كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم:سيقول معترض إن التربيَّة والتعليم يصلحان أخلاق المرأة، وأما الإطلاق ربما زاد في فسادها، فنجيب أن الإطلاق الذي نطالب به هو محدود بحظر الخلوة مع أجنبي، وفي هذا الحظر ما يكفي لاتقاء المفاسد التي تتولَّد عن الخلوة. أما الإطلاق في نفسه فلا يمكن أن يكون ضاراً أبداً متى كان مصحوباً بتربية صحيحة؛ لأن التربية الصحيحة تكوِّن أفرادًا أقوياء بأنفسهم يعتمدون على أنفسهم، ويسيرون بأنفسهم، فمن كملت تربيته استقل بنفسه واستغنى عن غيره، ومن نقصت تربيته احتاج إلى الغير في كل أموره؛ فالاستقلال في النساء كالاستقلال في الرجال يرفع الأنفس من الدنايا ويبعد بها عن الخسائس،لذلك يجب أن يكون هو الغاية التي نطلبها من تربية النساء، حسن التربيَّة واستقلال الإرادة هما العاملان في تقدُّم الرجال في كل زمان ومكان، وهو مطمح آمال كلِّ أمَّة تسعى إلى سعادتها، وهما من أشرف الوسائل لإبلاغها من الكمال ما أعدَّت له. فكيف يمكن لعاقل أن يدَّعي أن لهذين العاملين أثراً آخر سيئاً في أنفس النساء؟ ومَن زعم أن التربَّة واستقلال الإرادة مما يساعد على فساد الأخلاق في المرأة فقد قصر نظره على بعض الاعتبارات التي لا يخلو عنها أمر من الأمور النافعة في العالم؛ فإن لكل نافع ضرراً إذا أُسِيء استعماله.
هذا تعليم الرجال لا يخلو من العيوب الكثيرة، وكثير منهم يستعمل علمه واختياره فيما يضرُّ بنفسه أو بغيره. فهل ذلك يحمل أحداً من الناس على أن يقول إن من الصواب أن لا يعلم الرجال شيئاً خوف استعمال ما يتعلمونَّ فيما يسوءهم أو يسوء غيرهم، وأن من الواجب أن يُتركُوا في الجهل تحت حجاب الغفلة؟لا أظن أن عاقلا يخطر هذا الخاطر بباله، فإذا كان إجماعنا قد انعقد على أن لا خير للرجال في الجهل والاستعباد، وأن لا سبيل لهم إلى بلوغ درجات الفضل إلا بالعلم وحرية الفكر والعمل. فما لنا لا نختلف في هذه القضية نفسها إذا عرض ذكر المرأة؟ وأي فرق بين الصنفين في الفطرة والخلقة؟
والحق أننا غالينا في اعتبار صفة العفَّة في النساء، وفي الحرص عليها، وفي ابتداع الوسائل لحفظ ما ظهر منها، وتفخيم صورتها حتى جعلنا طل شيء فداءها، وطلبنا أن يتضاءل ويضمحل كل خلق وكل ملكة دونها، نعم العفَّة أجمل شيء في المرأة وأبهى حلية تتحلَّى بها. ولكن العفَّة لا تُغني شيئا عن بقية الصفات والملكات التي يجب أن تتحلَّى نفس المرأة بها المرأة
...(يتبع)
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/08/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com