”الجزائر نيوز” تتحصل على التقرير المفصل للثورة حول اغتيال عبان رمضان والجلسات الأصلية لمؤتمر الصومام :تصفية عبان كانت فكرة مشتركة بين بوصوف وكريم بلقاسم
تحصلت ”الجزائر نيوز” من مصادرها الخاصة على نسخة من التقرير الرسمي لقيادة حرب التحرير الذي صاغه عمار أوعمران شخصيا، يتحدث عن ظروف وملابسات اغتيال عبان رمضان، كما تحصلت على نسخة من الجلسات الأصلية لمؤتمر الصومام تنشر لأول مرة في الصحافة الوطنية· يقول الباحث في التاريخ، عبد الله بوخلخال، إن لخضر بن طوبال قال له خلال جلسات خاصة قبل سنوات بأن عبان رمضان شهيد من شهداء الجزائر الأشاوس، وقال في تصريح لـ ”الجزائر نيوز”، أيضا بأن تاريخ الثورة فيه حقائق كثيرة جدا لا تزال تلازم الظل، وأن كل الأشعة الضوئية التي تسلّط عليها ومن كافة الزوايا ”لا تعدو أن تكون جزءا من الحقيقة وليس الحقيقة برمتها”·· ويأتي تقرير عمار أوعمران أحد القادة التاريخيين للولاية الرابعة الذي تحصلت عليه الجريدة في هذا الإطار، إذ يكشف فيه هذا الأخير ـ وإن كان متداولا بأن بوصوف هو من اغتال عبان ـ فإن تفاصيل الاغتيال من تحضير وتنفيذ وردود فعل تلك الحادثة في وقتها، كانت ولا تزال مجهولة لدى كثيرين، وهو ما يتضمنه هذا التقرير الرسمي الذي صاغه شخصيا أحد صناع الثورة الجزائرية·
واستهل أوعمران التقرير بذكر المواقع التي كان يتواجد فيها كل من كريم بلقاسم وعبان وبن طوبال ومحمود شريف، وهو شخصيا عندما بدأ التفكير في تصفية عبان رمضان، إذ قال: ”كنت متوجها إلى بعض الدول العربية في مهمة اقتناء السلاح للثورة في حدود منتصف ديسمبر 57 عندما وصل كريم بلقاسم وبوصوف من الرباط حيث اتصلوا بالملك محمد الخامس للتباحث حول الاستقلال، حيث أبلغاني بما جرى بصفتي عضو لجنة التنسيق والتنفيذ”. كما أبلغاني أيضا بما يقوم به عبان رمضان من أعمال مثبطة وهدامة للثورة في تونس والحدود، ”واقترحا عليّ تصفيته بعدما أكدا لي عزمه هو الآخر تصفية البعض منا”·
ويقول أوعمران في تقريره بأنه عارض بشدة التصفية ”لكونها لم ترق إلى الخطورة القصوى التي تستدعي ذلك، واقترحت سجنه بدل ذلك” كما اقترح أن يكون هناك إجماعا في لجنة التنسيق والتنفيذ على تصفيته، وبالدليل القاطع الذي يدين عبان ”وإلا فأنا أعارض التصفية جملة وتفصيلا”، وأضاف لقد افترق الجميع على هذا الطرح دون سواه. ولدى وصول أوعمران إلى تونس، حيث كان يتواجد لخضر بن طوبال، أخبره الأخير بأخذ كريم بلقاسم ومحمود شريف عبان رمضان إلى بوصوف بالمغرب لوضعه بالسجن· وبعد أيام من انتظار عودة كريم بلقاسم إلى تونس ـ يقول أوعمران ـ جاء الأخير وعلى وجهه ملامح تصفية عبان، ”ولما سألناه قال لقد انتهى عبان”· ولدى محاولة فهم حدوث عكس ما اُتفق عليه قال كريم ”لدى ملاقاتنا بوصوف قال غاضبا بأن عبان سيموت وسيموت معه آخرون ولا تنسوا بأن هتلر وفرانكو كانا محاطين دائما برجال مستعدين كلية للتضحية، ”فصُدمت حينها بهذا الاعتراف، وقال كريم بأن عملية التصفية تمت بعد حبس محمود شريف وكريم في فيلا واغتيال عبان رغما عنهما في فيلا أخرى”، وأبلغ بوصوف -حسب التقرير ذاته- بالمعارضة الشديدة لباقي أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ لهذا الاغتيال لأحد أعضاء اللجنة ورفيقهم في السلاح، وقال التقرير أيضا إن بوصوف وقّع وثيقة تبرئة إن وقع أي شيء لعبان، وأنه لن يتعرض له لكن ما وقع كان العكس·
عبد اللطيف بلقايم
—————————————-
تصريح عمار أوعمران حول: ملابســـات الاغتيـــال
التصريح في عشر صفحات، موقع من طرف أوعمران في تونس بتاريخ 15 أوت ,1958 يروي فيه المبررات والدواعي التي أدت إلى تصفية عبان رمضان جسديا، من اجتماع ثلاث أيام وثلاث ليالي بتونس بين: بن طوبال، كريم ومحمود شريف إلى مرافق الأخيرين لعبان إلى تطوان، حيث استقبلهم بوصوف الذي تولى تصفية عبان بناء على التصريح.
