ما من شك في أن الزوايا كان لها الدور البارز في الحفاظ على هوية ومقومات الأمة الوطنية والإسلامية من خلال تعليم وتحفيظ القرآن الكريم ونشر تعاليم الدين واللغة العربية وبث روح التكاتف والتآزر وبعث قيم السماحة والتعاون بين افراد المجتمع. كما كانت حصنا منيعا وسندا للمجاهدين وحاضنة للثورة ضد الاستعمار الفرنسي.وإلى جانب ذلك تزخر بعض الزوايا بالعديد من المخطوطات العلمية والفقهية النادرة وكذا المصاحف المنسوخة بخط اليد التي تؤكد على حقيقة عبقرية الانسان في الزمن الماضي ، تلك المخطوطات التي تعد ارثا ثقافيا وحضاريا وجب الاهتمام به والحفاظ عليه بالصورة اللائقة من خلال نفض الغبار عن هذا التراث المكنون بالدرر والنفائس المجهولة. ولعل زاوية "الشيخ بن عرعار بيض القول" بعين معبد واحدة من تلك الزوايا التي لعبت دورها في نشر الفضيلة و تعليم القرآن الكريم بين أبناء هاته المنطقة والتي تزخر بمخطوطات نادرة وذات قيمة تاريخية كبيرة ... "الجلفة إنفو" زارت الزاوية لاستطلاع تاريخها ونشاطها وتقديم صورة عن ماضيها وحاضرها.
التعريف بالزاوية
تقع زاوية "الشيخ بن عرعار" بمنطقة "الصدارة" على بعد حوالي 11 كم عن مدينة عين معبد ، حيث يتم الوصول إليها مرورا بمنطقة البراكة باتجاه طريق سيدي بايزيد. وتُعد هاته الزاوية من أقدم الزوايا بولاية الجلفة حيث تأسست سنة 1780م حسب الرواية الشفوية للقائمين على هاته الزاوية والتي ذكرها الشيخ عامر محفوظي في رسالة بخط يده بأنها "أقدم زاوية بمنطقة أولاد سيدي نائل"، وقد ظلت الزاوية متنقلة رحالة في بادئ الأمر بكل من منطقة "دراق" و"جبل العمور" حسب حديث نجل شيخ الزاوية الحالي. ثم تنقلت ما بين منطقة الخرزة إلى عين ارزيز والمقسم والوتيدات، لتستقر في فترة الأربعينات بمنطقة الصدارة أين بني بها مسجد وعدة سكنات ولا تزال إلى اليوم.
مؤسس الزاوية والمشايخ الذين تعاقبوا عليها
يعتبر الشيخ الجد سي عطية بيض القول الملقب بالنائلي المؤسس الأول لهاته الزاوية والذي أخذ العلم عن مؤسس الطريقة الرحمانية الشيخ سيدي امحمد بن عبد الرحمن الزواوي سنة 1780 في العهد العثماني حيث أسّس سي عطية الزاوية على طريقة شيخه والتي ظلت زاوية متنقلة لفترة من الزمن عرفت تعاقب العديد من المشايخ عليها.
بعد وفاة الشيخ المؤسس للزاوية سنة 1820م خلفه على رأسها نجله "سي أحمد" الذي استمر على نهج والده في تسيير شؤون الزواية وترسيخ قيم الدين وتحفيظ القرآن الكريم وغرسه بين أبناء المنطقة إلى غاية وفاته سنة 1850 م ثم جاء بعده ابنه "سي البشير" الذي سار بسيرة والده في إعانة المعوزين وإصلاح ذات البين وإحياء علوم الدين وتحفيظ القرآن الكريم. وبعد ذلك خلفه ابنه "الشيخ بن عرعار" والذي عرفت الزاوية في فترته نشاطا دؤوبا وحركة كبيرة في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم إلى غاية 1951 أين حملت الزاوية اسمه بصفة رسمية ليتولى مشيخة الزاوية بعده ابنه "محمد بن عرعار إلى غاية وفاته سنة 1973م ، لتنتقل المشيخة إلى نجله الشيخ "الأخضر بيض القول" الذي لايزال يقوم عليها إلى اليوم".
