إنني أطالب وبأقوى الكلمات، المشتغلين بالعمل السياسي في مصر بكل اتجاهاتهم، والمثقفين والمفكرين بكل مدارسهم، وقبيلة الإعلاميين بكل بطونها وعشائرها، كما أطالب المبدعين من مؤلفي الأغاني والملحنين والمطربين.. أطالب الجميع بأن يتوقفوا فورا عن وصف قناة السويس الجديدة بأنها مشروع قومي، مستندا في ذلك إلى أن فكرة القومية فكرة سيئة السيرة. هي مشروع جاد وعملاق بالفعل، وليس في حاجة لنلصق به صفة ربما تقودنا إلى إفساده. لقد عذب أصحاب البرامج أنفسهم كما عذبونا لشرح جوانب القومية في المشروع، ولم أفهم منهم جميعا شيئا، غير أن المحطات عرضت فيلم رسومات إيضاحية يتسم بالبساطة والقوة والتواضع، استطعت أن أفهم منه الحد الأدنى للمشروع وهو ”إنشاء قناة سويس موازية” تكفل مرور قوافل السفن من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال، بغير عقبات وبغير ضياع وقت. هذا هو المشروع في حده الأدنى. أحد زعماء النازية وأعتقد أنه ”هملر” له جملة شهيرة ”عندما أسمع كلمة ثقافة، أتحسس مسدسي”. أما أنا فأقول ”عندما أسمع كلمة قومي وقومية أشعر بأنني مقبل على كارثة”، لأنني لا أفهم بوضوح المقصود بهاتين الكلمتين، وما لا أفهمه يشعرني بالخوف. الدولة تلجأ لما يسمى بالمشروع القومي طلبا لتأييد رعاياها، بغض النظر عن قيمة المشروع المطروح على الناس، أما المشاريع الطبيعية فيطلب أصحابها النجاح والربح وتأكيد الذات، وهو ما سيتحقق عندما يشارك في صنعها آلاف البشر بمساهمتهم فيها. الناس في حاجة لمعرفة كم سيربحون من مشروع معين، ولا يفكرون في جمال ورومانسية الكلمات المصاحبة لإنشائه. الفيلم الذي حدثتك عنه أنهاه صاحبه بجملة سخيفة هي ”مصر فوق الجميع”، والله أنا لا أعرف معنى كلمة فوق هنا ولا من هم الجميع الذين ستقف مصر فوقهم. كما ترى الرجل كان عاقلا ومعقولا طوال تعليقه على الفيلم، غير أن قوميته كانت ”تنقح عليه”، فقال هذه الجملة التي بطل استخدامها منذ نهاية عصر القوميات. قليل من التواضع يصلح المعدة، فوق مين يا عم؟.. كفاية.. بطلوا. الحكومات السلطوية تلجأ عادة لما يسمى بالمشروع القومي لإرهاب المعارضين والمنتقدين وإلهاب حماستهم وتغذيتهم بالأحلام العريضة، وبذلك تتحول كلمة قومي إلى تعويذة يتم بها طرد الأرواح الشريرة، وهو بالضبط ما تفعله هذه الحكومات عندما تقول لك محذرة ومنذرة ”دي قضية أمن قومي” يعني حضرتك تخرس خالص.هناك مثل شعبي عبقري يقول ”عرفت إزاي إنها كدبة..؟.. فقال: من طولها وعرضها”، هذا هو بالضبط ما تحرص عليه الدول السلطوية التي لم يعد لها وجود منذ سقوط سور برلين. ومن الغريب أن الدولة ذاتها تتعرض للابتزاز من بعض الأطراف، وهو ما حدث في مشروع توشكى.. أحد الكتّاب السلطويين، أو السلطويين الكتّاب، قرر أن يشن حملة على نظام مبارك، فأمسك به من ”إيده اللي بتوجعه”.. ليل نهار يردد: ”يا اللي ماعندكش مشروع قومي.. آه يا مسكين يا غلبان يا اللي ماعندكش مشروع قومي”.. ويستسلم النظام في النهاية، فيجمع عباقرته القوميين (يعني الكدابين) ويقول لهم: ”شوفوا لنا يا جماعة مشروع قومي.. بس يكون قومي قوي”. مشروع قناة السويس الجديدة مشروع عملاق ومهم ومفيد وضروري.. لا داعي لإفساده.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/08/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : علي سالم
المصدر : www.al-fadjr.com