بقلم: ياسر بودرع*عندما بدأت تجربة الكتابة وجدت نفسي أمام تحد مباشر مع الواقع المنافق وحتمية الاختيار بين مسايرته أو فضحه وكشف تناقضاته.. خلال هذه الفترة توصلت إلى قناعة أن ما يحصل في عالمنا وواقعنا ليس بالمعطى المسبق وإنما نحن من صنع كل هذه التناقضات في حياتنا فالأمر برمته متعلق بالإنسان منذ البداية وطريقة تعامله مع واقعه..في عالم الزيف جميعنا نشتكي غياب الحقيقة وننسى أننا من قام باغتيالها بطرق مختلفة وممنهجة فبعد أن قمنا بخلق جو لا نسمع فيه سوى الحديث عن حرية الرأي وتنوع وسائل الإعلام.. وفي وقت اقتنعنا أننا نعيش هذه الحرية وهذا التنوع نجد أن كثرة المعلومات لم تكن سوى وسيلة ذكية لقتل الحقيقة ونشر الزيف والتضليل! مفارقة أخرى تزيدني حيرة على حيرة عندما أجد أن الإعلام الكاذب يحوز على متابعة الجماهير الغفيرة حتى وهي تعلم بأنها تتابع نقيض الحقيقة! نحب أن نصف عالمنا بعالم الأقوياء وعالم الفوضى والمؤامرات رغم أننا لا نتوقف عن وضع القوانين التي كان يفترض بها أن تخلق لنا عالما أكثر تنظيما وأمانا ومساواة!! طبعا المشكلة ليست في القوانين بقدر ما هي مشكلة في من يسنها حيث يكون أول من يخرقها! هكذا أصبح القانون أشبه ما يكون بالخدعة التي يطبقها الأقوياء على البقية..الحديث عن القانون يقودنا للحديث عن الأخلاق ولا يكاد اثنان يختلفان على أننا نعيش زمن الانحطاط الأخلاقي بامتياز والثابت الذي لا يتغير هنا أننا السبب! فبمباركتنا كثيرون نالوا شرف لقب مثقف أو مفكر أو ناشط بينما لا يفعلون شيئا سوى هدم المجتمع والقضاء على آخر ما تبقى من أخلاقه! تلقين الرداءة في أيامنا هذه نطلق عليه (فن)! لهذا أصبح المصلح الاجتماعي عندنا كالفارس الذي يرتدي ذرعا براقة ويمتطي صهوة جواده الأصيل دون أن يصلح شيئا في زمن لم يعد يعترف بالفروسية والفرسان أصلا!! لهذا كله شبابنا تائه ضائع ومحبط ويعيش دون أمل يقتله الملل في عالم أنهكه بالملذات ثم يتركه للحسرات ومختلف الآفات... السمة الغالبة على علاقتنا ببعضنا البعض هي النزاع والخصومة والسبب واضح أننا نركز على الاختلافات الصغيرة بيننا ونستحضرها بينما لا نريد النظر في ما يجمعنا وما أكثر ما يجمعنا!!في السياسة نجد أن من أشهر المفاهيم في أيامنا هذه الديمقراطية والانتخابات ورأي الأغلبية والتداول على السلطة.. كثير من الدول تتبجح بهذه المفاهيم غير أن السيطرة فيها تكون للشركات الكبيرة ورجال المال والأعمال أما الشعوب فما عليها إلا السير في الخط الذي ثم تحديده مسبقا تماما كما يسير القطيع في الطريق الذي خطه الراعي! الديمقراطية ليست كما تبدو لكثيرين براقة ومثالية إذ لا أحد منا يستطيع أن ينفي ما تنطوي عليه من هراء وتناقضات وأتذكر أني في أحد الأيام قرأت مقالا في جريدة يتكلم عن الديمقراطية ويدافع عن رأي الأغلبية وفي اليوم ذاته قرأت هذه العبارة لجورج أورويل (لو صدق كل الناس هذا هل يجعله ذلك حقيقة ؟!) ويقصد أن الأغلبية لا تكون دائما على صواب! السياسة ليست بهذا القبح الذي تبدو عليه لكن السياسيين وأصحاب المصالح جعلوها تبدو كذلك في وقت كان يفترض بهم أن يعملوا على خدمة الشعب ومساعدة الفقراء وحل مشاكلهم جل ما يقومون به هو زيادة متاعبهم فبدلا من إيجاد الوظائف للشباب وتحقيق الرفاهية وتحسين الاقتصاد يفرضون إجراءات تقشفية ومزيدا من الضرائب طبعا هؤلاء يتخذون قراراتهم وهم على الأرائك متكئون!! لا أعرف إن لاحظ السياسيون أنهم يعيدون نفس الوعود على أسماعنا في كل موعد انتخابي! لكن ما لا أعرفه أيضا هو لماذا نهتم في كل مرة وكأنها أول مرة! ربما نحاول إيهام أنفسنا بأننا نملك فعلا حرية الاختيار!إن أصل كل هذه التناقضات التي خلقها الإنسان في حياته هو تناقضه مع ذاته ونفسه ولنأخذ على سبيل المثال مشكلتنا مع السعادة فلقد خلقنا الله عز وجل لنحيا في سعادة لكننا نحب أن نوجه دفة سفينتنا نحوى الألم الذي يطالبنا بالشعور به فتقتلنا اللحظات المؤلمة مرات ومرات قبل أن نموت! صرنا نهوى جلد الذات ولا نفرق بين ما ينفعنا وما يضرنا! حالنا كحال الفلاح الذي يدعو لأيام طويلة من أجل هطول المطر لكنه سيلعن الطين في اليوم التالي!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/01/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com