من القراءة الأولى للوثيقة، يفهم أن أوعمران كتبها لتبرئة ذمته من دم عبان، وإن كان يعلم وأعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ (CCE) العسكريين منهم على الأقل بنوايا بوصوف، وهو ما سنتعرف عليه عند التعرض لمواقف هؤلاء الأعضاء من خلال التصريح·
يبدو من التصريح أن عبان تمت تصفيته جسديا بسبب ترويجه لإشاعات مثبطة وهدامة في تونس والحدود، وبناء عليه، اقترح بوصوف وكريم القادمين من الرباط إلى القاهرة في 15 – 12 – 1957 على أوعمران الموجود في القاهرة آنذاك تصفيته أو حبسه·
هذا السبب المباشر المعلن عنه ”الإشاعات”، لكن التصريح يضيف إلى ذلك لاحقا النزعة الديكتاتورية والجهوية عند بوصوف، وبل حتى الانتقام الشخصي؟!
وقد ذهب بوصوف وكريم في حديثهما إلى أوعمران إلى حد اتهام عبان بالرغبة في تحطيمهم، وبل حتى تصفية بعضا منهم: ”يريد تحطيمنا، وبناء على المعلومات التي حصلنا عليها، يريد حتى تصفية البعض منا”، وبناء على ذلك، وافق أوعمران على حبسه (أي عبان)، لا على تصفيته، نظرا لما يشكله الأمر من خطر على الثورة، إلا في حالة الخطورة القصوى للعمل التقسيمي الذي يقوم به عبان·
على ذلك، افترق الثلاثة: أوعمران إلى دمشق، بوصوف إلى المغرب، وكريم إلى تونس، وعلى إثر عودة أوعمران إلى تونس في 25 – 12 – ,1957 أخبره بن طوبال أن كريم ومحمود شريف اصطحبا عبان إلى المغرب عند بوصوف، لوضعه في السجن، وليس التصفية الجسدية، لكنه أضاف: ”رغم هذا القرار، أخشى أن يتصرف بوصوف ضد إرادتنا نحن الثلاثة”·
في المغرب، استقبلهم بوصوف في مطار تطوان، وأخبره كريم بالقرار المتخذ ضد عبان في تونس من طرف لجنة التنفيذ والتنسيق ممثلة في بن طوبال، كريم ومحمود شريف·
لكن بوصوف رد بغضب، مهددا، عبان، سيموت وأخرون بالوصول إلى تطوان، وضع بوصوف كريم ومحمود شريف في فيلا حيث أغلق عليهما، بينما اقتاد عبان إلى فيلا أخرى، التي بمجرد دخوله، طوق من طرف عنصرين مرافقين لبوصوف، وتم خنقه، باستخدام حبل، وقد شارك بوصوف في العملية بالضغط، بيديه على عنق عبان·
بعدها، دخل بوصوف على كريم ومحمود شريف في الفيلا الثانية، وطلب منهما موافقته للتأكد من موت عبان الذي وجداه، ميتا، ممددا على الأرض، هذه رواية كريم وعمران بعد العودة إلى تونس، نفس هذه الرواية سمعها من محمود شريف على انفراد، مع إضافات بسيطة، بأن أضاف كريم، أنهم أدركوا بعد موت عبان أن الأمر يتعلق فقط بانتقام شخصي لبوصوف، بينما أضاف محمود شريف: ”أنهم في مواجهة وحش (يقصد بوصوف) الذي هددهما بالموت هو وكريم، وأنه المسؤول الوحيد عن اغتيال عبان، وأن في المغرب لا توجد منظمة جبهة التحرير الوطني، وإنما منظمة قتلة يديرها بوصوف·
هكذا نجد كل الروايات الواردة في التصريح، تعيد اغتيال عبان إلى تصرف شخصي لبوصوف، الذي تصرف بإيعاز شخصي، سواء رغبة في الانتقام دون ذكر أسباب هذا الانتقام! أو الاشاعات المغرضة التي لجأ إليها عبان، وهي أيضا واهية، لم تتم الإشارة إليها، وهو ما يجعلنا نتساءل فعلا عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء هذه الحملة على عبان والمصير الذي آل إليه؟
يمكننا التأكيد على أن الخلاف أعمق من مجرد ”إشاعات”، فالخط السياسي الذي كان يدافع عنه ”عبان”، هو المستهدف، فشعار أولوية الداخل على الخارج والمدني على العسكري، لم يكن ليرضي الوفد الخارجي خاصة بن بلة، بوضياف، ولا العسكريين خاصة في لجنة التنسيق والتنفيذ (بوصوف، بن طوبال، كريم، أوعمران، محمود شريف).
