قد يبدو هذا الكلام تجنّيا على صرح علمي كبير بحجم الجامعة الإسلامية، الأمير عبد القادر بقسنطينة، عمره يقارب الأربعين سنة، خرّج على مدار عقود أساتذة وأئمة ودكاترة، ودرّس فيه فطاحلُ الشريعة، من الذين تُخطّ سيرتهم العلمية بماء الذهب في مناجد "الويكيبيديا"، ولكن في الحقيقة هو محاولة لشحن الهمم، وتساؤل بريء عن غياب طائفة من الجزائريين، من المفترض أنها في الواجهة وسط اللغط الصحي والفقهي والاجتماعي وحتى النفسي الذي تعيشه البلاد.يحزّ في النفس أن نلمس اجتهادات الكثير من الجمعيات بين مساهم ومحفز ومحذر، ومن بينها جمعية العلماء المسلمين، بينما يبقى الصرح الكبير بإطاراته وكفاءاته مغيّباً نفسه، ولو بكلمة طيبة حتى لا نقول بأضعف الإيمان.
لقد تابعنا تدخُّل بابا الفاتيكان في جحيم الأزمة الوبائية التي عصفت بإيطاليا ناصحا بنقل المشرَّدين إلى الفنادق، وأعرب عن تضامنه مع الفقراء، ونصح بأن يقرّ "المؤمنون" في بيوتهم، وكيف أقام رهبان البوذية في سيريلانكا الصلوات مدة أسبوع كامل لأجل شفاء المرضى، وخرجوا بعدها يوزّعون الأقنعة ويطرقون أبواب المنازل الهادئة ليقدِّموا الهدايا واللعب للأطفال، وينصحونهم بألا يغادروا بيوتهم، وحتى عندما سار المئات من يهود "الحريديم" في القدس المحتلة، ضد التيار، وأقاموا الصلوات الجماعية في نهاية عيد الفصح، انتقدهم حاخامات التعاليم التوراتية ونصحوا باللسان والعمل بالتباعد الاجتماعي، ووزعوا الملايين من الأقنعة على الصهاينة، فبدت البشرية بكل أطيافها، خاصة الدينية، منشغلة بالتعاون لأجل إيجاد حلول صحِّية واجتماعية ونفسية لهذه الجائحة التي ضربت في قلب المجتمعات، فكانت نتيجتها قرابة 14 مليون مصاب وأزيد من 600 ألف قتيل، وزلزال اقتصادي واجتماعي وسياسي ونفسي هزَّ العالم.
فكّرت الجزائر في بعث جامعة إسلامية تتماشى مع ماضيها الجهادي ورجالات الفكر والعلم والمقاومة فيها في فجر الاستقلال في زمن أحمد بن بلة، ووضع حجر أساسها الرئيس هواري بومدين، ودشَّنها الرئيس الشاذلي بن جديد- رحمه الله- في سنة 1984، وقال حينها للشيخ الغزالي الذي تكفَّل بإرساء قواعدها، بأنه لا يقبل بأقلِّ من أزهر جديد. ومضى من العمر الكثير ومازال بعض الجزائريين يأخذون فتواهم من فضائيات المشرق، ويبتعد آخرون عن الدين، ولا نجد لهذا الصرح الحجري والزخرفي أثرا، حتى في عز الجدل الذي قام منذ بداية جائحة كورونا، حول الحج وصلاة الجماعة والختان ومعايدة الأهل ونحر الأضحية، وعندما لا يصبح لصرح بحجم الجامعة الإسلامية رأيٌ في هذا، فلا ندري أين نجد له رأيا أو على الأقل تغريدة عابرة من صفحته الرسمية على الفايس بوك، التي تتحدّث عن كل شيء، إلا عن النصائح التي يمكننا بها محاصرة المتهوّرين من المواطنين، الذين مازالوا
على قناعة بأن الوباء أكذوبة العصر، ويمارسون الانتحار ونحر آبائهم، من خلال هذه التجمُّعات الوبائية، وعُري الكمامات، مع سبق الإصرار والترصد.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/07/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com