يعرف قطاع الرياضة استنزافا متواصلا للإطارات الجزائرية، وكأن القضية لا تعني أحدا، فمثلما هو الحال بالنسبة للقطاعات الأخرى، التي شهدت هجرة الكفاءات الجزائرية، إلى أوروبا وأمريكا الشمالية للعمل والعيش فيها، شهد قطاع الرياضة، في الأعوام الماضية، هجرة جماعية ومتزايدة للمدربين الجزائريين، إلى الخارج، وسط صمت غير مبرر للوزارة.شكل الاحتقار والإقصاء العاملين الأبرز في معادلة هجرة الإطارات الجزائرية، التي فضلت وضع تجربتها ومعارفها العلمية في خدمة بلدان أخرى، أغلبها تنتمي إلى الخليج العربي، وسط صمت غير مبرر للوزارة، التي لم تعد تتأخر عن منح تراخيص للإطارات التي تلقت تكوينا مجانا في أكبر المعاهد الرياضية في الجزائر، للعمل في الخارج، وكأن الرياضة الجزائرية توجد في أفضل أحوالها وليست بحاجة إلى أبنائها للقفز بها إلى ما هو أفضل.
وليس سرا التأكيد أن الأموال تظل العنصر المتغير الرئيسي في معادلة خيارات المدربين الجزائريين، فالعروض المغرية، التي لا تحل كل ليلة في أحلام المدربين، توفر لهم أموالا كبيرة في الخارج، كما تشكل بالنسبة لهؤلاء استثمارا مربحا على المدى البعيد، وغالبا ما تشكل العلاقات، التي ينسجها المدربون المحظوظون، الذين اختاروا طريق الخارج لمواصلة مهنة التدريب، منذ سنوات، النواة الأولى لترتيب خطط التنقل إلى الخارج، حيث يلعب هؤلاء دورا في تسهيل انتقال قوافل أخرى من زملائهم للعمل في المهجر، في غياب إستراتيجية شفافة للوزارة، التي تظل تتفرج على النزيف ولم يعد الاحتفاظ بالكفاءات الجزائرية واحدا من أولوياتها من خلال غلقها الباب أمام أفضل المدربين وإحجامها عن تقديم لهم حوافز، إلى درجة الاعتقاد أن الوزارة تشجع على تصدير الإطارات والدفع بها إلى الهجرة وليس على الإبقاء عليها في الجزائر للاستفادة من خبرتها، في ضوء تراجع النتائج الفنية للمشاركة الجزائرية في مختلف المحافل الدولية والقارية والإقليمية.
ولم تعد طلبات البلدان الأجنبية ولاسيما العربية منها تقتصر على اختصاص واحد، وهو كرة القدم، بعد المشاركتين المتتاليتين للجزائر في دورتي كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا والمكسيك، بل تجاوزه إلى أكثر من اختصاص، وتحولت رياضات، مثل ألعاب القوى والجيدو والملاكمة وركوب الدراجات، وكرة اليد والسباحة وبدرجة أقل الرياضات الأخرى، إلى اختصاصات لا تعرف تراجعا في الطلب عليها، ولا تتردد دولة مثل قطر في منح أجور خيالية، إلى المدربين، مقابل الإشراف على تكوين الرياضيين القطريين، الذين أحدثوا مفاجأة كبيرة عندما حلوا في مركز أفضل من الجزائريين في ترتيب توزيع الميداليات في الألعاب العربية الأخيرة، التي احتضنتها العاصمة القطرية (الدوحة)، وانتقلت عدوى الهجرة، إلى الأطباء الأخصائيين في الرياضة، وصار المستشفى الشهير، “أسبيطار” في قطر وجهة مفضلة للأطباء الجزائريين، الذين حصلوا على عقود عمل مشرفة، تسيل اللعاب، وأصبح هذا المستشفى، الذي يتمتع بسمعة كبيرة في قارة آسيا، يوظف العديد من الأطباء الجزائريين، ممن يشهد لهم بالكفاءة العالية في الطب الرياضي، ويتدافع الأطباء الجزائريون للانتقال للعمل فيه، ومنهم من ينتظر دوره في الوقت الراهن للحاق بزملائه.
