الجزائر

التطهير السياسي والطائفي رأي حر



التطهير السياسي والطائفي                                    رأي حر
موضوع ما كنت لأ تناوله لولا ابتذال المفردات الطائفية والمذهبية في خطاب الكتبة والمفكرين، الذين يكتبون ويفكرون من دواوين الأمراء القطريين والسعوديين، ويدّعون أنهم يتنصّرون ”للثورات” العربية التي اقتلعت ”جميع الطغاة” من عروشهم في بلاد العرب، كما يزعمون، باسثناء سوريا التي استعصت إلى الآن على ”ثورتهم” التي اقتدحها ”ربيع العرب”. رغم الدعم الذي تتلقاه من مصادر عديدة وبأشكال مختلفة. نجم عنه افتضاح الأمور وسقوط الأقنعة فبانت الوجوه القبيحة والكالحة. وإذا ”الثورة” في سوريا هي حرب على بنى الدولة، غايتها تجزئة البلاد وتفرقة الناس إلى فئات يبغض وينبذ بعضها بعضا.
من المعروف أن التسامح ليس من صفات من بيدهم السلطة في بلاد العرب. فالإمساك بمقاليدها يكون دائما نتيجة صراع يفوز به الأقوى والأكثر دهاء. بمعنى أنه لا توجد آليات مؤسساتية توفر شروط التعبير الحر والمستقل عن الرؤى أو السياسات التي تخدم بحسب اللذين يطرحونها، المصلحة العامة الوطنية. وبتعبير أكثر وضوحا وصراحة، يغلب تقليديا على المعارضة نزعة الإنتقام والتشكك في شرعية السلطة، ليس استنادا على مآخذ سياسية وإنما على الغيرة والحسد أو على منطق قبلي خالص يستسيغ السلطة حصرا في فئة أو طائفة دون سواها.
وحيثما نشأت أحزاب ومنظمات سياسية علمانية في مواجهة سلطات ادعت هي أيضا أنها علمانية نجد هذه الأخيرة، إذا ما تنامى السخط ضدها، ترجع إلى الغريزة الأصلية، فتأمر بحل تلك الأحزاب والمنظمات التي بقي تأثيرها في أغلب الأحيان محدودا، ولم تشكل خطرا فعليا على السلطة.
الغريب أن ”الثوار” في سوريا بكروا إلى ”التطهير” ولا تزال طريقهم إلى السلطة بحسب العارفين طويلة ودونها عقبات. فهم يقتلون الصحافي الذي يعمل في إعلام الدولة، ورجل الدين أيضا، إذا انتقد ”ثورتهم، وإن لم يصلوا إليه قتلوا ولده، والسياسي والمفكر اللذين يحاربان بسلاح الكلمة والحجة، وإن لم تطلهما أيديهم، قتلوا أقاربهما أو أبناءهما. بلغ الحمق بأحدهم حد الجنون، فهدد بقتل الروس الذين اقترنوا بسوريين، انتقاما من روسيا التي تدعم كما يقول، النظام.
تتقاطع الأخبار في هذا السياق على أن ”الثوار” السوريين يقومون من منطلق طائفي ومذهبي بطرد أتباع الطوائف والمذاهب، غير طائفتهم ومذهبهم، وأنهم لا يتورعون أحيانا عن ارتكاب مقتلات هنا وهناك لترويع الناس وحثهم على الرحيل دون إبطاء. من البديهي القول أن مثل هذه التصرفات لا تصب في مصلحة الأوطان والناس. فهي إجرامية وتخريبية، نتيجة انقياد لذهنية بدائية غرائزية.
