لقد دعا الإسلام إلى التعاون، ورغب الناس فيه؛ حرصًا على ترابط المسلمين وتماسك وحدتهم، فقال تعالى :{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ و َالْعُدْوَانِ}[المائدة :2]وقال- صلى الله عليه وسلم- : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة. رواه البخارى .
وقد فهم المسلمون معنى التعاون منذ أن بدأ النبي- صلى الله عليه وسلم- دعوته في مكة، فتعاونوا في نشر الإسلام، ودعوة من يرون فيه خيرًا واستجابة للإسلام، وبفضل تعاونهم دخلت أفراد جديدة إلى الإسلام. وكان «أبو بكر الصديق» أبرز من عاون النبي- صلى الله عليه وسلم- في نشر الإسلام، فأسلم على يديه عثمان بن عفان»، و»عبد الرحمن بن عوف» و»أبوعبيدة بن الجراح»، وغيرهم .
وكان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التعاون، سواء كان داخل بيته أم مع أصحابه ... كان متعاونًا في كل أحواله، في البيت يساعد أهله، ويعاونهم في شؤون المنزل، وفى خارج البيت يتعاون مع أصحابه في القيام ببعض الأعمال بهمة ونشاط.
بعد هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بدأ في بناء مسجد للمسلمين يصلون فيه، ويجتمعون فيه لبحث شؤون حياتهم، واشترك النبي بنفسه في البناء، فكان- صلى الله عليه وسلم- يحمل مثل أصحابه التراب والطوب، وكان عمره في ذلك الوقت - وهو يعمل - ثلاثًا وخمسين سنة، ولم تمنعه سنه ولا مكانته العالية من أن يتعاون مع أصحابه في بناء المسجد، وظل يعمل معهم حتى اكتمل بناء المسجد، الذي كانت أعمدته من جذوع النخل، وسقفه من الجريد.
موقف آخر قام به النبي- صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في غزوة الخندق، وهي الغزوة التي تحالفت فيها «قريش» مع عدد من القبائل العربية لمحاربة المسلمين في «المدينة»، فقدموا إليها في عشرة آلاف مقاتل، وأقام النبي- صلى الله عليه وسلم- خندقًا حول «المدينة»؛ استجابة لرأي الصحابى «سلمان الفارسي».
وقد عمل المسلمون في حفر الخندق في ظل ظروف صعبة جدَّا، فالجو كان في غاية البرودة، ولا بد من إنجاز الحفر في أسرع وقت، فقسم الرسول العمل على أصحابه، وجعل لنفسه نصيبًا من العمل، فكان يحفر معهم، ويحمل التراب بنفسه مثل باقي الصحابة .. وكان إذا رأى من الصحابة تعبًا قام بتنشيطهم للعمل مردَّدا :
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. وكانوا يجيبونه مرددين :
نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا.
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعمل ذلك العمل الشاق وهو في السابعة والخمسين من عمره، ضاربًا المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأصحابه، وأنه مثلهم يعمل كما يعملون، ويبذل جهدًا كما يبذلون.
وبفضل هذا التعاون أتم المسلمون حفر الخندق في ستة أيام، على الرغم من طوله واتساع عرضه وعمقه، وصلابة الأرض الصخرية التي تم الحفر فيها، ولما جاء المشركون فوجئوا بهذا الخندق، واندهشوا من قدرة المسلمين على إنجاز هذا العمل الجبار في هذا الوقت القصير وبهذه الأعداد القليلة !
إنّ للتعاون فوائد عظيمة على الفرد والمجتع، يمكننا ذكر بعضا منها في النقاط التالية: - ازدياد الروابط الأخوية بين الزملاء .
- إنجاز الأعمال في أسرع وقت وفى صورة جيدة، حيث يؤدي كل فرد ما يجيده ويحسن عمله.
- توفير الوقت وتنظيم الجهد، فبدلاً من أن يتحمل فرد واحد مسؤولية إنجاز عمل ما، فإنه يوزع على آخرين لإنجازه، وهذا يعنى مجهودًا أقل ووقتًا أقل.
- إظهار القوة والتماسك، فالمتعاونون يصعب هزيمتهم، مثلهم مثل العصا يمكن كسرها إن كانت واحدة، ويصعب كسر مجموعة من العصي المترابطة.
- نيل رضا الله، لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
- يد الله مع الجماعة : فالله تعالى يكون معهم، وما دام الله معهم فلن يخسروا، ويكون النجاح حليفهم.
- القضاء على الأنانية وحب الذات، حيث يقدم كل إنسان ما عنده ويبذله للآخر عن حب وإيمان.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» . (متفق عليه)
فما أحوجنا لهذا الفقه والأخذ بهذا الخلق الرفيع من أجل القيام بعملية التعاون والتكافل على أتم وجه وأحسنه واقتداءا برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/10/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشعب
المصدر : www.ech-chaab.net