الجزائر

الأقنعة الخفية في رواية «حريم الفرطاس» لرياض وطار



رواية " حريم الفرطاس" لرياض وطار الصادرة عن دار المثقف للنشر والتوزيع بباتنة تحاول إماطة اللثام عن فترة ابتليت بها الجزائر وهي الحرب الداخلية أو كما صار يطلق عليها " العشرية الحمراء". الرواية تحمل الكثير من الأقنعة المتعددة وهذا النص يغوص – فنيا – بداخل هذه الخفايا؛ المرعبة. خفايا وجوه الدمار المادي و الروحي.الشخوص تهرب من هويتها لتدخل بين تلافيف خفايا الذات. تقول لنفسها وهي تتألم" اسمي كرستينا. " هذه هي الهوية المتشظية... هويتها. فيسأل بعفوية ومتسلحا بنوع من بطولة " كريستينا هو اسمك إذن؟ " تعلق ليس بمواربة بل بصفاقة " نعم إن لم يكن لديك مانع!" هي، ذات مدمرة من الداخل لأن الدمار لحقها رغم المكابرة. ثم تسيح الرواية في محاورة حول الوضع العام وبعيدا كثيرا عن اهتمامات الشباب لما يلتقي بعضه. حوارات عامة كما تلك التي نجدها في جلسات المواطنين المكتوين بالغلاء بالاستبداد بتكالب الذين فوق -طبعا– على الريع. ثم هي نجدها تزوغ متحججة بأختها وبأن الخطيب – الوقور افتراضا – لا يريد لها صداقات مع الجنس المغاير. هنا تأخذ الأقنعة الوجه المألوف أي النفاق الاجتماعي. ذلك لأن المواضعات الاجتماعية هي لدينا غير سليمة بالمرة وهي أحد وجوه الأقنعة التي تؤسس للتيمة وإن كان من خلال المحاورة وليس السرد أو تيار الوعي مثلا.
وهل يوجد صدق؟ طبعا يوجد ولكنه ذلك الصدق الفني وليس الواقعي. صدق روائي يمتح من وجوه عديدة تلبس الأقنعة صباحا مساءً ودون ذرة من حياء. كرستينا هذه، ذلك لأنها – وهذا جيد – تبعد عن النمطية التي نجدها لدى بعض شخوص روايات مكرسة وغير مكرسة أقصد بهذا التعريف كتابها وليس مواضيعها أو جدتها أو فرادتها أو ضعفها.وموضوعنا هو ما يتركه العنف وما يتركه الدمار من ندوب جاعلة ضحاياها تختفي وراء (قناع ما) ولِيَكُن؛ فهو مشروع ذلك لأننا أمام ضحية. ولسنا أمام بطلة. كلا كريستينا هذه ليست بطلة. أجل، هي ذات شخصية من الهشاشة بمكان. وبقدر أيضا. أو بصورة أوضح بمقدار.
