من بين ما قاله الحكماء: من ضيع حرثه ندم يوم حصاده. المقولة تنطبق على مشاريع عدة في الجزائر قتلتها البيروقراطية الإدارية العرجاء، التي أضحت ناموسا يسري على الجميع مثل مقصلة الإعدام التي تقطع الأعناق بضربة واحدة. فكم من مستثمر فر من الجزائر وكم من مشروع تبخر بسبب أسباب واهية اختلقتها الإدارة التي لم تفقه كنه وجوهر البيروقراطية التي أرساها يوما ماكس فيبر، لتحرف من مسارها وتصبح هاجسا لا يدرك منطقه في ظل نظام مركزي أرسيت قواعده على مفاهيم الدولة الجاكوبينية، وحكم الأقلية، تطبيقا لمقولة لويس الرابع عشر: أنا الدولة والدولة أنا. وعلى إثـر ذلك شهدنا خلال السنوات الماضية كيف نفر المستثمرون وفشلوا في الجزائر، ثم تحولت مقترحاتهم التي تعبوا على إقناع محاوريهم إن وجدوا في الجزائر أصلا، إلى مشاريع ناضجة ناجحة في دول الجوار، وما مشروع الشركة الفرنسية ''رونو'' للسيارات إلا غيض من فيض.
إن مما يشاع أن ''الحياة فرص'' وأن اللبيب من يعرف كيف يحقق أعلى المكاسب بأدنى التكاليف، ولكن كم من فرص ضيعت لأن من أسندت لهم مهمة الحكم عليها لم يكن همهم ضمان تجسيد المشاريع بقدر ما كان تحقيق مصالحهم الضيقة، لذلك اعتبرت تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي بأن أهم كابح للاستثمار في الجزائر هو استفحال الرشوة والبيروقراطية، في حين أشار البنك العالمي إلى تعميم ظاهرة العمولات في مختلف الصفقات والتعاملات. ولا عجب أن نرى في الجزائر أن جميع المشاريع استهلكت ميزانياتها وأضيف إليها ملاحق، حتى أن مجموع ما أنفق في إعادة تقييم المشاريع التي يسددها دافعو الضرائب من الجزائريين فاق 50 مليار دولار. فكل المشاريع متأخرة ولا تنجز في وقتها لسنوات عدة، دون أن يحاسب أي من المسؤولين. فلم نسمع يوما مسؤولا طلب للمحاسبة، لأن مترو الجزائر أو تراموي الجزائر تأخر بسنوات عن موعده، بينما نرى بأن مشاريع مماثلة في المغرب انتهت وتعمل بصورة طبيعية دون أي ضجيج. ونفس الأمر بالنسبة للطريق السيار ولمشاريع صناعية لا تعد ولا تحصى. فالزمن لدينا نسبي لا يهم إن أنجزت في سنة أو عشر سنوات، في وقت تعكس النظرة الواقعية الأمريكية مقولة جيم رون، الخبير في التنمية البشرية، والتي تؤكد أن الوقت أهم من المال. وهو ما أدركته أمم مثل ماليزيا عبر النموذج الذي أرساه مهاتير محمد، والتي جعلت من هذا البلد الصغير الذي لا يتجاوز 330 ألف كلم مربع نموذجا اقتصاديا رائدا. كما كان الشأن مع كوريا التي لا تتعدى مساحتها 488 ألف كلم مربع والتي تحولت إلى دول صاعدة دون موارد وثروات، إلا ثـروة الإنسان وروح الإبداع والابتكار. وهنا مكمن الفرق بين بلد يعمل على تهميش القدرات ووأدها في المهد، وبلد يقدس الفكر ويجعل من روح المبادرة والابتكار ركيزة لتقدمه.
soualilia@yahoo.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : حفيظ صواليلي
المصدر : www.elkhabar.com