شكّلت مصادر المياه الطبيعية عامل استقرار ونقطة جذب السكان بولايات الجنوب، فساعدت البدو الرحل على تربية مواشيهم على مرّ العصور، مثلما ساعدت من يمتهنون الفلاحة في هذه المناطق على سقي محاصيلهم والاعتناء بها، فازدهرت العِمارة والتجارة بالجنوب الكبير.ورثت المدن الحديثة في الجنوب هذه الميزة عن سابقاتها من المدن التاريخية، حيث بُنيت أغلبها على حواف الأودية التي دخلت في سُبات طويل نتيجة شُحّ المياه وتناقص معدّل التساقطات المطرية في العقود الأخيرة، يدفعها في ذلك، انفجار ديمغرافي كبير وظهور أقطاب عمرانية حديثة، واتساع رقعة المساحات المبنية على حساب الأودية والواحات والمناطق المحمية بموجب القانون.
خطر الأودية النائمة في ولايات الجنوب، وإن كان أقل تكراراً من نظيراتها بباقي ولايات الوطن، إلا أنه أشد خطورة وأكثر دماراً لأسباب عديدة تتعلّق كلها بالعامل البشري، منها جهل طوبوغرافيا الصحراء وعدم اعتماد بعض مكاتب الدراسات على دراسات تقنية معمّقة في إنجاز المشاريع الكبرى، واستناد هذه المكاتب على معايير غير دقيقة في اختيار الأرضية، ناهيك عن أن الأودية الكبرى في الجنوب ما تلبث أن تعود للنشاط مجدداً ولو بعد عقود من الزمن.
التوسّع العمراني الذي تشهده ولايات الجنوب بفضل برامج الإسكان الكبرى التي أقرّتها الدولة والطفرة التنموية التي تشهدها هذه المناطق، أدت إلى تآكل حواف الأودية، كما نتجت عنها آثار جانبية.
فقد أدت هذه المشاريع التنموية إلى ازدياد حجم مخلفات البناء والنفايات الهامدة الناتجة عن الورشات بشكل غير مسبوق، والتي يتمّ التخلّص منها في العادة في الأودية في غفلة من الإدارة وسلطات تطبيق القانون.
هذه المخلّفات، تقف عائقاً أمام حركة مياه الوادي التي تتدفّق من جديد بقوة، معيدةً رسم مساراته القديمة، ما يؤدي إلى جرف كل ما يقف في طريقها من أتربة ورمال وحتى بنايات إن وُجدت.
يظهر العامل البشري من جديد كسبب من أسباب تفاقم مخاطر الأودية النائمة في الجنوب، من خلال استهانة الانسان بخطورتها وعدم حمل مخاطرها على محمل الجد، وظهر ذلك جلياً في سهولة إجراءات منح البلديات لرخصة البناء، خاصة في الأودية والأماكن غير المخصّصة للعمران دون استشارة الجهات التقنية المختصة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى كوارث إيكولوجية عويصة واختلالات قد تنسف بالتوازن البيئي.
أقرّت الجزائر ترسانة من القوانين التي تضبط ملف البناء، فوضعت مجموعة من الضوابط والشروط والعقوبات للحيلولة دون استفحال الظاهرة ولحماية المواطنين وممتلكاتهم، إلى جانب ذلك، أصدرت الجزائر مجموعة قوانين بيئية لحماية الأودية من العبث، باعتبارها الحلقة الأضعف في النظام الإيكولوجي الهش، إلا أن هذه التشريعات، قوبلت بتراخي إداري وتساهل كبير مع المخالفين أدى الى إطلاق العنان لظهور سلوكيات سلبية، أبرزها ظاهرة اقتلاع الأتربة من الأودية لغرض البناء، وهي أسباب، من مجموعة أسباب أخرى كثيرة أدّت في محصّلتها ؤلى ثوران الأودية في الجنوب بشكل خطير تؤدي في الغالب إلى نتائج كارثية على العمران، وتكلّف خزينة الدولة أموالاً باهظة لتعويض المتضررين وترقيع ما يمكن ترقيعه.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : تندوف علي عويش
المصدر : www.ech-chaab.net