من منظور عبان، الوفد الخارجي مكلف من الداخل لإنجاز مهام معينة، أبرزها التسليح، ولتأكيد ذلك درج على إرسال الأمين دباغين إلى القاهرة، لترأس الوفد الخارجي، وفي ذلك، إثبات لسلطة الداخل على الخارج، التي رأى فيها الوفد الخارجي تجاوزا من عبان للريبكو·
ومن منظور عبان دائما ”أولوية السياسي على العسكري” تعني أن الثورة نفسها، كانت سياسية، وأن السلاح لم يكن إلا وسيلة سياسية، وأن الهدف النهائي سياسي، وبالتالي المناضل المدني هو من يوجه الثورة، وقد سانده في هذا الخط محمد العربي بن مهيدي، مما أعطاه دعما، وكان قد فرض نفسه كشخصية كاريزماتية منذ سنة ,1955 بفضل العمل الذي قام به لإعطاء ”للأفلان” البعد الذي عرفه على المستوى الوطني والدولي، وكذا دوره في تنظيم ”مؤتمر الصومام” الذي أعطى للثورة مؤسسات قادرة على الوصول بالجزائر إلى بر الأمان في ظروف صعبة جدا، وغياب الوفد الخارجي عن المؤتمر، أكثر من خصومه الذين شعروا بتزايد دوره، وبالتالي ضرورة وضعه عند حده، وهكذا حدث تقارب بين العسكريين والوفد الخارجي، للحد من سلطات عبان، وكان لذلك، لا بد من تجاوز المجلس الوطني للثورة لإبعاد عبان، لكن إبعاده لا يكفي، ما دام بإمكانه التأثير والعودة في أي وقت كان، وهو ما أدى إلى اتخاذ قرار تصفيته جسديا·
من اتخذ القرار؟ المعطيات المتوفرة لا تسمح لنا بإبداء الرأي، لكن المؤكد أن بوصوف المتهم من زميليه كريم ومحمود شريف، فالأمر غير بعيد عن هؤلاء الثلاثة، وكذا بالنسبة لبن طوبال وأوعمران، فهؤلاء الخمسة، كانوا قريبين جدا من مركز القرار، إن لم يكونوا مركز القرار؟
إذا كان أوعمران، بناء على التصريح، كان كل مرة يبدو بعيدا عن مسرح الحدث ”أخبرا في القاهرة من طرف كريم وبوصوف، بتصرفات عبان” ثم في تونس ”أخبره بن طوبال باقتياد عبان من طرف كريم ومحمود شريف إلى المغرب” بعدها محمود وكريم يخبران أوعمران باغتيال عبان من طرف بوصوف، فإذا كان هكذا يبدو بعيدا عن الأحداث، لكن في وصول الأخبار إليه أول بأول دليل على ضلوعه فيها، كما أن موافقته على حبس عبان وحتى تصفيته عند الضرورة القصوى، ترافع ضده، ما دامت هذه الضرورة القصوى غير محددة، وهو الأمر الذي ينطبق على بن طوبال الذي أظهر تخوفه من أن يتصرف بوصوف خارج إرادتهم (هو وكريم ومحمود شريف)، لكنه وافق على إرسال عبان إليه!
