الجزائر

الجزائر قبل كل شيء !



يفضل الجزائري أن يكون سعوديا، تركيا، مصريا، قطريا، وحتى فرنسيا، ويمكن أن تبلغ به حالة الاستلاب إلى أن يعتنق أي هوية شعب في العالم، لكنه يرفض كل الرفض أن يكون جزائريا خالصا ، لأنه مصاب بداء الهوية المسلوبة حيث لا يرى نفسه إلا من خلال مرآة الأخر !.بعض الجزائريين يرفضون تماما ان يكون موقفهم حاسما من أنفسهم، مثل ذلك الطالب الجزائري الذي لقن البير كامو درسا لو اطلع عليه فقط بعض مسلوبي الهوية في بلادنا لمكنهم ذلك من التعرف على أنفسهم على الأقل ! ..كامو الفرنسي المولود في الجزائر والمنتشي بجائزة نوبل سنة 1957، حاكمه ذلك الفتى أخلاقيا حول موقفه ككاتب صدع العالم بدفاعه عن الحرية، لكنه وقف ضد حرية الشعب الجزائري، وأبان انحيازه المطلق لبلده المستعمر من خلال مقولته الشهيرة لو خيرت بين عدالة القضية و أمي سأختار أمي فرد عليه الطالب الجزائري لأنك لست جزائريا أما أنا فلا أحسن التفريق بين أمي و الجزائر .
ماذا سيقول ذلك الطالب الشجاع الذي لقن صاحب رواية الغريب ذلك الدرس، لو أطلع على الحرب الدينكشوتية التي خاضتها الجاليتين الفرنسية والتركية بالجزائر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسيوفهما الخشبية المتهرئة، تلاسنوا بالسباب والشتائم افتراضيا حد التخمة، والسبب طبعا متعلق بزيارة مسؤول دولة أجنبية غادرها أمس.. حرب راع فيها المتعاركون الجزائريون كل شيء إلا مصلحة بلادهم ! .

لم تختلف تماما زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون للجزائر خلال الأشهر الماضية، عن زيارة السلطان التركي اردوغان إليها قبل أيام، من حيث الجدل الكبير الذي خلفته و الغبار من النقاشات البيزنطية بين الجزائريين المركوبين بعقدة النقص والالتصاق بالأخر حتى وإن كان محتلا، فتحولت مواقع العالم الافتراضي إلى ما يشبه زريبة تتعارك فيها ثيران ب علف الايديولوجيا، سقطت الأقنعة والقناعات واكتشفنا أننا شعب مسلوب الهوية وفاقد للشخصية، مترنح بين المشرق والمغرب مفتخر بكل تلك التناقضات التي تأتي من الأخر، لكنه يدير ظهره لأي انسجام يتوافق مع شخصيته وتاريخه وهو يعيش مستقلا على أرضه.
التناطح الهوياتي، بين الجزائريين مع كل زيارة تركية وفرنسية، يعري دائما ما نعانيه نفسيا من عقدة الأخر، الذي يبهرنا في كل تجلياته لأننا شعب يفتقد للثقة في نفسه وينظر إليها دائما بعين الريبة والشك، ويلتصق مثل النبتات الطفيلية في أي كان حتى كدنا لا نرى أنفسنا إلا من خلال الأخر، لم نعرف من نحن طوال عقود من الزمن، ولما عرفنا مكمن الخلل وتصالحنا مع أنفسنا والتاريخ أطل علينا بعض ممن يرغب في مواصلة الالتصاق بالأخر لأنه لا يؤمن بجزائريته الخالصة .
بعض الأبواق الناعقة التي وقفت ضد تدريس الامازيغية اللغة الأم بالنسبة للجزائريين إضافة إلى العربية، إحتفلت بقدوم اردوغان أيما احتفال..وبعضها تهافت إلى المراكز التركية لتعلم لغة العثمانيين، وحاولت ان تجد كل المبررات لكي ترفع من قيمتها وجعلها لغة عالمية إكراما لعيون مهند ولميس والسلطان اردوغان، لكنها في الوقت نفسه حاولت إيجاد كل المبررات والمزاعم لكي تبخس حق لغة الأجداد في الجزائر لكي تكون لغة وطنية ويتم تعميمها على جميع المدارس بالرغم أنها مدسترة !!.. فهل يوجد إستلاب فكري ولغوي أكثر من هذا أيها الناس؟
الأخر أيها المسلوبون فكريا ولغويا وسينمائيا وفنيا وموضويا(من الموضة) في الجزائر، مهما بلغت صفته، سواء كان عدوا أو صديقا أو حتى شقيقا، يبقى بالنسبة لنا أخر لن يستطيع ان يذوب فينا ولا نستطيع ان نذوب فيه، لأننا لدينا شخصيتنا ولديه شخصيته، لدينا مقوماتنا وله مقوماته نتفاعل معه فقط من باب المصلحة والصداقة والإخوة لكن لن يسلبنا ذاتنا ولن يقبل هو الأخر ان يستلب منه قيد أنملة من شخصيته، ..لم أصادف في حياتي فرنسيا أو تركيا مصريا أو سعوديا أو قطريا يرغب في أن يكون جزائريا، لكنني صادفت الكثير من الجزائريين يرغبون في ان يكونوا كل الذي ذكرت سابقا، فنحن مسلبون من الداخل أكثر من اللازم أيها السادة !.
لا الاتراك دافعوا عن الجزائر حينما اصطفت أساطيل فرنسا لغزو بلادنا سنة 1830، ولا الفرنسيون زرعوا الورود في رقان، كل يبحث عن مصلحة بلده سواء كان ماكرون أو اردوغان حتى وإن تحالفا مع الشيطان، وعلى الجاليتين المتقاتلتين اللتين تعيشان على أرض الجزائر المحررة بمليون ونصف مليون جزائري وليس التركي ولا الفرنسي، ان ترتقي من القاع الايديولوجي وتعي جيدا ان الجزائر أولا وأخيرا وقبل كل شيء !


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)