في سنة 1950 حمل الشيخ "الدا لكحل" أشياءه، وغادر قريته "تيغزارت" الكائنة في بني جليل، بولاية بجاية، رفقة زوجته وابنه حفيظ، واستقروا في مدينة ليون الفرنسية، وكبُر الابن، بين أحضان فرنسا، حتى تزوّج من شابة وهرانية تدعى وحيدة جباري، وأنجبا خمس بنات، وأربعة ذكور، كان من بينهم لاعب الكرة الشهير كريم بن زيمة، الذي وجد نفسه في الشارع، يداعب الكرة، فيقذفها، فتصيب الهدف الكروي أحيانا عندما يقود ناديه الكبير ريال مدريد للفوز والتتويج، ولا يصيب الهدف الأخلاقي أحيانا، عندما يتورط في قضايا شبابية..هو مرض الجيل الثاني والثالث من الجالية الجزائرية في فرنسا، ومرض الكثير من شباب العالم، فمرّة يظهر كريم، برفقة بنات الليل وبسيارته الفاخرة وطائرته الخاصة، وأخرى يظهر وهو يؤدي مناسك العمرة ويقدم المساعدات لليتامى والفقراء، ومرة يتحدث عن إخوته وعن جدته التي وصفته بالبخيل، وأخرى عن والديه اللذين أديا فريضة الحج.إلى هنا القصة عادية، ولا تستحق التذكير ولا الحكي أصلا، وهي مستنسخة من قصة حياة الكثير من لاعبي الكرة ونجوم الرياضة والفن، التي لا يمكن أن يهتم بها من جاوز سن المراهقة. لكن أن يتحوّل هذا الشاب- لا لشيء إلا لأن اسمه كريم- إلى لازمة على لسان "كبار" فرنسا، فتلك هي المشكلة القديمة التي يبدو أنها أصبحت مزمنة، وغير قابلة للشفاء.فعلى بُعد أيام، من دخول فرنسا رواق الرئاسيات، صار إقحام اسم كريم، والمقصود هم "بقية الكرماء"- ضروريا، لدى الساسة الفرنسيين لإكمال خطاب سياسي أو تاريخي أو ثقافي أو ملء بياض كتاب أو جريدة. ولا ندري إن كان تاريخ فرنسا شحيحا، وهي التي أنجبت "نابليون وباستور وماري كوري وفيكتور هيغو وموليير وسارتر وإديث بياف"، حتى يقول رئيسها فرانسوا هولاند بأن أخلاق كريم بن زيمة، لا يمكن أن يقلدها الفرنسيون، وبأنه نسخة مشوّهة، للشباب الفرنسيين، وسيكون بقية المغتربين وحاملي الجنسيتين، والمتفرنسين قالبا أو قلبا، في قمة البلاهة، لو فهموا أن الرئيس الفرنسي، يقصد كريم لوحده، ولا يقصدهم، وربما لأول مرة سجّل كريم، هدفا رائعا رائعا، عندما ردّ بسرعة، على الرئيس الفرنسي، فنصحه بالبحث عن المثال في مكان آخر، وقرن تربيته بوالده "حفيظ" وخاصة بوالدته الحاجة وحيدة، ففهم الجميع أن هولاند لا يقصد كريم، وإنما العائلة "الصغيرة والكبيرة جدا" لكريم، وفهم كريم أن الرئيس الفرنسي، وغيره من الساسة الذين شتموه، إنما قصدوا الكل وليس الجزء، وحتى زين الدين زيدان الذي ركب قطار التنديد بكلام "رئيسه" فرانسوا هولاند، الذي تصوّر نفسه فرنسيا، عندما أهدى لفرنسا كأس العالم وكأس أوربا للأمم، فهم أنه لن يكون فرنسيا، حتى ولو أراد هو، وبذل لأجل "فرنسيته" نفسه ونفيسه. منذ أكثر من ثمانين سنة، كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس في صحيفة المنتقد: "إن هذه الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا، حتى ولو أرادت".. وللأسف، فهم الفرنسيون الرسالة، ولم يفهمها بعض الجزائريين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/10/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الناصر
المصدر : www.horizons-dz.com