الجزائر

التقرعيج .. رادار الجزائريين الذي يلتقط كل الأخبار



ويعتبر الكثيرون أن ظاهرة التقرعيج هي مهنة الذين يشتغلون بانتهاك حقوق الغير، والإطلاع على أحوالهم دون طرق أبوابهم، كما يصفونهم أحيانا بقناة الجزيرة أو الرادار أو البارابول، كونهم يلتقطون أخبار العالم مجانا و بدون شفرة وبطاقات الترميز.منية: طلاقي كان شغلهم الشاغل ومحورحديثهم
قررت منية،34سنة، بعد قصة طلاقها التي انتشرت في محيطها أن تبقى في المنزل، ولا تخرج منه إلا بعد أشهر من الطلاق الذي أصبح مدار حديث من حولها، فلم تكد منية تنهي أزماتها النفسية بعد الطلاق ورغبتها في بدء حياة جديدة حتى وجدت نفسها محاصرة من قبل مجتمع يسألها، لماذا تطلقت؟، ومن رغب في الطلاق أنت أم زوجك؟، وماهي أسباب طلاقك في هذه الفترة؟، وهل ستتزوجين بعد الطلاق؟، وماذا بخصوص الأطفال؟، وغيرها من الأسئلة التي وجدت منية فيها تجديدا لوجعها الذي كانت تحاول أن تخفيه كلما التقت بمحيطها من الأقرباء والصديقات حتى تحاول الوقوف من جديد على قدميها فتنسى، إلا أن المجتمع الفضولي يرفض أن يحترم صمتها وتكتمها على خصوصياتها الشخصية ويصر أن يخترق المستور، ولا تعتبر منية الحالة الوحيدة في المجتمع التي تعاني من عدم احترام خصوصياتها، فهناك الكثيرون ممن يشعرون بأن احترام الخصوصية مبدأ أخلاقي غير موجود إلا لدى القلة من الواعين في المجتمع، حتى تحولت خصوصية الأفراد إلى مزاد يقبل عليه كل من أراد أن يبيع ويشتري في أحاديث وأخبار الناس، حتى أصبحت الخصوصية واحترامها قيمة تتضاءل أمام الفضول البشري والرغبة في تتبع أحوال الناس وحياتهم الشخصية.
انتهاك خصوصيات وتسريب أسرار دون وجه حق
حيث قال محمد،32سنة، أنه سئل عن مشاكل بينه وبين زوجته وأمه من أحد الجيران وهذا ما وضعه في موقف محرج كثيراً جعله يتجنب التحدث إلى هذا الجار عما حصل، وذلك وضعه في حيرة من أمره، متسائلاً هل سيفسر ذلك الجار ما يجري كما يحلو له، أو أنه سيكتفي بإجابة الشخص الذي سأله.، أما سليمة،43سنة، تعرضت من أحد الزملاء في العمل لأسئلة عن مرضها الذي تعاني منه، وهو مرض شبه خطير لكن لا ترغب في التكلم عنه أبداً وأردفت قائلة إن الناس يطلبون منها تفاصيل لكنها لا تريد الإفصاح لأحد عن ذلك أو التحدث عنه كما أنها لا تريد التحدث عن نفسها بالتفاصيل التي يريدها أولئك، وتقول لا مانع لديها من السؤال فقط كيف الحال لكن دون الوصول إلى إجابات وحشرية زائدة في أمور لا تعنيه وليس من أجل تناقل الكلام والاطلاع وملئ أوقات الفراغ، والبعض لا يعرف أن هنالك حدود بينه وبين الآخر، ونوه رامي،26سنة، قائلا :«إن أناسا يقتحمون حياتنا ويتفوهون بملاحظات وإسداء المشورة والنصائح التي لا لزوم لها إضافة إلى التدخل بالأمور الشخصية والتطفل على الغير والتعرف على الخصوصيات بهدف فضحها، دون أن يراعوا في ذلك حرية الأشخاص ترابطهم فيما بينهم الزمالة في العمل أو معرفة سطحية أو صلة القربى من بعيد، وصرحت سعاد،32سنة، قالت إنها تنزعج من التدخلات في شؤون الغير فيها لكنها ترغم نفسها على مسايرة الآخرين ومداراتهم كثيرا ولا يكثرون من الكلام ظنا منهم أنهم يعطونا شيئا من الخبرة في الحياة، وربط الكثيرون ممن تحدثت إليهم الجزائر الجديدة أن انتشار هذه الظاهرة دليل على الانحطاط الأخلاقي وانحدار المستوى الحضاري والثقافي فيما بينهم.، كذلك عبر محمود، 51سنة، بالقول إن التقرعيج على الغير من أسوأ العادات ومن أقبح الأفعال و التصرفات، ولطالما تضايق الناس منها و انزعجوا وتكدر مزاجهم ، وتقدم بنصيحة للغير أن يحاول جاهدا كتم أسراره والمحافظة على خصوصياته وحماية شؤونه من أعين الآخرين.
ظاهرة ترتبط بالرجل والمرأة على حد سواء
وإن ارتبط التقرعيج بالمرأة على وجه الخصوص ووجه لها أصبع الاتهام في اكتساب هذه العادة السيئة، إلا أن البعض ممن تحدثنا إليهم أن ظاهرة التقرعيج اليوم لم تعد تقتصر على النساء دون الرجال، والواقع بين وجود شباب اليوم من يعيشون على التطفل على خصوصيات الآخرين، وانتهجوا التقرعيج عن أحوال الناس أسلوبا في حياتهم يعتمدون عليه في معاملاتهم وعلاقاتهم مع الغير، وهنا يحدثا شهاب،32سنة،عن جاره الذي يحاصره دائما بفضوله الكبير تجاه خصوصياته، فحينما يخرج مع زوجته سحاول دوما التجسس عليه ومحاولة معرفة وجهته، دون مراعاة لخصوصية الآخرين، وحينما يلاحظ بأن هناك مناسبة في المنزل يبذل ما بوسعه لمعرفة المناسبة، حتى أصبح يشعر بأن جميع تفاصيل حياته موجودة لدى الجار، فالمجتمع حسب رأيه أصبح مجتمعا لايستحي من التدخل في خصوصيات الآخرين حتى في أدق الخصوصيات.
ولأنه يحطم كل سدود الخصوصيات و أسوار الشؤون الشخصية حتى يدخلوا حصونها، لهم رغباتٌ عجيبة و دوافع غريبة تدفعهم قسرا لاقتحام حياة الآخرين واستطلاع أحوالهم واكتشاف أسرارهم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)