كان شعار (دولة لا تزول بزوال الرجال) من أهم الشعارات التي حفظناها من عهد الرئيس الراحل هواري بومدين ومن بعده الشاذلي بن جديد. نحن الآن في عام 2012 وكل المؤشرات تدل على أن النظام الجزائري حقق هذا الهدف وبنى دولة لا تزول بزوال الرجال، أو لنقل (دولة قائمة في غياب الرجال).
هل تذكرون كم مرة منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى القصر الرئاسي تساءل المواطنون ومعهم وسائل الإعلام عن سر غياب الرئيس ومكان وجوده؟ هل تذكرون كم مرة تحدثت وسائل الإعلام عن عدم التئام مجلس الوزراء وكذا مجلس الحكومة لأسابيع عديدة وربما لأشهر رغم أن انعقادهما يكون في الأصل بصفة دورية منتظمة؟ هل تذكرون كم مرة تعرضت البلد أو مناطق منها إلى كوارث طبيعية وظل الرئيس وكبار القوم متسترين لا أثر لهم وكأن الذي يجري يحدث في كوكب آخر؟ ثم بالمقابل هل تذكرون كم مرة يطلع فيها الرئيس ووزراؤه على الشاشة وفي التجمعات العمومية يدعون الشعب إلى إنجاح هذا الاستفتاء أو ذلك الموعد الانتخابي وبعد انقضاء (العرس) يتلاشون كالبخار؟
الجزائر فعلا لا تشبه باقي الدول، ولعلها الوحيدة التي يكون فيها حضور الرئيس وغيابه سواء. الرئيس بوتفليقة تميز منذ يوم انتخابه رئيسا في فترته الأولى بتلويحه بسلاح الغياب، هل تذكرون تلك العبارة الشهيرة (سأعود إلى بيتي)؟ كم مرة قالها أمام الملأ وفي وسائل الإعلام، وكم مرة أعادها هنا وهناك في مجالس خاصة وفي حضرة ضيوف أجانب؟ انتخبوا علي بالإجماع أو سأعود إلى بيتي، لا تنازعوني في صلاحياتي أو سأعود إلى بيتي، دعوني لحالي أو سأعود إلى بيتي، أفعل ما أشاء أو أعود إلى بيتي! تهديدات رافقت الرئيس بوتفليقة طوال سنوات وجوده على سدة الرئاسة وهي كلها توحي أن فخامته إنما قبل المنصب الذي عرض عليه بمنة منه وفضل وأن استمراره لن يكون شيئا إلا (مزية) منه للذين جاؤوا به وللشعب، فكم مرة قالها بالفم الملآن (إن مستقبلي ورائي)، أي أن عقارب ساعته توقفت في ماضيه عندما كان وزيرا للخارجية أو (الرجل الثاني) في عهد بومدين، أما ما يأتي بعده فلا طموح له فيه بل إنه يفعل ما يفعل عن (ضيق خاطر)، وهو الشعور الذي نفخ في نفسه تلك الكبرياء وجعله يظهر نفسه أمام الناس رئيسا فوق كل الشبهات، لا أحد بإمكانه أن يسأله عما يفعل وعما لا يفعل، ولا أحد يجرؤ على محاسبته أو حتى انتقاده، يفعل ما يشاء كما يشاء ومتى يشاء، يظهر عندما يريد ويختفي عندما يريد، يجمع وزراءه وقتما رغب في ذلك ويدعهم لحالهم كما يحلو له. وهكذا ورث منه وزراءه ورئيس وزرائه ذلك السلوك ولم يعد في مقدور أحد من المواطنين أو حتى من يسمون تجاوزا نواب الأمة محاسبة أو مساءلة أي فرد من التشكيلة الحكومية لأي سبب من الأسباب تافها كان أم عظيما.
