هو الإمام الأوحد و العلم و المفرد، العارف بالله، و التقني الأواه، عالم الأمراء و أمير العلماء، الأمير الخطير السيد عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن علي بن أحمد بن عبد القوي بن خالد بن يوسف بن أحمد بن بشار بن أحمد بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبد القوي بن أحمد بن محمد بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، و أم الحسن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم.
ولد شهر في شهر رجب سنة 1222 في القيطنة، وهي قرية اختطها جده في إبالة وهران من أعمال الجزائر، و تربى في حجر والده إلى أن بلغ سن التمييز، فحفظ الكتاب العزيز في المدرسة التي أسسها والده في القيطنة، و تلقى بها بعض العلوم، و كانوالده كأسلافه من العلماء الأعلام الذين يرجع إليهم في مشكلاتالأحكام، ولما بلغ سنة أربع عشرة سنة سار إلى وهران لاستكمال فنون العلوم.
و في سنة 1241سافر والده منها برا إلى الحجاز على طريق مصر، وبعده أداء فريضة الحج قصدا المدينة المنورة لزيارة الحضرة الشريفة النبوية، ومنها توجه إلى دمشق صحبة الركب الشامي، ثم سافر إلى بغداد فزار حضرة القطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني، قدس الله سره العزيز، و آخذ كل منها الإجازة بالطريقة القادرية عن الشيخ محمود القادري نقيب الأشراف، و شيخ السجادة القادرية، ثم رجعا إلى دمشق، و منها عادا إلى الحجاز فحجا مرة ثانية، ثم رجعا إلى الوطن و ذلك سنة 1243و كان – طاب ثراه – في مدة سفره يتولى خدمة أبيه بنفسه مع كثرة الخدم الذين كانوا معهم.
و في سنة 1248 بايعه اهل الجزائر و ولوه القيام بأمرهمن وذلك بعد أن طلبوا مبايعة والده فاعتذر عن قبولها، فلما ألحوا عليه أشار عليهم بمبايعة ولده المشار إليه لما رأى منه من الكفاءة بما يتعلق بهذا الأمر الجللن ولما اشتمل عليه من الأوصاف الجميلة التي تجعل النفوس الأبية خاضعة له و منقادة إليه و صورة المبايعة مذكورة في كتاب "عقد الأجياد في الصافنات الجياد" لسعادة محمد باشا، فلما بايعوه قام الأمر في تلك الأقطار، وأحسن السياسية في رعيته مقتفيا آثار أسلافه السادة الأدراسة الذين كانوا ملوكا في المغرب الأقصى و الأوسط و الأندلس، فتمكن حبه في قلوبهم و بذلوا نفوسهم في طاعته و امتثال أمره، وفي مدة إمارته ضرب سكة نقود سماها المحمدية، وأنشأ معامل للأسلحة و الأدوات الحربية و ملابس للجند، وظهرت منه شجاعة خارقة للعادة، تحدث بها القاضي والدني، و دونها أصحاب التوراريخ، و كان يتقدم الجيش بنفسه و لا يبالي، و لما رأى أن الثبات لا سبيل إليه جنح إلى السلم، و فارض أعيان من كانوا معه في أن يتأمن دولة فرنسا لنفسه و أهله و من يتبعه من قومه على أن يحملوه إلى الأسكندرية أو عكا من أرض الشام، فوافقوه، على ذلك و في الحال خاير الجيش الفرنسوي فيما اتفقوا عليه شروط قررها له، فأجابه إلى ما طلبه و اشنرطه ثم تخصصوا له مركبا حربيا، و حملوه و من معه و كانوا ينفقون على ثمانين نفسا إلى طولون، و بعد ستة اشهر و لما أفضى أمر فرنسا إلى نابليون الثالث زار المير بها، و أظهر كل تجلة و إكرام، و أسف أسفا شديدا على تأخيره الوفاء بإنجاز الشروط إلى ذلك الوقت، و بعد أن بشره بالتسريح إلى بلاد الإسلام فرق على اتباعه عشرين ألف فرنك، و أهداه سيفا مرصعا، ورتب له في السنة خمسة عشر ألف غرنك، وأهداه سيفا مرصعا، ورتب له في السنة خمسة عشر ألف ليرة على أن تصرف له مشاهرة، ثم ركب الأمير و من معه مركبا حربيا و سافر إلى الإستانة العلية، فتلقاه بعض الوزراء على المينا، ومعهم العجلات السلطانية، والخيول الجياد، وذهبوا به إلى المابين الهمايوني، و تقابل مع حضرة السلطان عبد المجيد خان، فاحتفل به احتفالا عظيما، و عامله بما يليق بمثله، وأكرمه غاية الإكرام، وأنعم عليه بدار عظيمة في مدينة بروسة بما اشتملت عليه من الأثاث و الرياش فسكنها مع آله و حشمه، وأقبل على بث العلم و إفادة الناس.
