الجزائر

اعترافات قاتل إقتصادي 32



اعترافات قاتل إقتصادي 32
اعترافات قاتل إقتصادي كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية.يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية.
وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
لحسن الحظِّ أنها أبقتْ عينيها في فنجان قهوتها حين أجابتْ، “بالتظاهر أمام مكاتب إحدى شركات النفط – أُكسِدَنْتَل، على ما أظن. كان يحتجُّ – هو ومجموعةٌ من أصدقائه – على أعمال الحفر في أراض وطنية داخل غاباتِ قبيلةٍ يتهددها الانقراض. هاجمهم الجيش، وضربهم، وألقى بهم في الحبس – ليس لقيامهم بعمل غير قانوني، انتبه، فقط للوقوف خارج تلك العمارة والتلويح بلافتاتٍ والإنشاد.” ثم ألقت نظرة خارج نافذةٍ قريبة قبل أن تقول، “حبسوه لستة أشهر، تقريبا. لم يُخبرنا قطُّ بما حدث هناك. لكنه حين خرج كان شخصاً مُختلفا.”
كان هذا هو الحديثَ الأولَ من أحاديثَ كثيرةٍ مع بولا؛ واليوم أعلمُ أن تلك المناقشاتِ فتحت المجالَ لما تبعها. تمزقتْ نفسي؛ لكنني كنت لا أزال محكوماً لمحفظة نقودي ولنقاط الضعف التي تعرّفتْ عليها وكالةُ الأمن القومي حين حددتْ شخصيتي قبل عقد من الزمن، عام 1968. أما بولا، فقد ساعدتني على طريق الخلاص بإجباري على رؤية ذلك وعلى مواجهة الشعور العميق وراء انبهاري بالقراصنة والمتمردين.
إلى جانب معضلاتي الشخصية، ساعدتني الأوقاتُ التي قضيتُها في كولُمبيا على فهم الفرق بين الجمهورية الأمريكية القديمة والإمبراطورية العالمية الجديدة. فالجمهوريةُ كانت تحملُ الأمل للعالم، لقيامها على أسس أخلاقية وفلسفية لا مادية، ولاستنادها إلى أفكار المساواة والعدالة للجميع. كان يُمكنُ أنْ تكونَ عملية، لا مجرّدَ حلم خياليٍّ، بل كيانا حيوياً كريما. كان يُمكنُ أن تفتح ذراعيها ملاذاً للمسحوقين. كان يُمكنُ أنْ تغدو مطمحاً وفي الوقت ذاته قوةً يُركنُ إليها، إذا استطاعت حقيقةً أنْ تتحرّك للعمل، كما فعلتْ في الحرب العالمية الثانية، للدفاع عن المبادئ التي قامت عليها. والمؤسسات ذاتُها – الشركاتُ الكبرى، والبنوك، ونظام الإدارة الحكومية – تلك التي تُهدد الجمهورية كان يُمكن استخدامُها للقيام بتغيير أساسيٍّ في العالم. وهذه المؤسسات تملك شبكات الاتصالات وأنظمة المواصلات اللازمة للقضاء على المرض، والمجاعة، وحتى الحروب – إذا أمكن إقناعُها أن تسلك هذا المسلك.
لكنّ الإمبراطوريةَ العالميةَ، بالمقابل، هي خصمُ الجمهورية. ذلك أنها كيانٌ دائرٌ حول نفسه، خادمٌ لنفسه، نظامٌ ماديٌّ يعتمدُ على مبدأ التجارة. وكحال الإمبراطوريات السالفة، لا تنفتحُ ذراعاها إلا لتكديس الثروة، واقتناصِ ما تقع عليه عينُها لحشو بطنها الذي لا يشبع، وتستخدم كلَّ وسيلةٍ تراها ضرورية لمساعدة حكامها على اكتساب المزيد من القوة والثروة.
وللإلمام بهذا الفرق، طبعا، قمتُ أيضاً بتنمية فهم أوضحَ لدوري. كانت كلودين حذرتني؛ وقد حددتْ لي بأمانةٍ ما كان متوقعاً مني إنْ أنا قبلتُ الوظيفة التي عرضتْها عليّ شركةُ مين. إلا أن الفهم الأعمق للمعنى المقصود اقتضى مني خبرة العمل في بلاد كإندونيسيا وإيرانَ وكولُمبيا. كذلك اقتضى الصبرَ، والمحبَّةَ، والقصصَ الشخصيةَ لدى امرأةٍ مثل بولا.