مشايخ درّسوا بالزاوية
من بين المشايخ الذين مروا بزاوية الشيخ بن عرعار حسب تاريخ الزاوية ورواية نجل شيخها نجد "الشيخ سيدي بلقاسم بن يعقوب" الذي يعتبر أول من علم بها القرآن الكريم إلى جانب الشيخ "الحافظ سعيد المغربي" الذي أسند اليه التعليم بالزاوية في عهد الشيخ البشير بن أحمد. والشيخ "مختاري بن عبد الرحمن" من سنة 1909 إلى غاية 1919 في عهد الشيخ بن عرعار. وكذا الشيخ الجليل "مسعودي عطية" إمام الجلفة الأول والشيخ "بن هورة بن زيان" من 1942 إلى 1946 و"سي قويدر عبد الحفيظي" عام 1947 والشيخ "فتيلينة بن علية" عام 1975 والشيخ "عبد الحفيظي بن يحي" وغيرهم.
منظومات ومصاحف بخط اليد يصل عمرها لأكثر من 04 قرون ملك للزاوية
تزخر الزاوية بعدد من المخطوطات القيمة التي تعتبر ارثا حضاريا وثقافيا وكنزا من الكنوز العلمية النادرة، حيث تملك الزاوية مصحفا بخط اليد هو ملك لمؤسس الزاوية الشيخ عطية بيض القول توارثته الزاوية أبا عن جد يعود تاريخه إلى عام 1027 هجري أي منذ 4 قرون خلت ، ليكون بذلك من أقدم المخطوطات بمنطقة أولاد نائل والجلفة عموما وجب المحافظة عليه وتصنيفه كمخطوط نادر يحكي تاريخا علميا بهذه الربوع.
وإلى جانب هذا المصحف الكنز نجد كتاب "شرح رسالة العلامة أبو محمد بن أبي زيد القيرواني" يعود تاريخه حسب الشيخ "حسيني النعاس" معلم القرآن بالزاوية إلى عام 1127 هجري وهي مخطوطة نادرة كذلك. كما تزخر الزاوية بمصحف مخطوط بخط يد العلامة الشيخ عطية مسعودي (نصف القرآن الكريم) يبدأ من سورة الكهف إلى سورة الناس أتم نسخه يوم 06 ربيع الأول 1361 هجري الموافق ل مارس 1942م.
ويوجد بالزاوية مخطوط عبارة عن منظومة بخط الناسخ "سعيد مغربي" إلى جانب منظومة بخط يد الشيخ "بايزيد بن محمد بن أبي بلقاسم الاغويني لحرش" تحمل اسم "تخميس الكواكب في مدح خير البرية" المعروفة بالبردة للإمام البوصيري انتهى من كتابتها يوم الأربعاء 06 رمضان عام 1311 هجري الموافق لشهر مارس 1894 م يُضاف الى ذلك مصحف مخطوط كتبه بخط يده والذي انتهى من كتابته في آخر يوم من جمادي الأول عام 1323 هجري الموافق لشهر نوفمبر 1905 م. كما تضم مكتبة الزاوية كتاب "المنح الربانية شرح المنظومة الرحمانية" لمؤلفه الشيخ "مصطفى باش تارزي القسنطيني".
الزاوية والثورة التحريرية
وعن مشاركة الزاوية في الثورة التحريرية أكد نجل الشيخ الحالي للزاوية والمكلف بشؤونها أن الزاوية شاركت في جمع الأموال للأمير عبد القادر مثل بقية الزوايا وشيوخ المنطقة وهذا في عهد شيخ الزاوية سيدي أحمد بن عطية. أما في الثورة التحريرية فقد كان الشيخ الحالي للزاوية بيض القول الأخضر بن محمد مجاهدا وكان مكلفا بمكتب المصاريف وذلك بجمع المال وامداد المجاهدين بها.
ويحكي محدثنا أن الاستعمار الفرنسي عمل خلال 1956م على جمع أهالي منطقة الصدارة في مكان واحد لكي يسهل عليه السيطرة عليهم ومراقبتهم ، مضيفا أن الاستعمار عمد عام 1959 م إلى ملاحقة أبناء ومنتسبي الزاوية وحرق ممتلكاتهم وهو ما أدى بأهالي منطقة الصدارة للفرار إلى مدينة حاسي بحبح. وبسبب هاته الحادثة ضاعت بعض وثائق الزاوية مؤكدا أن الاستعمار الفرنسي تدخل بمنطقتهم بسبب انتساب بعض أفراد عائلة بيض القول للثورة التحريرية منهم الشهيدان "بيض القول الميلود" و"أحمد" و كذا المجاهدين "بيض القول عبد الحفيظ" و"بن زيان".