كثير من المحللين والسياسيين والمعارضين والمواطنين العاديين يؤكدون أن الحاكم الفعلي في البلد هم الذين ندعوهم اصطلاحا (أصحاب القرار) والرئيس ليس إلا واجهة أو (خضرة فوق عشاء)، لست هنا بصدد التشكيك في هذا الكلام وفيه كثير من الصحة، لكني أتساءل عن السبب الذي جعل (أصحاب القرار) هؤلاء يستمرون في سكوتهم على ما يحدث للبلد وعلى هذا الفراغ الذي يتسع يوميا بسبب الغياب المستمر للرئيس ووزرائه. المواطنون أيضا ومن يمكن أن نطلق عليهم تجاوزا (نواب الأمة) ساكتون وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. البلد تائه في أزمات لا انقطاع لها وأحوال المواطنين مهملة لا حريص عليها والذين يفترض أن يحملوا أجوبة على كل هذا غائبون مع سبق الإصرار والترصد. قامت الدنيا ولم تقعد واستنفرت الدولة كل أجهزتها وحوارييها من أجل الانتخابات التشريعية، وقيل للناس هلموا بقضكم وقضيضكم للتصويت على من يقود قاطرة الإصلاحات ويخرج السفينة إلى بر التغيير، والآن وبعد ثلاثة أشهر على انقضاء الموعد لا يزال الناس يتساءلون عن سر عجز أو إحجام الرئيس عن تعيين حكومة جديدة، الرئيس ساكت وباقي الفريق الحكومي تائه لا يعرف جوابا، ووسائل الإعلام بدلا عن تذكير من يهمه الأمر بهذا الوضع الشاذ، تفضل ممارسة لعبة الاستنتاجات والتكهنات المضحكة، لعبة ملء الفراغ وإلهاء الرأي العام بطرح أسماء رئيس الحكومة المقبل وبعض الوزراء وكأننا في صالة قمار لا في دولة يفترض أن يكون فيها مسؤولون يسهرون على خدمة المواطن والرد على انشغالاته وإعلامه بكل صغيرة وكبيرة تهم حياته.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تحول المواطن عرضة لجميع الانتهاكات والإذلال من خلال استفزازه في شؤون حياته البسيطة واليومية، انقطاعات متكررة ومتعددة في الكهرباء والماء في عز الصيف وفي شهر يفترض أن تكون فيه الحكومة أكثر حضورا واستجابة من باقي فترات العام، ولأن البيت بدون راع فإن المواطنين لم يجدوا أنفسهم مجبرين فقط على تقبل ما يحدث لهم من استفزاز وإهانة وصمت من قبل المسؤولين، بل كان عليهم أن يستمعوا ويقرأوا أيضا تصريحات قبيحة وأشد استفزازا من مسؤولين يؤكدون لهم أن ما يصلح من انقطاع في الماء والكهرباء مثلا إنما هو أمر عادي وطبيعي وسيستمر هذا العام كما استمر طوال السنوات الماضية، إضافة إلى تعمدهم السكوت عن أية مواعيد أو إجراءات عاجلة من شأنها أن تصلح هذا الوضع الشاذ.
هل من أحد يتحمل مسؤولية ما يجري أو هل يمكن لأية جهة أن تضع حدا لهذا السقوط المدوي لقيم وقيمة بلد وشعب لم يرتكبا ما يستحقان عليه هذا المصير، أم علينا أن نقول إننا (نستاهل) ما يحدث لنا وأكثر ونستذكر المثل الشائع (كما تكونون يوَلَّ عليكم)؟ أم أننا بلغنا درجة عالية من الحكمة والرشاد فأصبحنا بلدا خارج الإطار ولا يشبه البلدان الأخرى المتقدمة منها والمتخلفة، وصارت الجزائر بلدا لا يضره غياب رأسه ولا تضرر شعبه ولا حاجة فيه للمؤسسات، بلد بدون حكومة ولا برلمان، بلد المعجزات من فضلكم!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/08/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : خضير بوقايلة
المصدر : www.algeriatimes.net