عندما أعلنت اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمعالجة القضية السورية عن مبادرتها المعروفة والمطروحة للتداول هذه الأيام، أعلنت السلطات السورية رفضها لمشروع الخطة جملة وتفصيلا، وبررت قرار الرفض بكون رئيس اللجنة قطري، وقطر ليست حيادية ولا محايدة، وبالتالي فهي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. بعدها بأقل من يوم، قالت الحكومة السورية بأنها تدرس الخطة المقترحة وستعلن عن موقفها منها في وقت لاحق، ثم شاع بعدها بأيام أن سوريا تقبل خطة المشروع لكنها تتحفظ على نقطتين من نقاطه، هما سحب الآليات العسكرية من المدن وإجراء الحوار بين السلطة ومعارضيها خارج الأراضي السورية.
لكن وفي اليوم المحدد كآخر أجل للرد على المبادرة، فاجأ رئيس اللجنة القطري جاسم بن حمد آل ثاني المتتبعين بأن سوريا قبلت دون شروط مبادرة الجامعة العربية، وهو ما اعتبره المراقبون أول ليونة تسجل في موقف النظام السوري من الأزمة منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية المعاشة. والسؤال المطروح الآن: لماذا رفضت سوريا المبادرة بصورة رسمية وعلنية، ثم مررت إشاعة رفض بعض نقاطها، ثم أعلنت رسميا عن قبولها كما هي ودون شروط أو تحفظ؟
التفسير الوحيد لما جرى هو التخبط وعدم وجود تصوّر جاهز وكامل ومتكامل وجاد للتعاطي مع الأزمة، على عكس الشهور السابقة من عمر الأزمة التي كانت تقول فيها الحكومة السورية، بأن الأمر يتعلق بمجموعات إرهابية مسلحة لا خيار للتعامل معها غير القوة، لذلك فقد اعتبرت أطراف عديدة في المعارضة السورية قرار قبول سلطات دمشق بمحتوى المبادرة العربية، بأنه اعتراف بها أي اعتراف بالمعارضة السورية، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن أسلوب التعاطي مع المعضلة قد تغير، وبالتالي فإن أساليب المعالجة قد تغيرت هي الأخرى.
وعليه فنحن بالضرورة أمام واقع جديد أفرزته التطورات الحاصلة على أرض الميدان، فهل الأمور تسير نحو تجاوز هذه، أم أن حدة الاحتقان الذي خلفه التطاحن قد أوصل الصراع إلى الدرجة التي لا يخرج فيها الحل عن نطاق الإزاحة الكلية لأحد طرفي معادلة الصراع؟
المؤكد أن سوريا بلد عربي في كل شيء، وإن كانت له خصوصيات معينة، فهي لا تختلف في الكثير من الأمور عن بقية البلدان العربية، خاصة ما تعلق بطبيعة نظام الحكم وتركيبته. وعليه، فالعاصفة التي تهز كيان هذا البلد لا تختلف عن العواصف التي سبق وهزت بعنف كلا من تونس ومصر وليبيا ومازالت تهز اليمن. هذه بديهيات ومعطيات يعرفها الرئيس الأسد وبقية رموز حكمه، معرفة جيدة، مثلما يعرفها جيدا كذلك داهية قطر جاسم بن حمد، وأمين عام جامعة الدول العربية، وما السعي لإيجاد حلول للمعضلة المعاشة سوى هروب من واقع أصبح كالقدر الذي لا مرد له.
لكن منطق لعل وعسى يفرض نفسه دائما في ظروف كالتي بلغتها الأنظمة العربية، هذا المنطق ـ منطق لعل وعسى ـ هو الذي يدفع الحالمين بإمكانية تحقيق المستحيل إلى طرح ما طرحوه، بالرغم من أنهم يعرفون معرفة يقينية أنهم لن يقدموا ولن يؤخروا في شيء، وليس مهما ـ بالنسبة لهم ـ إن تسببوا في إطالة عمر الأزمة. لا شك أن للدماء التي سالت في سوريا دورا في تحديد سقف الصراع إن كان سينتهي بتوافق بين طرفي المعضلة أم باندثار أحدهما، لكن خلفية المحافظة على القديم الذي هو قائم، والجديد الذي تسعى إليه المعارضة، يحصر الحل في نهاية واحدة هي رحيل القديم وحلول الجديد محله. وليس مهما هنا إن كانت النهاية المنتظرة على شاكلة ما آل إليه نظام القذافي، أو حلا آخر كالذي انتهى إليه نظام حسني مبارك أو بن علي أو صيغة أخرى لم نعرفها بعد.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/11/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: العربي زواق
المصدر : www.elkhabar.com