لم تشهد مدينة تلمسان حديثا حفريات ولا تنقيب في ميدان العمران والآثار بالشكل والحجم الذي كان يفترض أن يكون في مدينة كلها آثار، ولذلك يعاني الباحثون من صعوبة التعامل مع المعطيات العمرانية والأثرية لعدم توفرها. وأمام هذه الندرة، يلجأ الباحث إلى دراسة المخطط العمراني والبنية الداخلية لمدينة تلمسان من خلال النصوص التاريخية التي تتناول جلها العهد الزياني، والمصنفات العامة والخاصة بتاريخ بني زيان وحضارتهم، وكذلك باللجوء إلى بعض الدراسات والأبحاث الميدانية الحديثة، على قلتها وندرتها وغموض بعضها.
ولا يسعنا في مثل هذه الحالة إلا أن ننبه إلى أن بعض المعلومات قد تكون تقريبية ولا سيما فيما يتعلق بتحديد أماكن الأحياء، والدروب والأزقة والقصور، التي وردت أسماؤها في هذه النصوص لاندثارها وزوال معالمها العمرانية، بسبب يد الإنسان وفعل الزمان الذي عبث بها.
لا تختلف تلمسان في تخطيطها عن المدن الإسلامية في المغرب والمشرق، فهي تحمل نفس الصفات العمرانية وتتسم ببنية داخلية مشابهة. تتميز المدينة الإسلامية عموما في بلاد المشرق والمغرب بسمات مشتركة، بغض النظر عن الخصوصيات التي تفرضها البيئة الطبيعية والتقاليد المحلية، لأن تشييد المدينة الإسلامية مرتبط بضوابط وشروط معمارية أساسية. ولم تخرج تلمسان عن هذا النمط، فوجدت بها تلك المعالم العمرانية الأساسية وعلى رأسها:
أولا: المسجد الجامع:
ويعتبر النواة الأولى للعمران، ويقع في وسط المدينة، وهو مكان لأداء فريضة الصلاة، ومقر لاجتماع سكان المدينة لتداول أمورهم الاجتماعية والاقتصادية وتعليم أبنائهم مختلف العلوم العقلية والنقلية.
ثانيا: القصبة:
وهي الحي الذي يسكنه الأمير، أو السلطان وأسرته وحاشيته وجنده، مكونة من مباني مخصصة لهذه الطبقة الاجتماعية المرموقة التي تتصدر الهرم الاجتماعي في المدينة وتتربع عليه ولها أبواب خاصة بها.
ثالثا: الأسوار:
تحيط هذه الأسوار بالمدينة، وتدور حولها من جميع الجهات وهي التي تفصلها عن البادية والحقول الزراعية وتحميها من الغزاة.
رابعا: الأبواب:
تتضمن أسوار المدينة عدة أبواب، تربطها بالبادية من عدة جهات وتراقب فيها حركة المتنقلين من التجار والقوافل التجارية. وجرت العادة عند المسلمين أن يؤسسوا أبوابا في اتجاه المدن الكبيرة سواء داخل القطر أو خارجه، ويسمونها في بعض الأحيان بأسماء هذه المدن، مثل باب ’’ فاس ’’ في تلمسان، التي تقع في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة.
خامسا: القيصارية أو السوق الكبير:
ينتشر فيها عدد كبير من المحلات والدكاكين التجارية المختلفة، تقع قرب المسجد الجامع، حتى يتمكن المصلون من اقتناء حاجتهم بعد الصلاة.
سادسا: وظيفة سكان المدن:
يشتغل أهل المدينة في غالب الأحيان بوظائف الدولة، ويرتكز معظم عملهم في المجال التجاري والحرفي ، وكذا الفضاء الثقافي والعلمي. ويمتلك أهل المدينة أراضي خارج أسوار المدينة يقومون بفلاحتها وتعود عليهم بمداخل معتبرة. وقد اجتمعت في تلمسان الخصائص الوظيفية التي تجعل منها مدينة كبرى وحاضرة عظمى، لا سيما وأنها شيدت لأغراض سياسية لتكون مقرا للحكم وقاعدة للدولة، وسوق تجاري هام، ومركز إداري معتبر 1.
سابعا: الطرق والأزقة والمنازل:
أما شبكة الطرق الداخلية والأزقة، وتخطيط مسالك المواصلات والدروب المخصصة للراجلين والعربات والحيوانات، فهي ترمي إلى ربط مركز المدينة بأحيائها من جهة، وتصل المدينة بالخارج من جهة ثانية عن طريق أبواب وضعت في الأسوار لتؤدي إلى اتجاهات مختلفة.
ويمتاز سكان المدينة بحرصهم على صيانة ديارهم وبنائها على نمط يصون حريمهم من العيون الخارجية، تمشيا مع القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد التي بنيت عليها الأسرة الحضرية الإسلامية. فهذه الضوابط والتصرفات العمرانية يتقيد بها نظام مسكن الحي في المدينة قصد توفير أسباب الحصانة والراحة للمقيمين بها. ويهدف المخطط العمراني لتلمسان أيضا إلى عزل المساكن، ووضعها بعيدا عن مسالك النقل الكبرى، حتى توفر لأصحابها مزيدا من الأمن والراحة . وهي ضوابط تفند ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن البناء في المدن الإسلامية يتميز بالعشوائية وعدم التماسك 2.
1 : محمد بن رمضان شاوش ، باقة السوسان في التعريف بحضرة تلمسان عاصمة دولة بني زيان، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1995، ص 189 وما بعدها.
2 : The world of Islam, New York, 1959, pp.22-23 . : Xavier de Plantho
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com