الجزائر

الإمام بين شَرَف الرّسالة وضُعف الأجرة



 خلق الله تعالى الخلق وجعل التّفاوت بينهم والتّنوّع في وظائفهم ورسائلهم في الحياة سُنَّة أبدية، الغاية منها التّكامل بين البشر والتّعاون على البّرّ والخير {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}.
وجعل الله المواهب بحسب الميولات والرّغبات، فهذا يصلح للقيادة والأخر للأعمال الحرّة وهذا طبيب وذاك إمام وهلم جرى، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ''اعملوا فكُلُّكُم مُيَسَّر لمَا خُلق له''، كلّ ذلك لتحقيق غاية الاستخلاف والتّعمير في الأرض الّتي من أجلها خُلق الإنسان، وكانت رأس الوظائف والرّسائل الحياتية وظيفة الأنبياء والمرسلين ومَن هُم على منابرهم وطريقتهم من العلماء والدعاة إلى الله سبحانه، ذلك أنّ دور الأنبياء ومَن هُم ورثتهم يكمن في تقريب الخلق إلى الخالق وتوضيح وتبيين طريق الوصول إليه وتحذيرهم من مخالفة أمره، قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشّرينَ وَمُنْذرينَ لَيلاَّ يَكُونَ للنَّاس عَلَى الله حُجَّة بَعْدَ الرُّسُل}، وهُم بذلك نالوا شرف الرّفعة والمنزلة عند الله في الدنيا وهم الشّفعاء يوم القيامة وقائدهم وإمامهم في ذلك كلُّه هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
إنّ وظيفة الإمام والواعظ هي من صُلب رسالة الأنبياء والمُرسلين، فشرَفُ هذه من تلك، فهم منارات السّالكين وأئمة المهتدين وملاذ الحائرين ومحابر المتعلّمين وخلاص المهمومين وقضاة المتخاصمين وحماة العقيدة والدّين من تحريف الغالين وإبطال المبطلين يفزع النّاس إليهم كلّ بحسب ما أصابه لتحقيق ما أراده... فهذا يريد توبة.. والأخر حُكمًا شرعيًا وذاك يلتمس دعاءً، فأيّ شرف أكبر من هذا، وأن يستمع إليك -أيّها الإمام- الحاكم والمحكوم العالم والمتعلم كأنّ على رؤوسهم الطير آخذين من القول أحسنه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً ممَّنْ دَعَا إلَى الله..}، يجعلك الأب وسيطًا بينه وبين ابنه والشّريك مع شريكه والمدير مع عُمّاله، أمّا إذا ترشّح المترشحون للمناصب والكراسي فأنتَ المطلوب والمحبوب فجوارك شَرَف وأيُّ شرف إذا قيل أنّ الإمام مع فلان فكُن كيّسًا فطنًا، أمّا إذا حَلّ بالبلدة إضراب وبالمسؤول احتجاج فأنتَ صمَّام الأمان ورَجُل الإطفاء، فكُن كذلك ولكن مَعَ الحق ومصلحة الجماعة والمجتمع فوق كلّ اعتبار، تعقد القران وترشد الحيران وتتوسّط للعاشق الولهان لينال ليلاه قبل أن يصاب بالجنون والهذيان، أمّا الموائد المزركشة بأطايب الطعام وشَتّى الألوان فذكاتها بحضورك أيُّها  الإمام، تتقدّم الجماعة بعد أن يُختار لك المكان أمام أشهى الطعام والدعاء بعد ذلك منك شرط حتّى ينتهي المقام. صحيحٌ أنّ أجرتك أيّها الإمام زهيدة، ولكن كُن على يقين أنّ أجْرَك عند الله عظيمٌ ومقامُك عند النّاس متين، يُسلّم عليك مَن تلقاه وباحترام وتلك منَّةٌ لا تشترى بمال، مع ما في (الزيارات والفاتحات والرقيات) من بركات وهي متفاوتة بحسب المقام وعادة أهل الزمان، ومع هذا نقول للقائمين على شؤون الإمام أن رافعوا من أجل الزيادة للإمام حتّى يقوى الإيمان مع الإتقان، فهُمْ بحق الشّريحة المنسية من الزيادات السّخية يا فخامة رئيس الجمهورية. وللسّادة الأئمة والدعاة نقول وهم أكبر من أن يرشدهم أدناهم علْمًا وخبرة، ولكن عذرنا أنّها ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين فنقول: إنّ الله قد اصطفاكم فجعلكم خُدّام بيوته والقائمين على شؤونه، فكونوا كذلك يُسَخّر الله لكُم مَن يخدمُكم، عليكم بتعليم ما تعلّمتموه ولا تكتموه بينكم من حلقات لتحفيظ القرآن الكريم إلى علوم الفقه واللغة والتّفسير ولا يهمّكم استجابة النّاس لذلك، فيكفيك ما قَلّ، وما على الرّسول إلاّ البلاغ، ثُمّ أنْصَحُ نفسي وإخواني بأن تَسَع صدورهم جميع المُصلّين وهم أشكال وألوان وكلّ يُغنّي بليلاه خصوصًا في أمور الدّين، فكونوا لهم آباءً يكونون لكم أبناءً.. وكونوا لهم أبناء يكونون لكم آباءً، واستعينوا بأهل الصّلاح والتّقوى منهم، ثُمّ اجعلوا من خدمة بيوت الله شرفًا لكُم أقامكم الله فيه، وقد قيل: (إذا أردتَ أنْ تَعْرف مَقَامَكَ عند الله فانْظُرْ فيمَا أَقَامَكَ).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)