أما بوصوف الذي وصف ”بالوحش” من طرف محمود شريف في التصريح، والذي نسب إليه تلقي أمر التصفية من كريم مثلما أخبر بذلك أوعمران في بيروت، فقد ساهم في عملية الاغتيال بيديه، فلا حاجة إلى اتهامه، ما دام دوره ثابت·
إذا كان في التصريح أيضا إتهام مباشر لكريم بإعطائه الأمر لبوصوف، فنجد كريم يعاتب ـ حسب بعض الكتابات ـ عبان على محاولته فرض منطقه، وهو الذي عينه على المنطقة المستقلة للجزائر (أي كريم)، ويتهمه بالعمل التقسيمي الذي تسبب له في حذر رفاقه، مما يعني أن التيار في هذه الفترة، لا يمر بين كريم وعبان، وهو ما يجعل الأول مستعد للتضحية بالثاني، وهو الشاهد في الشكوى الأولى لأوعمران في القاهرة، وقد رافق عبان إلى الجلاد، وكان حاضرا في تطوان عند الاغتيال، مما يجعله في موقع غير بعيد عن بوصوف، ويتحمل مسؤولية أساسية في العملية·
يبقى محمود شريف الذي يبدو أنه تأثر بتهديد بوصوف، ويبقى دوره أقل جلاء، من ضمن الخمسة·
تبقى قرينة أخرى في التصريح، ترافع ضد هؤلاء الخمسة، وهو الاجتماع الذي تم في تونس، بفيلا في شارع كاتانيا، مساء وصول بوصوف إلى تونس، بعد إستدعائه من طرف بن طوبال، كريم، محمود شريف ووأعمران، إذ بعد تملص بوصوف من الإجابة عن سؤال حول سبب إعدامه عبان، اتفق الجميع على تحمل مسؤولية اغتيال عبان جماعيا أمام أعضاء لجنة التنسيق الآخرين وهم: الأمين دباغين، فرحات عباس وعبد الحميد مهري وفي ذلك اعتراف منهم على دورهم في العملية·
تراجع بن طوبال عن القرار المتخذ جماعيا في تونس، وكسب إلى جانبه بوصوف جعل العساكر ينقسمون إلى جماعتين: بن طوبال، بوصوف من جهة، أوعمران، كريم، محمود شريف من جهة أخرى، وبذلك انقسمت لجنة التنسيق والتنفيذ إلى ثلاث مجموعات بإضافة مجموعة مهري، عباس، دباغين الذين رفضوا الاجتماع، وقد يكون ذلك أيضا لإبعاد الشبهة عنهم·
بعد إبلاغ عباس، مهري، دباغين بظروف اغتيال عبان، لا أحد احتج على الإجراء ولا أحد استقال من اللجنة، ومنذ ذاك تنازل السياسيون للعسكر الذين تحكموا في زمام الأمور، وخضع الداخل للخارج، وبن بلة يهنىء بوصوف في رسالتين على عمل التصفية الذي قام به·
وهكذا يمكننا القول أن سكوت الجميع دليل الرضا على العمل الذي استهدف عنصرا مزعجا ومضايقا·
بقلم: د· محمد الهادي حارش جامعة بوزريعة
http://www.djazairnews.info/dossier/40-2009-03-26-18-30-06/18659-2010-08-20-17-31-30.html
__
اغتيال عبان رمضان•• التقرير المفصل
الجمعة, 20 أغسطس 2010 18:26
الجزائر نيوز تنشر التقرير المفصل للثورة لإغتيال القيادي في جيش التحرير عبان رمضان كما صاغه بالفرنسية ـ وهو مترجم أحد القادة التارخيين للولاية الراعبة عمار أوعمران في شهر ديسمبر 7591، كنت بالقاهرة من حيث كنت متوجها إلى البلدان العربية، بهدف الحصول على السلاح والذخيرة، في حوالي 51 – 21 – 7591، وصل كريم وبوصوف من الرباط، حيث اتصلوا بالملك محمد الخامس للتباحث حول الاستقلال، أعلماني، بصفتي عضو لجنة التنسيق والتنفيذ (··)، بالمحادثات التي جرت في المغرب، وأبلغاني فضلا عن ذلك، أن عبان يروج لإشاعات مثبطة وهدامة في تونس والحدود· اقترحا علي عندئذ تصفيته أو اعتقاله· قدمت لكريم بوصوف الجواب التالي: ”قتله سيكون خطيرا جدا، يمكن للعدو أن يستغل وفاته تماما”·