« في تلك الليلة التي رافق فيها صديقه إلى الملهى لم يكن يتوقع إنها ستكون ليلة ليست ككل الليالي التي قضاها مترددا على الملهى (هو ابن إمام!) ... وبعد أن تمعن فيها طويلا تفاجأ بكون الفتاة التي كانت تضحك بشكل مرتفع ما هي في الحقيقة إلا الفتاة التي أنقذها في الصباح من الغرق"
وهي في الحقيقة غريقة، ولا نجاة لها. وكل الذي كانت تعلنه ما هو سوى أحد وجوه الأقنعة التي لا تلبسها بل تتمترس بها. والسؤال الذي يُطرح هو: لماذا لا تكون واضحة وتعلن بأنها ضحية؟ أجل كل تيمة النص هو هذا. لا تستطيع لأنها تحيا في مجتمع يتصف بكثير من الملامح الغير واضحة فلتكن هي غير واضحة ومقنّعة. وقد قذف بها نحوها الدمار دمار العشرية الحمراء. وهو الذي لم يقم (يعود الكلام عن الشخصية الذكورية)، بأي شيء أو أمر سوى حركة إنسانية بحتة (الإنقاذ) قد وجد نفسه بداخل العالم الذي خلقه الدمار الذي أحرق الأخضر واليابس وترك الجروح العميقة في الذوات الفردية والجَمَعِية أيضا... هذا الشاب لا يلتفت بعيدا بل" – هل كنت تكلمني؟!– نعم سألتك ما الذي وقع لك حيث كنت تكلم نفسك وكأنني غير موجود!– لا شيء سوى أنني أدركت اليوم كم أنني ساذج وغبي، – لماذا تصف نفسك بهذا الوصف؟! لشيء واحد هو أنني صدقت ما لم يكن من المفروض أن أصدقه، وهنا روى له ما وقع له بالضبط. حينما انتهى من قصته كانت فتاة الهوى قد نهضت من عند زبونها وذهبت باتجاه مرحاض النساء. هنا قفز زبير من مكانه ليلتحق بها."
إنه انكشاف ما تخفيه الأقنعة... ولكن إلى حد الآن الحقائق دون سمات. فقط حركات، إشارات، استنتاجات.... وتحديدا في حيز ذاتي أي دون وضوح تام للرؤية. والنص ينفتح على رحبات تعطي مجالات التأويل. أي ارتسام العلامات. زبير، هذا صار مندغما بالموضوع. زبير باحث عن سر ربما يراه يمتاز بالأهمية. زبير انخرط في عالمها أي هذه التي تدعى كرستينا وهي ليست كذلك بالفعل بل من خلال ما يومئ به القناع المتمترسة خلفه وبه ومعه. ثم، هو طرد بعيدا ذاك الغباء الذي أعطته له حياة صديقة فهو ابن إمام وأيضا متصالح مع ذاته؛ ولكنه بإغراء ما دخل النهر وصار يسبح فوجد نفسه في الضفة الأخرى. فقفز قفزة طائرة كما حارس مرمى مدافعا عن عرينه وهو بالنسبة إليه ذلك السر سرها. ومع ذلك فهو يتبع علامة دالة على متغيرها النفسي حيث هي وليست هي. في نفس الآن. ودخل المعترك فلنترقب ما يحصل " .... أخبرته أيضا أن اسمها الحقيقي هو حورية..." هي علامة دالة على أن ما كانت تتخبى وراءه لا يزيد على أنه قناع وحقيقتها دونه هي ليست تلك: كرستينا بل الحاضرة في الواقع: حورية. إذن، الإيهام في السرد يتطابق مع المروي به ويجعل المتخيل مجسدا كما وأنه الشرط الإنساني في وضعه الموضوعي والاجتماعي وحتى الذاتي." سأجد لك عملا محترما.... وبيتا...... تأوين إليه" موقف إنساني، عفوي الخطاب كما طفل يغني ويريد لأغنيته أن يفهمها السامع. بالضبط. لأنه يُطرح السؤال: ما الدافع تحديدا. هل الإنسانية والسلوك الأسري الذي تربت فيه وعليه الشخصية هو الدافع أم الإعجاب الجواني...؟؟؟ وربما هناك أسئلة أخرى وذلك سعيا منا كقراء أن نضع العلامة الدالة في مكانها السليم ولا أقول الصحيح لأن الفن بمجمله إيهام بالحقيقة وهو ليس بالحقيقة أبدا هو فن وهنا فن سردي.
وفي النهاية زبير يصف الحالة التي آلت إليها وقد التجأت للمقدس كتطهير.
ثم، نجد النص يفقد البعض من توازنه بالانتقالات من خلال أحداثه الجانبية أساسا. وصولا إلى تورط زبير في الإرهاب. هنا العلامة تؤسس لخطابها المباشر بإعطائها المجال لشخوص هي من الهشاشة بمكان.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)