعض المبالغات والتناقضات والالتزامات التي ''لا تلزم''، فهو موجه لملايين الناخبين وليس لعشرات المحللين والمتابعين.
طبعا ما فعله بوتفليقة في عاصمة الهضاب، وبالمنطق السياسي البراغماتي المحض، مقبول ومعقول، فموعد اليوم يكاد يكون رهانا شخصيا له، لأنه لا يتخيل لحظة نهاية تراجيدية لحكمه، بثورة للشعب أو بتدخل للأجانب، كما أن ''الإصلاحات السياسية'' هو الذي أطلقها وحرص منذ البداية على أن يمدها بالقوة اللازمة حتى تتحرك إلى الأمام، وآخر شحنة من الوقود في خزان المسار أفرغها أول أمس بسطيف.
وانطلاقا من هذه المعاينة، يصبح من الغباء والسذاجة الاعتماد على خطاب سطيف في تحديد معالم مستقبل الدولة الجزائرية، ومدى استمرارها في التنفس برئة الشرعيتين التاريخية والثورية، وفي الحلم بغد وردي قريب لا مكان فيه ل''شحامي'' الذاكرة الجميلة ول ''مفرمجي'' الماضي العظيم، فقد علمنا خبراء السياسة بأن القاعدة عند رجل الدولة و''حريف'' البوليتيك هو أن يستعين بالتحليل والتركيب والعقل لتسيير دواليب الحكم، وبالشعبوية والعواطف والقلب في تحريك الجماهير.

Mouhben2002@yahoo.fr




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)