الجزائر

الخطوط ..المقطوعة !



الخطوط ..المقطوعة !
عبد السلام بارودي
في بلادنا أصبح الكثير من خطوط الإمداد تُقْطع بلا سابق إنذار.. خطوط الهاتف، خطوط الإنترنت، خطوط الكهرباء وأخير الخطوط الجوية الجزائرية، أي أن قطع الخطوط الأرضية ليس كافيا لقطع كل صلة لنا بالعالم لذلك فكّر البعض في قطع الخطوط الجوية.
حكاية إضراب مضيفات ومضيفي وعمال الخطوط الجوية الجزائرية تثير السخرية، لأن لا أحد كان يعتقد أن هذه الطبقة "الراقية" التي تشبه "المايوناز" أو كريمة التحلية تقوم بشل حركة العباد داخل البلاد وخارجها، كما أن الإضراب يدعو من جهة أخرى للقلق، فهو يضرب خط الإمداد والتواصل الأول ما بين الداخل والخارج. ولأن الخطوط الجوية الجزائرية لها من المميزات التي تنفرد بها في العالم بأسره، من حق الجزائريين التساؤل عن مستوى الخدمات الجليلة التي تقدمها الشركة وعمالها للزبائن..
الخطوط الجوية الجزائرية يمكن أن تستغرق طائراتها أربع إلى خمس ساعات فوق أرضية المطار قبل أن تقلع، ويمكن لها أن تسجل تأخرا بمستوى المدة الزمنية نفسها التي ذكرتها سابقا دون أن تكلف نفسها عناء تقديم الاعتذار لزبائنها، وهي أقرب في تعاملاتها مع الزبائن إلى سوق الفلاح أو الأروقة الجزائرية سابقا منها إلى مؤسسة طيران،
وهي قبل ذلك تتعامل مع الزبائن بمنطق "أدي ولا خلي"، ولأنها وحيدة مكانها وزمانها فهي المؤسسة الوحيدة التي مازالت تحافظ على تقاليد التعامل القديم مع المواطن، حيث لا يمكن لك الحجز في الظروف الاستثنائية إلا بوساطة لأن المؤسسة المحترمة مازالت تصر على التعامل معنا بعقلية الأزمنة الغابرة عندما كانت مقاعد المحافظ وحتى مسؤل القسمة محجوزة مسبقا على مدار السنة، وعندما تسقط الجوية من حساباتها أنها وحيدة زمانها ومكانها عندئذ يمكن الحديث عن مؤسسة عصرية تتعامل باحترافية مع محيطها ومع زبائنها.
إضراب الخطوط الجوية الجزائرية أكد حقيقة أخرى وهي أن جبهات التوتر ستظل قائمة ما لم تتخذ الحكومة إجراءات أكثر واقعية في التعامل مع المشاكل الاجتماعية المطروحة في شتى القطاعات، حيث لا يمكن التعامل مع الاحتجاجات بمنطق الخصم والتهديد هذا من جهة مثلما أعلنه وزيرالنقل عمارتو، كما لا يمكن السكوت على أنماط التسيير الغامضة للمؤسسات الكبرى والإستراتيجية في البلاد. ولأن الخطوط الجوية الجزائرية مؤسسة توازي وزارة الخارجية نفسها فيما يتعلق بتأثيراتها على الداخل والخارج، فإنه من غير المعقول الإبقاء على غموض التعامل مع هذه المؤسسة التي تملك ولايات صغرى في خارج البلاد وداخلها، ومنذ الاستقلال لم نسمع عن فتح أبواب هذه المؤسسة بكل شفافية لمعرفة كيف تسير أحوالها وشؤونها ومن يعين ومن يوظف (بكسر الظاء) ومن يوظف بفتحها؟
ويعتقد الكثير من المتتبعين أن ما يجري في الخطوط الجوية الجزائرية هو نتاج السكوت الذي تتعامل به الحكومة مع هذه المؤسسة التي تخشاها الكثير من المؤسسات والهيئات الأخرى بما في ذلك البرلمان الذي لم نسمع أن نوابه قاموا بطرح ولو سؤالا شفهيا واحدا عن تسيير الخطوط الداخلية والخارجية في بلادنا وعن طرق التوظيف والتسيير لهذه الجمهورية القائمة بحد ذاتها والتي لا ينقصها غير النشيد الرسمي، بل إن هذا الإضراب الذي تزامن مع التغيير الذي مس أعلى هرم الخطوط الجوية الجزائرية، هذا الإضراب يدعو للتساؤل هو الآخر.
لماذا جاء في هذا الوقت وباستثناء مشروعية المطالب التي طرحها عمالها لماذا امتد الإضراب إلى هذه الفترة الطويلة والاستثنائية في تاريخها؟ هل الأمر متعلق بطريقة تعامل الإدارة من جهة والحكومة من جهة أخرى مع المضربين ومطالبهم، أم أن القضية لها امتدادات وخلفيات أخرى لا تتوقف عند مجرد مطالب وزيادة في الأجور وفقط؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)