أمر الله تعالى عباده بالحلال ونهاهم عن الحرام وحذّرهم من الشّيطان الّذي يسعى جهده لجرِّهم إلى المكاسب الخبيثة، ويُزيّن لهم المُتشابه ليجاوز بهم إلى الحرام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} البقرة:168.نهى الدّين الإسلامي أتباعه المؤمنين عن أكل الحرام، سواء أكان أموالاً وحقوقًا للنّاس أو طعامًا حرّم الله تناوله، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:188، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ”هذا في الرّجل يكون عليه مالٌ وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وقد علم أنّه آثم، آكل حرام”.
ولقد تساهل كثير من النّاس في أكل المال الحرام؛ قال النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: ”ليأتينَّ على النّاس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخذَ المالَ: أمِنَ الحلال أم من الحرام” رواه البخاري.
وتتعدّد صور أكل الحرام والعياذ بالله، ومن أعظمها وأشدّها أكل أموال اليتامى ظُلمًا، وقد حرّم الله ذلك أشدّ التّحريم فقال سبحانه وتعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} النّساء:6.
وممّا يشيب له الولدان التّرهيب الشّديد الّذي أتى بعد ذلك لمَن أكل مال اليتيم ظُلمًا، قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} النّساء:10. ولأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحرص النّاس على الخير لأمّته، ودرأ الشرّ عنها، فقد حذّر من أكل الحرام، ومنه أكل مال اليتيم: ”اجتنبوا السّبع الموبقات” وذكر منها: ”أكل مال اليتيم” رواه البخاري ومسلم.
ومن صور الحرام الّتي استهان كثير من النّاس بها وتجرّأوا عليها، أكل الرِّبا الّذي حرّمه الله ورسوله، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة:275. وقال ناهيًا عن أكل الرِّبا ومحذّرًا من عقوبته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} البقرة:278-279.
وآكِل الحرام يُعرِّض نفسه للعقوبة في الدّنيا ويوم القيامة، ففي الدّنيا قد تكون العقوبة خسارةً في ماله أو مَحْقٌ إلهيٌّ للمال الّذي اكتسبه، ونَزْع البركة منه، أو مصيبةً في جسده؛ قال تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} البقرة:276. وأمّا في الآخِرة، فعن كعب بن عَجْرَة أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: ”يا كعبُ، لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ إلاَّ كانت النّار أوْلى به” رواه الترمذي.
ومن عقوبة أكِل المال الحرام أيضًا حِرمان إجابةِ الدُّعاء وقبول العبادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”يا أيّها النّاس، إنَّ الله طيّبٌ، لا يَقبل إلاّ طيِّبًا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين؛ فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} المؤمنون:51، وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة:172، ثمَّ ذكر الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبر، يمد يديه إلى السّماء: يا ربّ، يا ربّ، ومَطْعَمه حرامٌ، ومَشْرَبه حرامٌ، ومَلْبَسه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُسْتَجَابُ لذلك” رواه مسلم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/03/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الحكيم قماز
المصدر : www.elkhabar.com