كريم وبوصوف: يريد تحطيمنا، وبناء على المعلومات التي حصلنا عليها، يريد حتى تصفية البعض منا·
أوعمران: فيما يخص السجن، أنضم إليكم، لكن أنا ضد القتل، إلا في حالة الخطورة القصوى للعمل التقسيمي الذي يقوم به عبان· وهذا في حال توفر إجماع كامل أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ بالخصوص العسكريين الخمسة: كريم، بوصوف، بن طوبال، محمود شريف وأنا· إن نقص صوت واحد فقط، اعترض على قتله·
على هذا افترقنا، أنا في اتجاه دمشق، بوصوف إلى تطوان وكريم إلى تونس، في حوالي 25 – 12 – 1957 توجهت إلى تونس عبر البحر، وانتهزت الفرصة لمراقبة المصالح الخاضعة لمسؤوليتي، أعني التسليح والتموين العام·
في تونس، أخبرني بن طوبال أن كريم ومحمود شريف، أخذا عبان إلى بوصوف بالمغرب، قل مبروك، لوضعه في السجن، لكن أضاف، أنا خائف جدا من أن يعدموه·
أوعمران: ما هو القرار الذي اتخذتموه بخصوص عبان؟
بن طوبال: اجتمعنا ثلاثة أيام وثلاث ليالي، تطرقنا أثناءها لكل الصعوبات التي يسببها لنا عبان، قدرنا أولا توقيفه، ووضعه في قبو فيلا الحاج علي، أصيل عين البيضاء الساكن في مون – فلوري (Mont- Fleury ) بتونس، لكن فكرنا في إمكانية عبان لفت انتباه المارة والسلطات التونسية بصراخه، وهو السبب الذي جعلنا نقرر أخيرا: كريم، محمود شريف وأنا إرساله إلى المغرب لوضعه في السجن، لا، لإعدامه·
أوعمران: ما دمتم قد اتخذتم قرار وضعه في السجن، لا يحق لهم قتله، وما دمتم ضد قتله، لن أوافق بدوري على إعدامه·
بن طوبال: تعلم، رغم هذا القرار، أنا خائف جدا، من أن يتصرف بوصوف ضد إرادتنا نحن الثلاثة·
انتظرت في تونس، عودة كريم ومحمود شريف بضعة أيام، استلم بعدها بن طوبال رسالة من تطوان تبلغه بوصول كريم، توجهت إلى المطار رفقة بن طوبال، نزل كريم من الطائرة بصعوبة كبيرة، قلت حينئذ لبن طوبال: ”انظر وجه كريم، قاموا بتصفية عبان”، تقدم كريم نحونا وسألناه بن طوبال وأنا: ماذا فعلتم بعبان؟ هل هو في السجن؟
تكلم كريم بصعوبة، انتهى، عبان مات، عندئذ غضبنا كثيرا أنا وبن طوبال·
أوعمران: ما فعلتموه هنا، غير عادل، القرار المتخذ كان يقضي بوضعه في السجن، لا، قتله·
كريم: (يكلمني بالقبائلية)، سأفشي لك بما حدث في تطوان بيننا·
توجهت في مساء ذلك اليوم إلى بيت كريم، وطلبت منه أن يروي لي ما حدث بالتفصيل·
كريم: اجتمعنا في تونس، بن طوبال، محمود شريف وأنا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي، ثم اتخذنا القرار التالي: كُلفنا أنا ومحمود شريف باصطحاب عبان إلى المغرب عند بوصوف، وأن نضعه في السجن، وبداية من هذه اللحظة، سيكون بوصوف المسؤول إن حدث أي شيء لعبان· أقلعنا إذن تجاه تطوان، عبان، محمود شريف وأنا· أتى بوصوف لملاقاتنا، مرفوقا بعنصرين لا نعرفهما، وقدمهما لنا باسميها المستعارين· توجه مباشرة نحونا (محمود شريف وأنا)، وقال لنا بلهجة فيها تهديد: هل أنتما مسلحان؟ كان ردّنا: ”هذا لا يعنيك، قام حينذاك بوصوف بإيماءة مازحا لتفتيشنا للتأكد إن كنا مسحلين أم لا، لكنه، أخذ مأخذ الجد هذه العملية التي نفذها بسرعة· أخبرته، عندئد بالقرار المتخذ من طرف لجنة التنسيق والتنفيذ (بن طوبال، محمود شريف وأنا) ضد عبان، قال لي بوصوف وهو غاضب: عبان سيموت، وهناك آخرون ممن يموتون، لا تنسى أن هتلر وفرانكو، كانا محاطين دائما برجال مستعدين كلية للتضحية، أجبته بهدوء: احذر، ما تقوله خطير، يتعلق الأمر بعضو لجنة التنسيق والتنفيذ، معروف على المستوى الدولي، أعاد بوصوف: ”عبان سيموت، وهناك آخرون سيموتون، لا تنسى، أن الذي أعدم العقيد سي شريف في الولاية السادسة (يتعلق الأمر بالمدعو ملاح علي المبحوث عنه منذ ,1947 معروف من كامل مجلس الولاية الثالثة وكل مجلس الولاية الرابعة بتوجهه الديني والأخوي وحبه للوطن) ومساعديه هو وطني”·
صدمت حينذاك، بهذا الاعتراف، لأنني كنت اعتقد حتى ذاك، أن سي شريف، تمّ إعدامه من طرف خائن· (حسب الصحافة الفرنسية اعدام سي شريف معاونيه كان من طرف شريف بن سعيدي، ضابط صف قديم في الجيش الفرنسي، وانضم إلى الفرنسيين بعد هذه الضربة المفاجئة·
أجبت بوصوف بهدوء دائما: ”أنت مخطىء في حالة سي شريف، هو وطني أعرفه جيدا، خصوصا أنه من منطقتنا، عمل مع أوعمران ومعي”· ونحن نتحدث محمود شريف وعبان يتجولان دائما في المطار ويتحدثان·
ردّ علي بوصوف: ”نعم الذي أعدم سي شريف وطني”· تمّ أغلق علينا أنا ومحمود شريف في فيلا وأقتيد عبان إلى فيلا أخرى، حيث بمجرد دخوله، تم تطويقه من طرف العنصرين المرافقين لبوصوف، وهما من ممارسي الجيدو، كثيرا ما كان يأتي بوصوف لرؤيتنا ويقول لنا بنغمة تهديد: ”لا عمل، يجب قتله”، اعترضنا صراحة أنا ومحمود شريف على قتل عبان، وقلنا لبوصوف ضمن ما قلنا له: ”بن طوبال ضد إعدام عبان، وجعلناه يوقع وثيقة يتبرأ فيها إن حدث أي شيء لعبان”·
ردّ علينا بوصوف: ”فيما يخص بن طوبال، أتحمل المسؤولية، أتدبر الأمر معه، وأقنعه”· قدم أيضا لرؤيتنا عدة مرات، مسؤول التنظيم آنذاك في المغرب، المدعو عبد الجليل، مبعوث من بوصوف ليقول لنا: ”لا يمكننا الاحتفاظ بعبان، الذي قد يتسبب في تبعات تنبيه المارة والسلطات المحلية بصراخه” (هذا لاقناعنا بوجوب إعدامه)·
أخيرا قدم بوصوف وقال لنا: ”تعالوا للتأكد أن عبان مات”، تأكدنا فعلا من موت عبان، هذا الأخير كان ممددا، ومخنوقا في هذه الوضعية، بواسطة حبل، من طرف العنصرين المرافقين لبوصوف في المطار، لم ندرك إلا بعد اغتيال عبان، أن بوصوف تصرف كانتقام شخصي، وأفشى له رجاله سرا، أنه شارك هو أيضا في الخنق بالضغط بيديه على عنق عبان·
تركت كريم، وتوجهت عند محمود شريف، الذي تحادثت معه خلال أزيد من ساعتين، كلمني نفس كلام كريم، وأضاف: ”أخي العزيز، نحن في مواجهة وحش (وهو يتكلم عن بوصوف)، هددنا بالقتل (كريم وأنا)، في المغرب، هو وحده المسؤول عن قتل عبان، في المغرب، لا توجد منظمة جبهة التحريرالوطني، لكن منظمة قتلة، يديرها بوصوف، لا يحق لأي مناضل من القاعدة الاتصال بعنصر أجنبي، لم يسمح لنا أبدا، نحن أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، الاتصال بأي كان في كل المغرب رغم العديد من الجولات التي قمنا بها·
عقدنا اجتماعا: كريم، بن طوبال، محمود شريف وأنا في شارع كوريسيكا، مقر مناوبة لجنة التنسيق والتنفيذ، طلبنا بن طوبال وأنا من كريم ومحمود شريف، أن يعيدوا على مسامعنا في أية ظروف تمّ اغتيال عبان، وأكد كريم ومحمود شريف صراحة أن عبان تم اغتياله رغما عنهما من طرف بوصوف·
