الجزائر

الأضرار السياسية والأضرار الصحية 18 / 02 / 1960



الأضرار السياسية والأضرار الصحية 18 / 02 / 1960
هذا المقال تعليق من صحيفة "لوبسيرفاتور" عن القنبلة الفرنسية ويعالج فيه الكاتب الأضرار السياسية التي لحقت فرنسا من جراء هذه القنبلة ويقارنها بالأضرار الصحية التي لا تعد شيئا على الشعوب الإفريقية وهذا ماجاء في المقال:

إن تجربة القنبلة الذرية الفرنسية لا تكفي لحمل الدو الحليفة لها على أن تطلعها على الأسرار الذرية التي أحيطت في الولايات المتحدة الأمريكية بسياج قوي من قانون (ماكمهون) خاصة أنه لا توجد في الوقت الحاضر أية علامة تدل على أن هذا القانون سيكون مرنا أو أن تغييره سيكون سهلا.

أما في مقابل ذلك فإن تجربة هذه القنبلة قد أثارت في العالم كله وخاصة في إفريقيا موجة عظيمة من الإستنكار لا يمكن أن تجعل تحسين الوضعية الخارجية بالنسبة لفرنسا شيئا سهلا وقد كان رد الفعل الذي قام به المغرب وغانا على هذه التجربة حادا جدا.

إن الإتحاد السوفياتي الذي أوقف تجاربه الذرية لا يمكنه إلا أن يصف التجربة الفرنسية بأنها (مؤسفة) ولكن خروتشيف الذي أدلى بنفسه بهذه الكلمة لم يتسطع أن يقول أكثر منها لأنه يستعد لزيارة باريس بعد شهر واحد على أن تحرز رئيس الحكومة الروسية لم يمنع إذاعة موسكو من أن تكون باللغة العربية قاسية عنيفة بصورة تكفي لاستغلالها كما يجب في بلدان الشرق الأوسط. ومما لا شك فيه أن القنبلة الفرنسية لا تشكل أي خطر بالنسبة لقادة روسيا بل بالعكس بإمكان هذه التجربة أن تصلح لهم في إفساد العلاقات بين فرنسا وحلفائها كما دلت على ذلك تعاليق واشنطن خاصة أن الأمريكان كانوا قبل هذه التجربة يشعرون بالإستياء من سياسة الجنرال ديغول التي تريد أن تستقل فرنسا بها عن سياسة الحلفاء في الحلف الأطلسي وهم الآن مقتنعون أكثر من أي وقت مضى أن القنبلة الفرنسية ستزيد من غرور فرنسا كما تزيد في الصعوبات القائمة داخل الحلف الأطلسي وكل ذلك لا يمكن أن تنظر إليه روسيا إلا بعين الإغتباط.

هذا وحسب ما أفاد به مراسلنا من ألمانيا فإن بون ترى في التجربة الفرنسية وفي نجاحها نجاحا لأوروبا وهذا عنصر آخر يجعل روسيا تتوقع ـ بعين الرضا ـ أن يزداد السخط عند الدول الأوروبية ضد بعض التدابير التي اتخذتها أمريكا دون أن تستشير تلك الدول في حين أن هذا التدابير تتعلق بصفة مباشرة بشؤون الدول الأوروبية المذكورة.

أما بالنسبة لمجلس النواب الأمريكي فإن التجربة الفرنسية ستصلح له عذرا آخر لكي لا يوافق على إعانة فرنسا في تحقيق تسليحها الذري ولكن ألا يوشك كل ذلك أن يقود إلى خلق (قوة ثالثة) في أوروبا؟ وأما بريطانيا التي تتمتع وحدها بالأسرار الذرية فإنه حسب ما أفادنا مراسلنا الخاص لا تنوي أن تتقاسم مع فرنسا هذا الإمتياز الذي تتمتع به وحدها.

ولكن الموقف الظاهر الآن في باريس هو عبارة عن تجديد وتأكيد لموقف طالما ألحت عليه الحكومة الفرنسية وهو أنه من العبث أن نطلب من الدول أن تمتنع من إجراء التجارب الذري وأن نسمح لها في الوقت نفسه أن تحتفظ بما صنعته من قنابل لأن ذلك معناه في الواقع أن تستمر كل من روسيا وأمريكا وبريطانيا على صنع القنابل الذرية في حين أن فرنسا محتاجة لإجراء تجاربها الذرية حتى تتم وسائل صنعها كما يجب.

وإذا كانت القنبلة الفرنسية قد تسببت في أضرار سياسة جدية لفرنسا ـ كما رأينا فيما تقدم ـ فإنها لم تحدث أي أضرار صحية لشعوب إفريقيا والتي يحاول قادة هذه القارة أن يصوروها.

إن الأضرار الحقيقية التي أحدثتها هذه القنبلة هي أنها ركزت المعارضة والعداوة الإفريقية ضد فرنسا لقد كان من الأفضل لفرنسا أن تراعي مصلحتها السياسية في الخارج وأن تمتنع من إجراء هذه التجربة وأن تتولى هي زعامة الحركة القائمة في العالم التي تعمل من أجل نزع السلاح كما أن مصلحة فرنسا من الناحية الإقتصادية كانت تقتضي أن تركز جهودها في الصناعة الذرية لا في القنابل الذرية.

إن الثمن الذي دفعناه في هذه القنبلة ـ ونعني الثمن السياسي وحده ـ فاحش جدا ونحن ندفعه في سبيل حلم مزيف من العظمة الخيالية التي لا تتناسب مع إمكانيات فرنسا ولا مع مصالحها.

إذن هل نفهم أن تجربة هذه القنبلة كان لها هدف آخر؟ وهو التلويح بها أمام أنظار الجيش الفرنسي وإعطائه الأمل بأنه لا يستطيع أن يكون قوة ذرية يستطيع بها أن يقوم بالتنازلات الضرورية والتي ستطلب منه بشأن الجزائر؟

إنه كثيرا ما سبق لنا أن أعلنا عن موقفنا بوضوح من هذه القضية ولكننا نحب اليوم أن نقول للفرنسيين أنه يجب أن ينظروا أمامهم إلى الواقع كما هو بدلا من أن يتركوا أنفسم مخدرين بجمال الألوان التي تتصاعد من دخان القنبلة المشحونة بالسموم.

إن الإنفجارات الذرية قد بلغت عددا كبيرا وفي فترات الحرب أو الإضراب يبدو المجرمون أقل خطورة من غيرهم وأنا أحب أن نتصور لحظة لو أن حكومتنا بعد أن توصلت إلى صنع القنبلة أو بعد أن اقتنع العالم بأنها قادرة على صنعها ثم بعد ذلك تعلن أنها تعدل عن صنعها وعن تفجيرها وأنها بدل من ذلك قررت أن تقود الحملة القائمة في العالم ضد التسلح الذري ـ كيف كان يعلو شأنها وسمعتها الحقيقية على أن هذا المجد مايزال حتى الآن من الممكن أن تحققه ولكن بشرط أن ننشط في فرضه فرضا على حكومتنا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)