كنتُ موالياً للجمهورية الأمريكية؛ لكنّ ما كنا نرتكبه من خلال هذا الشكل البارع للإمبريالية كان المعادلَ الماليَّ لما حاولنا تحقيقه عسكريا في فيتنام. فإن كان جنوبُ شرق آسيا علّمنا أن للجيوش حدودا، فقد ردّ الاقتصاديون بوضع خطةٍ أفضل، وأصبحت وكالاتُ المساعدة الخارجية خبيرةً في تنفيذ تلك الخطة، وكذلك المقاولون الخاصون الذين كانوا يخدمونها (أو بتعبير أصحَّ، الذين كانت تخدمهم.)
كنتُ أرى في البلاد الواقعة في القارات جميعا كيف أنّ الرجال والنساء العاملين لدى الشركات الأمريكية – بالرغم من أنها ليست جزءاً من شبكة القتلة الاقتصاديين – كانوا يُشاركون فيما هو أشدُّ أذىً من أي شيءٍ ورد في نظريات المؤامرة. وكحال الكثيرين من مهندسي شركة مين، كان هؤلاء العمالُ غير قادرين على رؤية تبعات أعمالهم، وكانوا مُقتنعين بأن دكاكين الكدح والمصانعَ التي تصنع الأحذيةَ وقطعَ المحركات لشركاتهم إنما تساعد الفقراء على الانعتاق من فقرهم، بدل دفنهم أعمقَ في شكل من العبودية تذكِّرنا بإقطاعيات العصور الوسطى ومزارع الجنوب. وكحال مظاهر الاستغلال القديمة، لقد دُجِّنَ العبيدُ المُحْدَثون بحيث يظنون أنهم أحسنُ حالا من أولئك البشر الذين كانوا يعيشون على هامش الحياة، في الخبايا المظلمة في أوربا، أو في غابات أفريقيا، أو في براري الحدود الأمريكية.
لقد بات الصراعُ ما بين وجوب بقائي في شركة مين أو تركي لها معركةً مفتوحة. لم يكنْ ثمة من شكٍّ في أنّ ضميري كان يطلبُ الخروج، لكنّ الجانبَ الآخر، ذلك الذي كنتُ أحبُّ اعتباره الشخص الذي أنتجته مدرسةُ الأعمال، لم يكن متأكدا تماما. وقد استمرت إمبراطوريتي الخاصةُ في التوسع؛ فقد أضفتُ موظفين، وبلاداً، وأسهما إلى حقائبي الاستثمارية وإلى غروري. وبالإضافة إلى إغواء المال وأسلوب الحياة، وعلوِّ شأني، غالباً ما كنتُ أتذكر تحذير كلودين لي من أنني إنْ دخلتُ فلن أستطيع الخروج.
كانت بولا، بطبيعة الحال، تسخر من كل هذا. “ما الذي ستعرفه؟”
أشرتُ إلى أن كلودين كانت محقة في كثير من الأشياء.
“كان ذلك منذ زمن بعيد. الحياةُ تتغير. على أيِّ حال، ما الفرق؟ لستَ سعيدا بحالك. ما الذي تستطيعُ كلودين أو غيرُها أن تفعل أسوأ من هذا؟”
كانت تلك لازمةً تُكرِّرُها بولا، حتى وافقتُ أخيرا. اعترفتُ لها ولنفسي أن المال والمغامرات والحياة الفاتنة جميعاً لم تعد تُبرِّرُ اضطرابٍي وشعوري بالذنب والضيق. كشريك في مين، أصبحتُ ثريا، وكنتُ أعلمُ أنني إن بقيتُ مدةً أطول، فسوف أقع في الفخِّ إلى الأبد.
ذات يوم، بينما كنا نتمشّى على الشاطئ بالقرب من القلعة الإسبانية القديمة في قرطاجنّة، وهو مكان كان عرضة لغزواتٍ لا حصر لها من القراصنة، اقترحتْ بولا وسيلة لم تخطر ببالي من قبل. سألتْ، “ماذا لو أنك لا تقول شيئاً عما تعرف؟”
“تعنين ... أن ألتزم الصمت؟”
“بالضبط. لا تُعطهم سببا لملاحقتك. بل أعطهم كل سبب لتركك وحدك، فلا يُعكِّرون صفو مائك.”
كانت فكرةً معقولة جدا – عجبتُ لمَ لمْ تخطرْ ببالي من قبلُ قط. لن أكتبَ كتبا أو أفعل شيئاً لإفشاء الحقيقة كما اطلعتُ عليها. لن أكون مُجاهدا؛ بل سأكون مجرّد امرئٍ همُّه الاستمتاعُ بحياته، والسفرُ طلبا للمتعة، وربما أبدأ في تأسيس أسرة مع امرأةٍ مثل بولا. لقد أصابني ما يكفي. بكل بساطة أريد أنْ أخرج.
قالت بولا، “كلُّ ما علَّمتْك إياه كلودين إنما هو خداع. حياتُك كذبة.” ثم ضحكت بلطف متسائلة، “هل اطلعتَ على ملخَّصِ سيرتك حديثا؟”
اعترفتُ بأنني لم أفعل.
فقالت، “افعل. لقد قرأتُ النص الإسباني ذلك اليوم. فإذا كان كالإنكليزي، أظنك ستجده مثيرا.”