واستنادا إليه، فإن ما يجري في سوريا اليوم يمكن أن ينعت من وجهة نظري بالتطهير المذهبي أو الطائفي. فيرتجع أمامنا ممارسات كانت تحدث في العصور الغابرة، ضد الارتداد والهرطقة، ومنها محاكم التفتيش الإسبانية في القرن السادس عشر. كما أنه يذكرنا بالتطهير العرقي في فلسطين في سنة 1948، وترحيل نصف سكانها على يد عصابات الهاغانا التي أنشأها المستعمرون الإسرائيليون. ومن البديهي أن ندرج في هذا السجل الأسود، محاولة الحكم في المانية النازية، إخلاء أوروبا من اليهود، بالإضافة الى التصفيات العرقية التي رافقت تجزئة يوغوسلافيا التي بادرت إليها الإدارة الأمريكية في فترة ولاية الرئيس ريغان، وإلى المذابح الإثنية في رواندا في سنة 1994. وجملة القول هنا، أن الإنسان يقتل إنسانا آخر في العصر الحديث، لأن لونَه مختلف عن لونِه أو معتقدَه غير معتقدِه، أو لأنه ببساطة يريد أن يحتل أرضه، كما كان يفعل في القرون الوسطي. الفارق بين الأمس واليوم هو أن السلاح أكثر فتكا.
ما أود مقاله هو أن نظام الحكم في سوريا، كان بالقطع يعامل المعارضين السياسيين بخشونة. ولا شك في أنه كان لديه معتقلو رأي. فضلا عن أن بعض هؤلاء الأخيرين، من المغضوب عليهم، كانوا يختارون الهجرة أو المنفى، ليجنبوا أنفسهم التعذيب في أقبية المخابرات أو المكوث في السجن، دون محاكمة ولمدد غير معروفة أحيانا. لا جدال في أن هذه السياسة تستحق الإدانة. أكتفي بهذا الاستطراد، لأعود إلى موضوع التطهير، الذي أنا بصدده لأقول بأن نظام الحكم كان ينفي أو يجبر على الهجرة، معارضا سياسيا ينتمي عادة إلى النخبة. ينبني عليه أن هذا المنفي كان في أغلب الأحيان يجد بلدا يلجأ إليه، وعملا يدر عليه أجرا. تحضرني هنا التجربة التي عاشها المفكر المصري نصر أبي زيد.
أنا لا أريد هنا أن أقلل من معاناة المناضل الفرد، الذي ينتهك الحكمُ حقه في العيش في وطنه والعمل فيه. ولكن عندما يشمل التطهير جماعة بكاملها، لأسباب مذهبية أو عرقية، أو طمعا بالاستيلاء على أرضها، فإن المعاناة تكون أكبر والجريمة تكون أكثر وحشية. ”الثوار” في سوريا يرتكبون اليوم مثل هذه الجرائم. فهم يقصفون بقاذفات الهاون التي زودهم بها المستعمرون الغربيون ودفع ثمنها أمير قطر، أحياء سكنية يسكنها سوريون، يفترض هؤلاء ”الثوار” أنهم ليسوا على مذهبهم. هذا يحدث في سوريا اليوم على أيدي الإسلاميين، السوريون منهم والغرباء.
ما الفرق بين التطهير الذي ينفذه الإسلاميون من جهة وبين تهجير الفلسطينيين سنة 1948 من جهة ثانية ؟ الإجابة عندي لا يوجد فرق. هؤلاء أرادوا دولة ”يهودية” وأولئك يريدون دولة ”إسلامية”. الإسلاميون أخرجوا الدين من عالم الروح والأخلاق والتصعد نحو الكمال، واتخذوا منه معتقدا وضعيا. بمعنى أنهم علْمَنوا الدين. فصاروا ينظرون إلى من لا يشاركهم مفهوميتهم للدين، ويتبنى فهما مختلفا، على أنه كافر ومرتد، وإلى أتباع الديانات الأخرى على أنهم غرباء مشركين يدنسون أرض ”المسلمين” التي ادعوا أنهم أمناء عليها إلى يوم الدين، رقباء على الناس ”يأمرون بالمعروف” اعتمادا على فهمهم للمعروف، كوسيلة لخدمة مصالحهم ودعم سلطتهم على العباد !
أين يذهب الإنسان وزوجته والأولاد، إذا اُحرق المنزل وطردوا جميعا من بلدتهم أو من...
خليل قانصو


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)