يحتفل سكان تلمسان كل عام بالمولد النبوي الشريف بطريقتهم الخاصة، تبدأ احتفالاتهم قبل المغرب لتتواصل عدة ليال متتالية، بالطبول والمدائح الدينية وقراءة القرآن وإشعال الشموع وتوزيع الحلويات والهدايا، بينما ترتدي النساء أجمل ثيابهن التقليدية، خاصة القفطان التلمساني، وأثمن الحلي ويخضبن أيديهن بالحنة.
تمتد هذه العادات في أعماق التاريخ، حيث تذكر الكتب أن ملوك المغرب والأندلس كانوا يحتفلون بالمولد النبوي، وأن الأمير أبا حمو موسى الثاني لم يتربع على عرش أجداده في تلمسان إلاّ عندما حانت ليلة المولد النبوي في عام 760هـ.
كان يحتفل بالمولد النبوي بطريقة متميزة بقصر المشور، وفي كل ليلة تنظم فيها قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نقل أبو العباس أحمد المقري في كتابه 'أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض' عن الحافظ التنسي صاحب كتاب 'راح الأرواح'، وصفا لإحدى ليالي الاحتفال بالمولد النبوي بتلمسان بقوله:
'إنه كان يقيم ليلة المولد النبوي على صاحبه عليه الصلاة والسلام بمشوره من تلمسان المحروسة مدعاة حفلة يحشر فيها الناس خاصة وعامة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، وبسط موشاة، ووسائد بالذهب مغشاة، وشمع كالأسطوانات، وموائد كالهالات، ومباخر صفر منصوبة كالقباب يخالها البصر من تبر مذاب، ويفاض الجميع أنواع الأطعمة كأنها أزهار الربيع المنمنة، تشتهيها الأنفس وتستلذ بها النواظر، ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال. وقد علت الجميع أبهة الوقار، وبعقب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومكفرات ترغب في الإقلاع عن الآثام، يخرجون فيها من فن إلى فن ومن أسلوب إلى أسلوب ويأتون من ذلك ما تطرب له النفوس وترتاح إلى سماعه القلوب. وبالقرب من السلطان رضوان الله عليه، خزانة المنجانة 1، وقد زخرفت كأنها حلة يمانية لها أبواب مركبة على عدد ساعات الليل الزمانية، فمهما مضت ساعة وقع النقر بقدر حسابها وفتح عند ذلك باب من أبوابها، وبرزت منه جارية صورت في أحسن صورة في يدها اليمنى رقعة مشتملة على نظم فيه تلك الساعة باسمها مسطورة، فتضعها بين يدي السلطان بلطافة ويداها على فمها كالمؤدية بالمبايعة حق الخلافة، هكذا حالهم إلى إنبلاح عمود الصباح ونداء المنادي حي على الفلاح'.
ويقول يحي بن خلدون، كاتب السلطان أبي حمو موسى الثاني ومؤرخ دولته، وهو شاهد عيان على الاحتفال بالمولد النبوي بالمشور؛ ما يلي: 'وأطلت ليلة المولد النبوي على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم فأقام لها بمشور داره العلية مدعى كريما وعرسا حافلة احتشد لها الأمم وحشر بها الأشراف والسوقة، فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ومشامع كأنها الأسطوانات القائمة على مراكز الصفر المموهة والخليفةّ [أبو حمو موسى الثاني أيّده الله، صدر مجلسها ممتطئا سرير ملكه، يسر الناظرين رواؤه، ويثلج الصدور عزة، وتحار في كمالات خلاله النهى، وحفا فيه ملأ التجلة من قومه، وأعيان الطبقات من أهل حضرة خلافته على مقاعد عينها الاختصاص، ورتب بعضها فوق بعض المناصب، تخالهم قطع الرياض النظرات، قد أغضى الجلال من أبصارهم وخفضت المهاية من أصواتهم فلا تبصر إلا جمالا ولا تسمع إلا همسا، يطوف عليهم ولدان أشعروا أقبية الخز الملون وبأيديهم مباخر ومرشات، يغيم دخان عبر تلك المفعم للأناف الجو، فتمطر هذه الحفل وابلا من ماء الورد المنسوبة إلى نصيبين ... وينشد خلال ذلك أمداح سيد الرسل وخاتم النبيّين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 2.
1 : المنجانة: آلة لرصد الوقت ذات شكل هندسي غريب بمشور تلمسان وهي من اختراع علي بن الفحام التلمساني في أوائل عام 760هـ وهي مأخوذة من اللغتين اليونانية والإيطالية ومعناها مصقلة نسج الأقمشة.
2 : أنظر: أحمد بن محمد المقري، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، ج8، القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1939، 1943 ص 243- 245. يحيى بن خلدون، بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، تحقيق ألفرد بال، ج2، الجزائر: 1911- 1913، ص 39.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 07/09/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : http://www.almasalik.com