الأثر المادي للذاكرة في الدماغ

"إننا واثقون إذن، بأن في الدماغ مسلك مادي للذاكرة"، يؤكد سيرج لاروش (Serge Laroche)، من مخبر البَيُولُوجْيا العَصَبِيَّة للتَعَلُّم والذاكرة والاتصال من جامعة باريس جنوبParis-Sud، هذه النتائج جاءت تتويجا لمجهود فريق دولي من اختصاصات متعددة ، وبتنسيق من شينا جوسلين Sheena Josselyn من جامعة تورنتوToronto [1]. "لحد الساعة لدينا نظريات وتصورات ذات صلة بموضوع الأثر المادي للذاكرة، ولكن ليس لدينا دليل صريح" يضيف سيرج لاروش. ومنذ سنوات 1940 ومع ظهور أعمال عالم النفس الكندي دونالد هيب Donald Hebb نعرف أن الذكريات تشفر في دماغنا على هيئة موزعة داخل شبكة من الخلايا العصبية، ومع نهاية سنوات 1950 ظهر الدليل بأن مناطق محددة في الدماغ لها دور المفتاح في عملية الحفظ mémorisation وبالأخص في التخزين المؤقت court terme للذكريات، ومن هذه البنى الدماغية منطقة الحصين hippocampe التي تقع في الجزء الداخلي من الفص الجداري، حيث قوة الربط بين الخلايا العصبية تتغير بسرعة (وهو ما يمكن وصفه ب"المرونة المَشْبَكِيّة")، وتَمَّ تتوِّيج اكتشاف هذه الظاهرة بتحصل علماء البَيُولُوجْيا العَصَبِيَّة اريك كاندل Eric Kandel و ارفيد كارلوسن Arvid Carlsson وبول غرينغارد Paul Greengard على جائزة نوبل لعام 2000: والظاهرة تتمثل في تسهيل التخزين السريع للمعلومات دون أن تتيح استقرارها الدائم. لقد تطلب الأمر سنوات إضافية من البحث لفهم أن مسارات الحفظ الدائم تستدعي حوارا بين الحصين والمناطق القشرية في الدماغ. لكن هل يمكن، على وجه الدقة، تحديد معلومة محزنة في الذاكرة الدائمة؟ منذ سنوات 1990، ومع تطور التصوير الطبي للدماغ، بدأ الأمل يكبر من أن هذا الحلم القديم أصبح في متناول المختصين، لكن بمقاربة مغايرة تماما استطعنا أن نصل إلى الهدف المنشود. "كنا نسعى إلى وضع الأصبع على الطريق المادي (الفيزيائي)، العصبي للذاكرة، لأجل ذلك اخترنا الطريقة الأسهل: إلغاؤها"، يوضح برينو بونتنبي Bruno Bontempi، من مركز العلوم العصبية التكاملية والمعرفية بمدينة بوردو، الذي قام بتنسيق الدراسة في شقها المتصل بـ"التصوير الطبي الدماغي"، وفعلا، استطاع أن يبرهن بالتجريب، وللمرة الأولى، أنه باستطاعتنا أن نحدد مسبقا شبكة من الخلايا العصبية، قد تكون هي الأثر في حفظ الذكريات، ثم نعمل على محو هذا الأثر بقتل الخلايا المعنية. والذاكرة الدائمة، وعلى وجه أخص ذاكرة الخوف مشفرة بشكل جيِّد بدارة عصبونية فزيائية.