على ذلك افترقنا، ذهبت رفقة بن طوبال الذي قال لي: ”أرى المستقبل أسود”، أوعمران: ”أوافقك تماما، لكن نحاول بعون الله، وفي إطار المصلحة الوطنية أن نتحمل كل هذا حتى تحرير الوطن”·
تمّ اجتماع آخر في تونس حضره: كريم، بن طوبال، محمود شريف وأنا، قررنا فيه استدعاء بوصوف فورا، قررنا أن نطلب منه تفسيرا حتى نفكر في الطريقة التي نقدم بها موت عبان للأعضاء الآخرين من لجنة التنسيق والتنفيذ· أرسلنا الرسالة الأولى رفض على إثرها بوصوف القدوم إلى تونس، وجهنا له رسالة ثانية، شديدة اللهجة لكنه رفض دائما القدوم إلى تونس، طلبنا منه في رسالة ثالثة، أن يأتي في الحال، وإلا سنضطر لاتخاذ موقف علني ضده·
ردّ بوصوف برسالة: ”انتظروني بعض الوقت، عندي قليل من العمل في المغرب”، واتضح لاحقا أنه لم يكن له أي عمل، لأنه استقل طائرة نحو تونس، وهذا بعد أن أرسل قبل ذلك عونين من الاستعلامات مزودين ببطاقات الهوية كتجار في الدار البيضاء، تمّ اكتشاف أمرهما من طرف منظمة المقدم قاسي، وتمت مراقبتهما عن كثب، الحدث أخبر به كريم الذي أخبرني به ومحمود شريف·
توقف بوصوف في روما، وكان مرفوقا ببوقادوم ممثل الأفلان في مدريد، فأرسل هذا الأخير إلى تونس للاتصال بنا واحدا بعد الآخر، ثم معا، في كل مرة لم يفش لنا عن وجود بوصوف في روما، زاعما وجوده في المغرب، أعلمنا حينئذ بوقادوم بقرارنا الصريح المتمثل في ضرورة التحاق بوصوف حالا بتونس، سافر بوقادوم نحو روما، وبعد ثلاثة أيام قدم بوصوف رفقة بوقادوم، وهذا دون أن يخبر أحدا منا، إلا بعد نزوله بفندق في شارع بورقيبة، حيث أتى بعدها بوقادوم لإخبار كريم وبن طوبال ومحمود شريف بوجود بوصوف في تونس، كريم الذي أخبرني بدوره بوصول بوصوف، وبعقد اجتماع في نفس الأمسية في شارع كاتانيا، تم هذا الاجتماع فعلا على الساعة الثامنة مساء، جمع كريم، بن طوبال، محمود شريف، بوصوف وأنا، طرحنا السؤال التالي على بوصوف: ”لماذا أعدمت عبان؟”، رد بوصوف متملصا: ”وقع ما وقع، حاولوا أن تكونوا رجالا، لتأخذوا موقفا معي أمام أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ الآخرين، أي الأمين، عباس، مهري”·
انفعل محمود شريف قائلا: ”اخواني، أعلمكم أن عبان تمّ اغتياله خارج إرادتنا، ورغما عن القرار المتخذ في تونس القاضي بوضعه في السجن فقط”، بن طوبال، لم يكن له أي رد فعل أبدا، يبدو مشارك بوصوف الرأي (هو أصيل ميلة مثله)، لمواجهة الأعضاء الآخرين للجنة التنسيق والتنفيذ·
تم اتخاذ موقف جماعي من طرف الخمسة بتحمل مؤقتا مسؤولية مشتركة في موت عبان أمام الأعضاء الآخرين للجنة التنسيق والتنفيذ، اقترحت العديد من الفرضيات، تحدد الموقف الذي يجب أن نتبناه، إزاء الأعضاء الثلاثة الآخرين، آخر فرضية تبنيناها بالإجماع هي التالية: ”عند الوصول إلى القاهرة، ندعو لاجتماع كل أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، ويأخذ الكلمة كريم أو بوصوف، ويعلن للثلاثة، أنهم لم يعودوا أعضاء في لجنة التنسيق والتنفيذ، وأننا استولينا على كل السلطات، وعند وصولنا إلى القاهرة، تراجع بن طوبال، وخان بلا قيد أو شرط القرار المشترك المتخذ في تونس، وتمكن من ربح بوصوف إلى جانبه، فتشكلت حينئذ جماعتان ضمن العسكريين: كريم، محمود شريف وأوعمران من جهة، بن طوبال وبوصوف من جهة أخرى”·