أجور خيالية تسيل اللعاب
لا توجد دولة تستطيع منافسة قطر في استقطاب المدربين الأجانب، ويدخل المدربون الجزائريون ضمن الإستراتيجية العامة للدولة الخليجية، التي عمدت في الأعوام الماضية، إلى إحداث ثورة في رياضتها، مثلما تفعل في السياسة الخارجية، التي أصبحت قطر دولة مؤثرة فيها، وتريد قطر تصدر أكبر الأحداث الرياضية العالمية، ففازت بتنظيم مونديال كرة اليد (2015) ومونديال كرة القدم (2022)، وهما موعدان كبيران ويعرفان رواجا كبيرا، مثلما تستثمر قطر في توظيف أفضل المدربين، ولا تبالي أحيانا بالمبالغ التي تدفعها مقابل الحصول على خدمات أفضل التقنيين، وتعرف قطر حضورا مميزا للمدربين الجزائريين في أغلب الاختصاصات، وأيضا في الطب الرياضي، وتدفع لهم أجورا مشجعة، لا تقبل التفكير فيها قبل الموافقة عليها، وأيضا حوافز اجتماعية أخرى، لا يستطيع أي مدرب رفضها، خاصة إذا كان في بداية مشواره المهني. وتحتكر قطر سوق تحويلات المدربين الجزائريين، ويدرب فيها أفضل الإطارات، خاصة في كرة اليد، التي تعتبر الجزائر رائدة فيها، مثلما هو الأمر بالنسبة للمدربين عقاب وبودرالي وحروش وكافي وعواشرية قبل أن يعود هذا الأخير إلى فرنسا، ويدرب آخرون في السعودية، والأمر يتعلق بالمدربين حجازي ومادون، كما يدرب مولاي وجنيح في الكويت، وفي الجيدو، يبرز اسمان قويان، وهما بوحدو وشعلال، وهما المدربان اللذان كان لهما الفضل في الميداليتين اللتين توجت بهما الجزائر، في أولمبياد بكين (2008)، بفضل المصارعين صورية حداد، وعمار بن يخلف، وفي الملاكمة، يبرز اسم لزرق الذي يوجد في قطر، وهو مدرب معروف أجرى دراسته في كوبا وتصدر قائمة الفائزين في الدراسات العليا في كوبا، إلا أنه واجه التهميش في الجزائر عند عودته إليها، ما اضطره إلى حزم أمتعته للتنقل إلى الخارج، وفي السباحة، فإن قصة المدربين الجزائريين مثيرة للدهشة، فبمجرد أن حصل مدرب معروف على عقد عمل في قطر، لجأ إلى تحويل العديد من زملائه إلى طاقمه.
وتقول مصادر متابعة لتجربة المدربين الجزائريين، إن أجور هؤلاء في بلدان الخليج، تتراوح ما بين 5 و10 آلاف دولار شهريا، وهو راتب هام، خاصة إذا علمنا أن هذه البلدان تمنح أيضا امتيازات مغرية أخرى للمدربين، ولا تتردد في وضع سيارات رباعية الدفع تحت تصرف هؤلاء وشقق وأحيانا فيلات مؤثثة، إلى جانب تذاكر للسفر مجانا تمنح لهم على مدار السنة، كما يستفيد المدربون الجزائريون من جوائز مالية أخرى في حال الفوز بالميداليات والألقاب في المواعيد الدولية الرسمية، على غرار اللاعبين، وفي غالب الأحيان، يطلب من المدربين الجزائريين تمديد عقودهم بعد الانطباع الجيد الذي يتركونه في الأندية والمنتخبات.
فوضى الهجرة تستدعي تدخلا حاسما
لم يكن أحد يتصور أن بعض المدربين الجزائريين، الذين اختاروا مواصلة مشوارهم المهني في الخارج، يستمرون في تسلم رواتبهم الشهرية في الجزائر، بصورة مخالفة للقانون، مستفيدين من غطاء، تكتمت عليه الوزارة لمدة طويلة، قبل أن تنتشر الفضيحة، ولم يعد معه ممكنا مواصلة التستر عليها، وإذا كان من حق أي مدرب خوض تجربة في الخارج، مثلما هو الحال بالنسبة لأي لاعب يريد الاحتراف أو أي مهندس أو أي طبيب، فإن الهجرة المتزايدة للمدربين، أصبحت مصدر قلق وهاجس، يستدعيان تدخلا حاسما من السلطات العمومية، ليس لوقفها كليا بل للحد منها وضبطها، والواقع، أنه في حال مواصلة الوزارة تجاهلها للمشكلة، فإن القطاع الرياضي، سيكون مهددا بفقدان أفضل إطاراته في الأعوام القادمة، ومعه سيستعصي على مسؤولي القطاع احتواء النزيف، خاصة وأن الرياضة الجزائرية، لم تعد تنجب أبطالا مميزين بوسعهم الاحتفاظ بمستواهم لمدة طويلة، وحين تستيقظ الوزارة من نومها، وقتها لن يكون أي أحد بحاجة إلى سماع لغة الخشب وتسويق الشعبوية، للقول حينها إن الجزائر بحاجة إلى كل أبنائها لأن الرسالة ستكون واضحة للجميع، وتتعلق بعدم وجود أي مسؤول رسمي سواء في السلطة أو في المعارضة يولي اهتماما بمستوى الرياضة أو يغار عليها أو حتى يتمتع ببعد نظر، ولا غرابة إن اتضح أن حتى المسؤولين ينتظرون دورهم للحاق بالمدربين في قطر ويستعدون لحزم أمتعتهم للسفر بمجرد تلقيهم إشارة من الدوحة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/10/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : هارون شربال
المصدر : www.elkhabar.com