المدرسة القرآنية
ينتسب للمدرسة القرآنية بزاوية الشيخ بن عرعار حاليا 25 طالبا منتظما تحت إشراف الإمام المعلم "حسيني النعاس" الذي أكد في حديثه معنا "أن المدرسة القرآنية تقوم على تحفيظ القرآن الكريم وآدابه للمنتسبين إليها الذين يقدر عددهم حاليا ب 25 طالبا يدرسون بها على مدار العام، فيما يرتفع العدد في فصل الصيف إلى أكثر من 60 طالبا، حيث يتم تلقين هؤلاء إلى جانب حفظ القرآن الكريم مجموعة من المتون والأوراد منها "المرشد المعين" المعروف باسم ابن عاشر والعبقري في صلاة السهو ومتن الدرة البيضاء المعروفة بالغرة إلى جانب بعض المتون للإمام سي عطية مسعودي مثل "نصيحة الشباب".
هذا و يتم حفظ القرآن الكريم في هاته المدرسة القرآنية بالطريقة التقليدية باستعمال اللوحة الخشبية والكتابة عليها بالصمغ (الدواية) واتباع طريقة الفتوى(الإملاء) من قبل المعلم لرسم آيات القرآن الكريم على اللوحة. كما تستعمل مادة "الصيصال" لمحو اللوحة الخشبية عند حفظ كل جزء.
وتوفر الزاوية الإيواء لطلبة القرآن الكريم وكل سبل الراحة لتمكينهم من حفظ القرآن الكريم بكل يسر. حيث تم تقديم عدد من هؤلاء الطلبة لإقامة صلاة التراويح بمسجد الزاوية خلال شهر رمضان المنقضي وهذا تشجيعا لهم وكسرا لحاجز الخوف لديهم بإمامة الجماعة.
رسالة الشيخ عامر محفوظي بخط يده عن زاوية الشيخ بن عرعار
وقد كتب الشيخ عامر محفوظي الامام الأول مسجد الكبير بالجلفة رسالة بخط يده يؤكد فيها على قيمة ومكانة "زاوية الشيخ بن عرعار" العريقة جاء فيها: "زاوية الشيخ سيدي بن عرعار أقدم زاوية بمنطقة أولاد سيدي نائل وقد عرفت بنشاطها في التربية والتعليم وانتفع بها الكثير ولازالت صامدة في الميدان تؤدي مهمتها على الوجه الحسن بإشراف حفيد مؤسسها الشيخ الأخضر بن الشيخ محمد بن عرعار بيض القول حرس الله مهمته. كتب عامر محفوظي الإمام الأول بالجامع الكبير الجلفة لطف الله به آمين".حرر في 14 شعبان 1418 ه الموافق ل 14 دجنبر 1997 م
مصحف بخط اليد ملك للزاوية يعود تاريخه إلى 1027 ه
منظومة بخط يد الشيخ بايزيد بن محمد بن أبي بلقاسم الاغويني لحرش تحمل اسم "تخميس الكواكب في مدح خير البرية" المعروفة بالبردة للإمام البوصيري انتهى من كتابتها يوم الأربعاء 06 رمضان عام 1311 هجري الموافق لشهر مارس 1894 م.
ومصحف مخطوط كتبه بخط يده والذي انتهى من كتابته في آخر يوم من جمادي الأول عام 1323 هجري الموافق لشهر نوفمبر 1905 م
كتاب شرح رسالة العلامة أبو محمد بن أبي زيد القيرواني
شرح المنظومة الرحمانية لمؤلفه الشيخ مصطفى باش تارزي القسنطيني
مصحف بخط يد الشيخ عطية مسعودي أتمه يوم 6 ربيع الاول 1361 ه الموافق ل مارس 1942م
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/06/2019
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد صالح
المصدر : www.djelfa.info