أثناء الاجتماع الذي انعقد في تونس، قال لي بوصوف: ”تعرف، أوعمران، في وجدة عناصر التنظيم يعيبون عليك أنك لا تنصب الأكايميات العسكرية*”· أجبته بحدّة أمام الاخوة الآخرين: ”ما عليك إلا تعيين لجنة تحقيق التي تتوجه إلى الاكاديميات العسكرية، لتتحقق إن كانت هذه الاتهامات مؤسسة أم لا· إن كانت مؤسسة، أنا مستعد لتحمل عقاب من اختيارك·
أزمة داخل لجنة التنسيق والتنفيذ: الأمين، فرحات، ومهري طرحوا السؤال التالي: أين عبان؟ هل هو ميت أم حي؟ أصابت عباس هزة عصبية، وفشل اجتماع لجنة التنسيق والتنفيذ· برفض عباس والامين المشاركة·
سادت منذ هذا اليوم وسط لجنة التنسيق والتنفيذ، أزمة خطيرة، تشكلت على اثرها ثلاث مجموعات: كريم، محمود شريف، أوعمران ثم بن طوبال، بوصوف وعباس الامين، مهري·
شخصيا، حاولت دائما، تقريب وجهات نظر هؤلاء وأولئك، واتصلت في هذا الصدد، فرديا بكريم، بن طوبال، بوصوف، محمود شريف، الأمين ، عباس· وهكذا أفشيت الى الامين وعباس بظروف وفاة عبان· لا أحد كان قادرا على اتحاذ موقف، اكتفوا بالردّ: ”مشكلة”، اقترحت عليهم، استئناف العمل، قائلا: ”كل هذا سيكشف في يوم من الأيام”، ويقابلونني دائما بنفس الردّ: ”المسألة خطيرة”·
بدأت الجهوية، ترتسم في وسط لجنة التنسيق والتنفيذ: ثلاث ولايات من جهة، واثنتان من الجهة الأخرى، والثلاثة المزعمون كعقلاء: عباس، الأمين، مهري، يتظاهرون، بلعب دور التوفيق، لكن في الواقع، لا يزيدون إلا في تعميق القطيعة بين جماعتي العسكريين·
ركود تام للجنة التنسيق والتنفيذ، العجز، العمل الفردي، استقلال كل عضو، يغذي من يوم لآخر الأزمة في لجنة التنسيق والتنفيذ، اضطررت لكتابة تقرير: ”الوقت خطير” موجه لكل عضو من لجنة التنسيق والتنفيذ واحتفظت بنسخة· عالجت في هذا التقرير الأزمة الداخلية، الوضع السياسي، العسكري والدبلوماسي، أسباب الأزمة والعلاج الذي يجب تقديمه·
هذا التقرير، تمت قراءته من كل الأعضاء، لكن دون متابعة والجدير بالذكر أن عنصرا، سأكشف اسمه في الوقت المناسب، أعلمني في بيروت أن عبان تم إعدامه من طرف بوصوف بأمر من كريم· الخاتمة: يتضح من المعلومات التي وصلتنا من تونس، المغرب، أوروبا والشرق الأوسط، خصوصا من البلاد العربية، أن بوصوف، مدفوع بروح ديكتاتورية، عنصرية، طائفية، جهوية، وأنه محاط بعصابة من الأعوان، خدموا في الإدارات الفرنسية المدنية والعسكرية، وأنهم كلفوا بتحطيم وإضعاف كل عنصر له تأثير أكثر من بوصوف على المستوى الوطني والدولي·
يؤكد بوصوف أنه تلقى رسالتين من بن بلة بعد وقت قصير من وفاة عبان·
في الرسالة الأولى كتب بن بلة: ”أنا سعيدا جدا، وأهنئك على عمل التطهير الذي قمت به”·
وفي الثانية: ”أشكرك وأهنئك على عمل التصفية الذي قمت به، والذي أنت بصدد القيام به”، هذا ما أخبرني به بوصوف، وأخبر به كريم·
* هكذا في النص عوض الأكاديميين العسكريين بناء على ما يبدو في السياق·
حاشية: أقسم بشرفي أن هذه التصريحات موافقة للحقيقة·
تونس في: 15 أوت 1958
أوعمران
– تصريح: عمار أوعمران
– ترجمة: محمد الهادي حارش
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/06/2011
مضاف من طرف : chouhada
المصدر : www.algeriachannel.net