الجزائر

استراتيجية التعاون الأمني المغاربي الجزائر تحرص على تفادي إفرازات اللااستقرار



يعد التنسيق الأمني المغاربي من التحديات التي توليها الجزائر أهمية خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، حيث تعد من الدول السباقة في الاتحاد إلى دعوة الدول المغاربية لتعزيز استراتيجية التعاون في هذا المجال، لاسيما بعد التطورات التي عرفتها بعض دول الجوار على ضوء ما يسمى بثورات "الربيع العربي".والواقع أن دعوات الجزائر لضمان هذا التنسيق لم تكن وليدة اليوم وهي التي عانت من ويلات الإرهاب خلال العشرية الماضية، حيث لم تتردد في التحذير من مخاطر هذه الآفة، إذ يتحين الإرهابيون الظروف المناسبة من أجل تنفيذ مخططاتهم.
وبلا شك فإن حالات اللااستقرار التي أفرزتها أزمات بعض دول الجوار قد شجعت على تنامي هذه الظاهرة
وظواهر أخرى لها ارتباط وثيق بالإرهاب كما هو الشأن للتهريب والجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات، الأمر الذي دفع بالجزائر في عدة مناسبات إلى دعوة الدول المغاربية للعمل معا من أجل تحسين أمن الحدود والتي كان آخرها دعوة الوزير الأول السيد عبد المالك سلال خلال زيارته لولاية تندوف للعمل في هذا الاتجاه لاسيما التهريب الذي وصل إلى درجة مقلقة جدا، كون الأموال التي يجمعها المهربون تستغل مثلا في شراء "المخدرات لتسويقها في الجزائر".
وما ظاهرة التهريب إلا مثال بسيط أمام المخاطر التي تحدق بالمنطقة المغاربية المهددة في كل لحظة بإفراز حالة من اللااستقرار التي تعرفها منطقة الساحل مثلا والتي كانت تداعياتها متجلية من خلال الاعتداء الذي استهدف المنشأة الغازية بتيقنتورين بعد أن ثبت دخول الإرهابيين من بعض دول الجوار، وقبلها تفشي ظاهرة انتشار الأسلحة غير الشرعية إثر سقوط نظام القذافي والتي وقعت بين أيدي الإرهابيين بمالي.
وكثيرا ما أكدت الجزائر أن التنسيق الأمني بين الدول المغاربية يشكل خطوة أولى قبل أي اندماج اقتصادي، مما دفعها إلى المبادرة باقتراح عقد لقاءات أمنية تسمح بتوحيد المواقف بشأن كافة التهديدات. ولذلك كانت اجتماعات وزراء خارجية دول المغرب العربي فرصة للتشاور ووضع الخطط المشتركة بين دول الاتحاد لمواجهة التحديات الأمنية لمحاربة الإرهاب وتجارة المخدرات والأسلحة وغيرها. انطلاقا من أن هذه التحديات تشكل اليوم هاجسا أساسيا ليس فقط للاتحاد المغاربي بل لكل دول العالم.
ومن هذا الباب، سعت الجزائر إلى توحيد مواقف الدول المغاربية إزاء هذه التهديدات التي بدأت تتزايد في منطقة الساحل منذ الثورة في ليبيا بسبب انتشار السلاح وكذا بعد سيطرة حركة تحرير الأزواد وثلاث مجموعات متطرفة هي حركة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على إقليم شمال مالي.
وعلى ضوء ذلك، دعت الجزائر إلى ضرورة تضافر الجهود لإقامة تعاون مغاربي فعال في المجال الأمني وفق قناعة أن مسألة استتباب الأمن في المنطقة هي مسألة الجميع وتستلزم تضافر الجهود لإقامته، كون توفير الأمن والسكينة هما أحسن ضمان للاستقرار الذي يرتكز عليه تطور المجتمعات المغاربية والعامل المهيئ لشروط التنمية في المنطقة. إذ ترى الجزائر أنه من الأهمية بمكان إرساء مواقف موحدة واستراتيجية مشتركة على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف للتصدي لجميع المخاطر التي تهدد أمن واستقرار وسلامة الدول المغاربية.
وأفضت دعوات الجزائر بهذا الخصوص إلى تبني مقاربة أمنية لمواجهة التهديدات المحدقة بها، تجسدت ملامحها خلال اجتماع الجزائر المنعقد في جويلية 2012 المخصص لبحث إشكالية الأمن، حيث سمح بتحديد استراتيجية أمنية مغاربية شاملة لمواجهة مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر والهجرة غير الشرعية ومجابهة التنظيمات الإجرامية.
وقد أطلق هذا المسعى ديناميكية أعطت نتائج إيجابية ومشجعة توجت باجتماع وزراء الشؤون الدينية والأوقاف المنعقد في شهر سبتمبر 2012 بنواقشوط والذي أفضى إلى وضع تصور موحد لمحاربة التطرف والتعصب والغلو.
كما سجل تحرك ملموس من قبل الجزائر من أجل تفعيل القرارات التي تمخضت عنها الاجتماعات من خلال عقد لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول المغاربية، ولا أدل على ذلك من الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى لمسؤولي دول الاتحاد من أجل تنسيق الجهود الأمنية، مع رفع درجة اليقظة على مستوى الحدود لمنع أية محاولة تسلل للإرهابيين، حيث أشارت تقارير إلى رصد قوات الأمن نشاطات لإرهابيين على الحدود الشرقية.
وتحرص الجزائر، من جانبها، على تضييق الخناق على هذه النشاطات تجنبا لحدوث الأسوأ وهي التي تدرك خطورة آفة الإرهاب، مثلما تحرص كذلك على ضمان استقرار دول الجوار وفق قناعة ضرورة إطفاء لهيب النار التي قد تمتد ألسنتها إلى دول الجوار الأخرى وهو ما يتجلى في مواقفها التي تميل دوما نحو الخيارات السلمية في معالجة القضايا.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)