الجزائر

الحقيقة الحلوة



الحقيقة الحلوة
رغم كل ما يقال عن السيد عبد اللطيف بابا أحمد، فإن التاريخ سيحتفظ له أنه لم يكذب علينا، كما جرت العادة عندنا طيلة المرحلة التي استغرقها إصلاح المنظومة التربوية. ولا يعني هذا الكلام أن الذي سبقه “كذاب”. ولكن بابا أحمد قال الحقيقة، وهي مرة نوعا ما خاصة بالنسبة للأولياء الذي أنفقوا مرغمين مدخراتهم ولم يعرفوا طعم الجمعة والسبت، طيلة الموسم الدراسي الذي تنقلوا فيه بين مآرب وشقق الأساتذة الذين زادوهم غنى ليضمنوا الدروس الخصوصية لأبنائهم.فرغم مرارة الحقيقة، إلا أنها “حلوة” هذه المرة، لأنها لم تهد السراب للتلاميذ. وجاءت وفق اجتهاد الذين يستحقون ما نالوا، وليس لإرضاء صاحب الفخامة بأرقام خيالية وكاذبة.
جاءت نتائج امتحانات شهادة التعليم المتوسط هذه السنة بعيدة جدا عما عودنا عليه بن بوزيد، الوزير السابق للتربية الوطنية الذي كان يطمح في مشروعه إلى إهداء “البيام” و«الباك” إلى كل الناس، حتى الذين يتغيبون أيام الامتحان، لو بقي في الوزارة، ليحقق الرقم القياسي الذي كان يحلم به والذي لم يحققه أحد قبله في العالم، وحتى في أكثر المنظومات التربوية تقدما، 100 / 100 نسبة نجاح. وهو أمر مستحيل، ولا شك أنه هو ذاته كان يعرف أن كل النتائج التي حققتها المدرسة الجزائرية في عهده مستحيلة.
لم تسبب نتائج شهادة امتحان التعليم المتوسط هذه السنة، والتي نالها أقل من نصف عدد التلاميذ، أية صدمة عند الكثير من الأولياء، لأنهم شاهدوا في السنوات الماضية أبناءهم ينالون معدلات لم يصدقوها هم أنفسهم. ففي إحدى ولايات غرب البلاد، لم يكن التلاميذ يدرسون مواد الفرنسية، الإنجليزية والرياضيات، ومع ذلك كانت “المنظومة” تهديهم معدلات مذهلة في هذه المواد بالذات. ويتباهى بعدها سيادة الوالي ومدير التربية بما حققاه من “إنجازات”. وتابع الأولياء مشاهدة أبنائهم يراكمون الفشل في الثانوي، وفي آخر المطاف ينالون البكالوريا بقدرة “منتج الأرقام الضخمة”.
لأول مرة منذ بداية عهد “الإنجازات الوهمية”، نسمع في الجزائر خبرا لا شك أنه صادق، يتمثل في فوز الذين يستحقون الفوز في امتحان دراسي.
في البلدان التي تحترم العلم، لا يكذب القائمون على المنظومة التربوية على أنفسهم، بتتويج فاشلين بشهادات لا يستحقونها. ولا شك أن الجزائريين لن ينزعجوا إن لم ينل أشخاص ما لا يستحقونه، حتى ولو كانوا أبناءهم. كما لن ينزعجوا إذا قال لهم القائمون على شؤون بلادهم الحقائق الأخرى الكثيرة المخفية عليهم، حتى وإن كانت مرة.
[email protected]


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)