و في سنة 1270 ذهب إلى الآستانة و منها إلى باريز، ثم رجع إلى بروسة، و حصل له في هذه الحركة إقبال عظيم و احتفال جسيم.
و في سنة 1271 عزم على مبارحة بروسة التوالي الزلازل الهائلة بها، فاختار الأقامة بدمشق، فأتى إليها فتلقاه أهلها باحتفال عظيم، و أنزلته الدولة العلية في أحسن دار.
و في سنة 1273 توجه لزيارة بيت المقدس و الخليل، ثم رجع إلى دمشق و أقبل على قراءة الكتب العلمية كالبخاري و المسلم، و كان قسم من دار الدار الحديث قد استولى عليه بعض الأجانب، فسعى في استخلاصه ببذل أموال طائلة.
و في سنة 1277 و قعت الواقعة المشهورة في ذلك التريخ فبذل الأمير جهده في إسعاف المسيحيين قياما بما يوجبه أمر الدين، ولشجاعته و حسن تدبيره قدس سره تيسر إنقاذ ألوف عديدة منهم، فأهدته الدولة العلية و سائر الدول العظام علامات الشرف من الدرجة الأولى ثم شافر إلى حمص و حماه فزار في حمص أسد الله سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عناه، ورجع إلى دمشق.
و في سنة 1279 قصد البلاد الحجازية، وأقام بها مدة سنة و نصف مقبلا بها على العبادة و الخلوة و الحج و الاعتمار، و حصل وحصل الله هناك فتح عظيم أشار إليه في قصيدته الرائية التي مطلعها:
أمسعود جاء السعد و الخير و السير
و ولت ليالي النحس ليس لها ذكر
و في سنة 1281 توجه إلى الآستانة لزيارة ساكن الجنان السلطان عبد العزيز خا، والسعي في اسعاف من نسبت إليهم الواقعة المنوه عنها، وتخفيف الجزاء فاجتمع به و أكرامه غاية الإكرام و أهداه الوسام العثماني من الدرجة الأولى، وهو أكبر و سام في ذلك العصر، و اسعفه بمطلوبه، ثم توجه منها إلى باريز للمقصد نفسه، فكان له الفضل في المسألة بداء و عودا.
و قد زاده حينئذ الامبرطور نابليون ثالث على مرتبة السابق ألفين و خمسمائة ليرة، وكان له فرط شغف به المكارم أخلاقهن ثم توجه من باريز إلى لندرا فاحتفلوا به غاية الاحتفال، ثم عاد إلى الشام، ومن ذلك الوقت قويت المناسبات بينه و بين ملوك أوروبا و الرؤساء المشهورين هناك، فكان ذلك و سيلة لقضاء حوائج المسلمين الذين هم في مستعمراتهم، وحصل لهم بذلك من المنافع ما لا يوصف.
و في سنة 1286 دعي إلى مصر احضور الاحتفال بافتتاح خليج السويس، الذي دعي إليه ملوك أوروبا و أمراؤها فذهب إليه ثم رجع إلى دمشق.
و في سنة 1288 ارسل نسخة من الفتوحات المكية مع عالمين جليلين إلى قونية لمقابلتها و تصحيحها على نسخة موجودة هناك بخط مؤلفها الشيخ الأكبر القدس الله سره و بعد تصحيحها بكل انفاق قرأها على بعض الخواص من العلماء، فحصل لهم بذلك نفع عظيم.