* “فارك” اختصار لاسم القوات المسلحة الثورية لكولُمبيا، وهي الأحرف الأولى (FARC) لاسم هذه المنظمة باللغة الإسبانية (Fuerzas Armadas Revolucionarias de Colombia). وهي منظمة ثورية مقاتلة تعتنق الفكر الماركسي اللينيني، أُسست في ستينات القرن العشرين لمقاومة الهيمنة الأمريكية في كولمبيا. أما منظمة “م-19” (M-19) فهي أيضا الأحرف الأولى من اسمها الإسباني (Movimiento 19 de Abril)، وتعني حركة 19 نيسان. كانت منظمةً مقاتلة قبل تحولها إلى حزب سياسي، فتغير اسمها إلى “التحالف الديمقراطي م-19” (Alianza Democr'tica M-19) أو (AD/M-19). وعقيدتها خليط من التوجه القومي والشعبي والاشتراكية الثورية. [المترجم].

الإمبراطوريةَ العالميةَ هي خصمُ الجمهورية. ذلك أنها كيانٌ دائرٌ حول نفسه، خادمٌ لنفسه، نظامٌ ماديٌّ يعتمدُ على مبدأ التجارة. وكحال الإمبراطوريات السالفة، لا تنفتحُ ذراعاها إلا لتكديس الثروة، واقتناصِ ما تقع عليه عينُها لحشو بطنها الذي لا يشبع، وتستخدم كلَّ وسيلةٍ تراها ضرورية لمساعدة حكامها على اكتساب المزيد من القوة والثروة.
الفصل الثالث والعشرون
ملخّص السيرة الخادع
حين كنتُ في كولُمبيا جاءنا خبرُ تقاعد جيك دوبر كرئيس لشركة مين. وكما كان متوقعاً، قام رئيسُ مجلس الإدارة والمديرُ التنفيذيُّ الأعلى، مَك هول، بتعيين برونو خلفاً لدوبر. كانت خطوطُ الهاتف بين بوسطن وبَرانكِلاّ مشغولة بشكل جنوني. وإذ كنتُ واحداً من أكثر المقربين لبرونو والحائزين على ثقته، توقع الجميعُ لي أيضا أن أنال ترقية.
كانت هذه التغييراتُ والإشاعاتُ حوافزَ إضافيةً لي لمراجعة وضعي الخاص. وبينما كنتُ لا أزالُ في كولُمبيا، اتّبعتُ نصيحةَ بولا بقراءة النص الإسباني لملخص سيرتي. ولقد صدمتني. حين عدتُ إلى بوسطن، أخرجتُ الأصل الإنكليزيَّ ونسخة شهر تشرين الثاني 1978 من مينلاينز، مجلة الشركة؛ وكان في هذا العدد ذكرٌ لي في مقالة بعنوان “المختصون يُقدِّمون لعملاء مين خدماتٍ جديدة”. (ص 157 و158.)
كنتُ ذات يوم فخوراً جداً بتلك السيرة وتلك المقالة. أما الآن، حين رأيتهما كما فعلتْ بولا، شعرتُ بغضب عارم واكتئاب. فقد انطوتْ مادةُ هاتين الوثيقتين على خداع، إن لم يكن على أكاذيب. وكانت هاتان الوثيقتان تحملان أهميةً أعمقَ، وحقيقةً تعكسُ أزماننا وتصلُ إلى صميم مسيرتنا الحالية نحو الإمبراطورية العالمية: لقد لخصتا مخططا محسوباً بحيث يُقدِّمُ مظاهر ويُخفي الحقيقة الكامنةَ وراءها. وبطريقةٍ غريبةٍ، كانتا ترمزان إلى قصة حياتي: طبقة لامعة خارجية تُغطي سطحاً خشنا.
وبطبيعة الحال، لم يُسعدني كثيراً أنْ أعرفَ أنّ عليّ أن أتحمّلَ كثيراً من المسؤولية لما تضمنه ملخّصُ سيرتي. فحسب الإجراءات العملية المتبعة، كان مطلوبا مني أن أُحدِّثَ بصورةٍ دائمةٍٍ ملخصَ السيرةِ الأساسيَّ وملفاً يحتوي على معلومات احتياطية ذات صلة عن العملاء الذين يتلقون خدماتنا ونوعَ العمل المُنجَز. فلو أن شخصاً تسويقياً أو مدير مشروع أراد أنْ يُضمِّنني في عرض ما أو أن يستخدم أوراق اعتمادي بطريقة أخرى، فبإمكانه استعمالُ هذه المعطيات الأساسية بطريقة تعزز حاجاته الخاصة.
مَثَلُ ذلك أنه قد يختارُ ذلك الشخصُ أنْ يُلقي الضوء على خبرتي في الشرق الأوسط، أو في تقديمه عرضاً أمام البنك الدولي ومنابر أخرى متعددة الجنسية. عندئذٍ، يُفترض به أنْ يحصل على موافقتي قبل نشر الملخّص المُراجَع. لكنْ، لما كنتُ أسافرُ كثيرا، كما يفعل الكثيرون من موظفي مين، كانت هناك استثناءاتٌ متكررة. وهكذا، فإن الملخص الذي اقترحتْ بولا أن أطَّلع عليه وعلى نصه الإنكليزي المقابل كانا عليَّ جديدين تماما، بالرغم من وجود المعلومات في ملفي.

.. يتبع


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)