تتوفر إرادة سياسية لدفع فرنسا للاعتراف بجرائمها ولكن الظروف لا تسمح بتفعيلها تسليم مدفع في الذكرى الـ50 للاستقلال أعتبره نوعا من الاستهتار بقيم الشعوب
يرفض السعيد عبادو، أمين عام المنظمة الوطنية للمجاهدين، تحميل أبناء الحركى مسؤولية خيانة آبائهم، ولكن يطالبهم بالتصريح علنا بأن تعاونهم مع الاستعمار كان خيانة لا تغتفر. هذا الكلام موجه لعضو الحكومة الفرنسية، جانيت بوغراب التي تزور الجزائر حاليا. أما عن وزير الداخلية كلود غيان الذي قال إن الرئيس ساركوزي قلب صفحة الاعتذار ، فيقول عنه عبادو في مقابلة مع الخبر جرت بمقر المنظمة: الجزائريون لهم خبرة مع مراوغات المستعمرين .
قال وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان في تركيا الخميس الماضي، إن الرئيس نيكولا ساركوزي تلفظ بكلام قوي بخصوص استعمار الجزائر، أثناء زيارته للجزائر نهاية 2007، وقال أيضا إن ساركوزي قلب الصفحة بعد تصريحه. ما مدلول ما ذكره غيان بالنسبة لكم؟
..موضوع تجريم الاستعمار والاعتذار والتعويض واسترداد ما نهبه الاستعمار من بلادنا، أساسي وليس لأي كان أن يتنازل عنه ولا أن يستعمل كورقة بين بعض الدول، أقصد تركيا وفرنسا. فتركيا حرّة في سياستها ولكن موضوع الجزائر يهم أبناءها فقط. ومع ذلك أقول إننا نرحب بأي موقف يساند المطلب الجزائري المتعلق بالاعتذار عن جرائم الاستعمار، لأنه يتماشى مع التاريخ ولوائح الأمم المتحدة، زيادة على وجود سوابق في هذه القضية إذ الكثير من الدول حصلت على التعويض والاعتذار، فرنسا نفسها نالت ذلك من ألمانيا.
أما عن حديث غيان عن رئيسه، فقد قلنا لما صرّح ساركوزي في قسنطينة بأن الاستعمار ظالم، بأن ذلك تطور في مواقف فرنسا، ولكنه موقف محتشم وغير كاف. فقد كنا نتوقع أن تتبع ذلك مواقف شجاعة وصريحة واعتراف مكتوب رسمي بخصوص الاعتراف بالجرائم، ومحاكمة مرتكبيها. واتضح بأن تصريحات ساركوزي كانت ذرا للرماد في العيون، فالشعب الجزائري خبر هذا النوع من مراوغات المستعمرين، وعاشها أيام الاستعمار لذلك لا يمكن أن نغتر بها.
وإذا كان الفرنسيون يريدون طي صفحة الماضي للانطلاق في بناء علاقات تعاون حقيقية، لا يوجد طريق أسهل وأقصر لذلك إلا بأن يواجهوا الحقيقة كما هي، فنحن لن نقبل أبدا بأقل من الاعتراف بالجرائم والتعويض عنها وتسليم ما نهبه الاستعمار. أما هذا الأسلوب المعتمد من طرف أحفاد المستعمرين مثل تسليم مدفع في الذكرى الـ50 للاستقلال، فأعتبره نوعا من الاستهتار بقيم الشعوب ونضالها من أجل الحرية والاستقلال.
أليس تسليم جزء من أرشيف الثورة والتعهد بتعويض ضحايا التجارب النووية، التفاتة من فرنسا تعكس استعدادا رسميا بتحمل مسؤولية ماضيها الاستعماري بالجزائر؟
.. ربما هي التفاتة جريئة ولكنها جزئية ولا تفي بالغرض. نحن نريد خطوات مكتملة وحقيقية.
ألا تعتقدون بأن هذا الأمر مطروح بالجزائر أساسا، بمعنى لا توجد إرادة سياسية لتجريم فرنسا؟
..تتوفر إرادة سياسية حقيقية بالجزائر لدفع فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها، وهي ملموسة. ربما الظروف لا تسمح أحيانا لتفعيلها، وربما الظروف الصعبة التي تمر بها الجزائر تتسبب في تأخير وضعها حيز التنفيذ، ولكني لا أعتقد بأن هناك في الجزائر من يجرؤ على التنازل عن مطالبنا، أو بالأحرى لا يوجد من تسوّل له نفسه أن يطالب بالتنازل عنها.
إذن لا يمكن برأيكم إقامة علاقات طبيعية مع فرنسا في المستقبل؟
..لا يمكن إقامة تعاون وصداقة ما لم تتوفر الشروط التي ذكرتها. أما عن إمكانية وجود علاقات عادية فهذا أمر آخر.
توجد، حاليا بالجزائر، جانيت بوغراب، كاتبة دولة مكلفة بالشباب والحياة الجمعوية للحكومة الفرنسية.. والدها حركي كما تعلمون. هل لزيارتها دلالات معينة؟
l ..نلاحظ زيارات كثيرة لمسؤولين فرنسيين، الهدف منها تمهيد الأرضية للاستفادة من مشاريع اقتصادية ومكاسب مادية، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لفرنسا، فقد كانت الجزائر سوقا أساسية لبضائعها وترى بأنه من واجبها بذل مجهود للإبقاء على هذه السوق مفتوحة عليها، وهنا يحضرني بيت الشاعر العربي الذي ينطبق على الفرنسيين: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب.
تنادي بوغراب بمصالحة بين الجزائريين مهما كان تاريخهم، أليست هذه دعوة إلى الصفح عن الحركى؟
..لا يمكن أن نحمّل الأبناء وزر آبائهم، والمثال الشائع بالدارجة عندنا للتعبير عن ذلك هو: كل شاة تتعلق من كراعها، ولكن بشرط أن يعلنوا صراحة بأن ما فعله آباؤهم خيانة لا تغتفر. أما فيما يخص الآباء، فمن الضروري التذكير بأن الجزائر لم تحاكمهم على جرائمهم ولم ترتكب مجازر في حق الخونة بعد الاستقلال كما يدعي الفرنسيون، بل العكس فقد توجهت البلاد إلى مرحلة البناء والتشييد. ومع الأسف نلاحظ أن بعض العملاء استمروا في تآمرهم ضد الجزائر بعد الاستقلال، وحاولوا الانتقام من المجاهدين الذين كانوا متسامحين معهم أكثر من اللازم، والتاريخ يشهد على ذلك.
وهنا ينبغي أن نقارن بين موقف الفرنسيين من عملاء النازية من بني جلدتهم، وموقف الجزائريين من الخونة.. لم نسمع صوتا لعملاء النازية أو أبنائهم أو أحفادهم يدعو إلى الصفح عن المتعاونين من حكومة فيشي. وفي حدود علمنا تم الانتقام منهم ومحاكمتهم. والعكس تم مع المتعاونين ضد الجزائر، فقد شجعهم الاستعمار على تكوين جمعيات وحاول استخدامهم بطريقة أو أخرى ضد وطنهم، وأقام لهم معالم تاريخية ومؤسسات لذاكرة الخيانة، ولكن الفرنسيين لم يسمحوا بذلك لعملاء النازية وهذا تناقض كبير في سياسة فرنسا. أما نحن فلا نفرّق بين الاستعمار الذي فرضته النازية على الفرنسيين، والاستعمار الفرنسي الذي فرض علينا والاستعمار الإسرائيلي لفلسطين، ونتعجب كيف واصلت فرنسا استعمار الشعوب الأخرى بعدما ذاقت مرارة الاستعمار على يدي أدولف هتلر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/10/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: حاوره حميد يس
المصدر : www.elkhabar.com