و في منتصف ليلة السبت التاسع عشر من شهر رجب الفرد سنة 1300 انتقل هذا الأمير الجليل إلى رجمة الله تعالى في قصره الكائن قرب قردية دمر، التي تبعد عن دمشق مسافة ساعة بعد أن مرض نحو خمسة و عشرين يوما، وكان مشتغلا بالمراقبة و الذكر، و لم تبد منه شكوى،و إنما كانت تلوح عليه سيماء الاستبشار بلقاء الله تعالى و الرضى بأحكامه ، وقد تولى غسله و تكفينه نزيلة الشيخ عبد الرحمن عليش، أحد علماء الأزهر، و حمل نعشه على أكتاف الرجال الأماجد إلى الجامع الأموي، وبعد الصلاة عليه شيعه أهل دمشق بغاية الاحتفال و التعظيم، ولم يزاولوا سائرين بجنازته و عليها من الهيبة و الوقار ما تخخشع له القلوب، و تشخص له الأبصار إلى أن أوصلوه إلى حجرة الشيخ الأكبر، فدفن بها في جواره، ورجع الناس متأسفين على فراقة لمحاسن أوصافه و مكارم أخلافه.
و قد خلف رحمه الله عشر من البنين: أكبرهم الأمير محمد، و يليه الأمير محي الدين ، والأمير الهاشمي، و الأمير إبراهيم، و الأمير عبد الله، و الأمير علي، و الأمير عمر، و الأمير عبد المالك، والأمير عبد الرزاقن و خلف أيضا ستا من البنات، وزوجة، وأربع أمهات أولاد.
و قد كان طيب الله ثراه مربوع القامة، معتدل الجسم، أبيض اللون، أسود الشعر كث اللحية، أقنى الأنف، أضبط "أي يعمل بيساره جميع ما يعمله بيمينه" اسهل العينين، يمشي الهوينا، وكانت له مبرات كثيرة، من جملتها أنه كان يوزع و كان خرجه أكثر من دخله، الوافر، حيث توفي و عليه ديون اقتضت بيع بعض أملاكه لوفائها، وهذا أكبر دليل على وفور كرمهن وكان يعظم اهل العلمن حسن المسامرة لطيف المعاشرة، لا يرد سائلا و لا يخيب قاصدا، و كانت رسائل تترى إلى سائر الجهات بحيث لو جمعت لبلغت عدة مجلدات، لا ينسى أحد من الذين تعودوا إحسامهن ولم يكن عنده شيء من الكبر الذي تنزهت عنه نفسه المطمئنة، ولا يتأنق في الملابس و المطاعم لتحقيقه بالزهد والتواضع و عدم النظر إلى زينة الحياة الدنيا، وله رحمه الله خلوة بمنزله في قرية أشرفية صحنايا كان يوزع مئتي ليرة في كل شهر على العلماء و الفقراء فضلا عما كان ينفقه في وجوه البر يتحنت بها شهر رمضان مع العزلة التامة، وكان مدة عمره يتعبد على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وكان يتنافس بزيارة، الفضلاء، ويتمثل بأشعار الأدباء و كانت تاتي إليه من كل فج، و يكافىء عليها بالجوائز العظيمة، حتى جمع له من القصائد التي مدح بها في حياته ديوان ضخم، ورثاه الشعراء البلغاء بأبكار أفكارهم.
و له أحسن الله إليه تآليف مفيدة: أشهرها المواقف في التصوف، وتعليق على حاشية لأحد أجداده في علم الكلام، و المقراض الحاد، والرسالة المسماة "ذكرى الغافل"، ومن اطلع على هاته المؤلفاعرف قدر فضله وسعة علمه، و كانت له سليقة جيدة في نظم القريض، و كان يتمثل في المعارك ببيت من القصيدة الحماسية المشهورة:
و من عادة السادات بالجيش تحتمي
و بي يحتمي جيشي و تحرس أبطالي
هذه لمعة من ترجمة من ترجمة حياة هذا الأمير الشهير مأخوذة عن أوثق المصادرن وقد جمع له طاب ثراه ترجمة عظيمة في نحو مجلدين ضخمين، قدس الله تعالى سره، و أغدق عليه سحائب الرضوان و المبرة، و بجاه جده خاتم الرسل الكرام عليه و عليهم أفضل الصلاة واتم السلام اهـ. ملخصا من ترجمته على ظهر كتابه المطبوع "ذكرى العاقل و تنبيه الغافل".
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف